"شوارع بغداد...وأمن واشنطن!"

تؤكّد نخبة قراء أخبار الخليج، بأن سياسات هذه الصحيفة، المهنية والإدارية والثقافية والفنية والإعلانية، تضع اللبنات الأولى في بنى ميثاق شرف وأخلاق الصحافة البحرينية، قبل أن يُتفق على رسمها فوق الورق، لتصبح ملزمة من قِبَل الصحافة المحلية.. وأهم تلك البنى هو التمسّك بالثوابت المبدئية، والحرفية الراقية، اللتان لا تحيدان عن القيم الوطنية والمعايير السياسية المعاصرة والحضارية في الإلتزام بحرية التعبير عن الرأي التي تعمل بها هذه الصحيفة.. حتى بات للصحيفة الدور الريادي والموثوق في رصد ونشر قضايا وتفاعلات الشأن العام البحريني، الاقتصادية والسياسية وغيرها، كقناة اتصال وتواصل بين المجتمع وأفراده، وبينه وبين الرسميين في مختلف أجهزة الدولة.. ومنهم كلهم إلى القنوات الأخبارية والسياسية المختلفة خارج حدود هذا الوطن الصغير في مساحته، والكبير بدوره الإقليمي والدولي.


وعملاً بهذا الميثاق الأخلاقي الصحفي، نشرت أخبار الخليج، يوم الجمعة 6 أكتوبر 2006، نص الحوار الذي دار بين ضيوف المجلس الرمضاني لأبناء عبداللطيف الناصر مع السيد محمد الغريفي، عضو "البرلمان" العراقي.. هذا الحوار الذي قال عنه الاستاذ أنور عبدالرحمن، رئيس التحرير، بأن نشره تم "من دون اللجوء إلى حذف كلمة واحدة"، فيما عدا ما لم تستطع آذانهم التقاطه من خلال المجلس الذي كان عامراً وغاصاً بمريديه. وبذات المسئولية الأخلاقية في حرية التعبير عن الرأي نعرض هنا رأينا في حوار السيد الغريفي، مع رجائنا باتساع صدر سماحته لسماعنا، كما اتسع صدر الحاضرين في ذلك المجلس لسماعه، دون أن يسمح لهم بمداخلة أو سؤال "خلال حديثه الساخن المتدفق جداً" كما وصفه متحدثه.
في ذلك المساء، أمسك السيد الغريفي بناصية الحوار دون أن يفيد الحاضرين أو قرّاء الصحيفة بأية معلومة مفيدة في رده على الاستاذ أنور عبدالرحمن، الذي بادره سائلاً عن حال العراق ليُفاجأ بتسفيه الضيف الكريم لسؤاله قائلاً "أنت تسأل وتتحدّث بسهولة متناهية في قضية شديدة الصعوبة"، وكأن هناك طريقة سهلة وطريقة صعبة في الاحاديث والمناقشات السياسية. والأكثر تسفيهاً، إن الغريفي إعتبر كل الحاضرين، دون مستوى الفهم والإدراك واصفاً الحالة العراقية بقوله إنها "تحتاج إلى فهم خاص جداً، أعتقد إنه صعب جداً عليكم".. ولا نعلم كيف حكم سماحة السيد بأن هذه الحالة فوق مستوى فهم وإدراك البحرينيين.
واسترسل الغريفي ليجيب السؤال عن الحالة العراقية بسؤال قائلاً "من أي جانب تريد أن تفهمها.. من جانب العروبة؟، أم من جانب الجامعة العربية، أم من جانب الدفاع العربي المشترك؟.. أنتم لا تفهمون وضع العراق من هذه الجوانب، لأنكم تعودتم أن تفهموا كل شيء من الناحية الظاهرية"، كل هذا دون أن يتعنى بتضمين سؤاله عما إذا كان الحضور يهمه أن يعرف عن حال العراق في الجانب الإحتلالي البشع.. مستدركاً إهاناته المتتالية لذلك الحضور الإعلامي والأكاديمي والنخبوي العالي المستوى فيعود بحديثه رئيس التحرير بقوله "وحتى لا تغضب.. أؤكد لك إنني لا أقصدك أنت، ولا أقصد أهل البحرين الأحباء، أنا أقصد العرب جميعاً، إنهم غير مهتمين على الإطلاق بما يجري في العراق!".. واستمر كلام سماحة السيد على هذا المستوى لينتهي دون أن يعطي أية معلومة مفيدة عن "قضيته" للحضور..
واضح من كلام السيد الغريفي إن مشكلته الكبرى في العراق مع العرب عموماً، دون أن يفرّق بين الشعب العربي وحكوماته.. وأوضح ذلك بقوله "لقد وصلنا لحد الكفران بما تفعلون معنا، وصلنا إلى حد الإنعتاق الداخلي.. ولذلك لا نستطيع أن نتفاعل معكم".. فسلخ الغريفي نفسه و"العراق"، الذي يتحدث بإسمه، عن الواقع العربي، رافضاً التفاعل مع "العرب جميعاً"، هكذا جملة وتفصيلاً، ويرجع للتذكير بأن مشكلته تتلخص في "أنكم تفهمون مأساة بلادنا بشكل خارجي أو ظاهري"، في إصرار منه بأن ليس بين الحضور الجالس أمامه، ولربما بين العرب جميعاً، من يملك القدرة الاستيعابية أو العمق الثقافي والسياسي المطلوبين لفهم القضية العراقية كما يراها سماحته..
ولكن الغريفي، بعد رجائه من الحاضرين بأن يعيروه "قليلاً من الفهم لما يجري في العراق.."، لم ينسى أن يذكّرهم قائلاً "نحن ليس لنا يد في أن أمريكا جاءت واحتلت بلدنا.."، دون أن يفسر سماحته من المقصود بـ "نحن" الذي يمثلهم، هل هم الشعب العراقي، أم هم أصحاب العمائم، الذين أفتوا بتحريم مقاومة المحتل الأمريكي، وبذلك يتجاهل السيد وجود المقاومة العراقية الباسلة التي أذاقت قوات الاحتلال طعم الهزيمة التي سيتجرعون سمها قريباً، باعتراف أكبر قادتهم في الإدارة الأمريكية، بل يلوم العرب مرة أخرى قائلاً "والكارثة أن أي واحد لديه مشكلة مع أمريكا يريد أن يحاربها على أرضنا.."، مشيراً بأن المقاومين العرب هم السبب الرئيسي لإنعدام الأمن في العراق فيقول "لا يتصورون على الإطلاق ماذا فعل الزرقاوي بشعبنا.. ذبح، وذبح.. أنتم مهتمون بالهلال الشيعي وكأننا نستحق الذبح"... وهكذا يستمر "البرلماني" العراقي بإصراره على أن العرب هم سبب كارثة العراق وسبب كل ما يعيشه العراقيون اليوم من مآسي لا شبيه لها في التاريخ البشري على الإطلاق.. ويصر بعصبية بأن أولئك من "مصر والسودان والأردن وغيرهم"، هم الذين يفجرون أنفسهم في شوارع العراق، ليختم النقاش قائلاً "ولكن الإنسان الشيعي لا يفجر نفسه..".
هذا ملخص حديث السيد الغريفي الذي اقتبسناه مما نشر في أخبار الخليج.. وفي كل ذلك لم يأتي الضيف الكريم بكلمة سواء للحضور البحريني الرفيع المستوى في ذلك المساء الرمضاني عن حقيقة الوضع في العراق، فأعطى المثال الصارخ لديكتاتورية رجال الدين، الذين جيّروا لأنفسهم كل الحقوق في التسلّط السياسي على الأمة بإسم الإسلام المُتَثّل في الجبة والعمامة، وفي التسلط الديني والاجتماعي على الأمة باسم العلاقة الكهنوتية المتمثلة في اسلوب الحديث من فوق المنابر لعباد الله الجالسين تحت أقدامهم..
لذلك، نؤكد لسماحة السيد الغريفي إننا، الشعب العربي من الخليج إلى المحيط، نتابع ونعاني ونتألم لما حدث ويحدث في العراق، ونعرف بعمق وفهم وإدراك واسع جداً حقيقة تلك الأحداث والوضع العراقي برمته، ونشاركهم كل آلامهم الدامية والعميقة مع تأكّدنا بأن هذا الشعب سينهض مرة أخرى كالمارد من وسط رماد الموت وغبار الدمار الذي يلفه، وسينتصر على آلامه ليبني حضارة جديدة كالحضارات السابقة التي بناها طوال تاريخه..
كما نؤكد لسماحته الذي لم يرغب بالكلام عن حقيقة الحال في العراق، لغرض في النفس، إدراكنا ومعرفتنا لما وصلت له الحالة العراقية، اليوم، حسبما نتابعها من مصادرها الأصلية على مدار الساعة واليوم، وهذا ما نوجزه هنا عسى أن يتمكن سماحة السيد من الاستفادة من هذا الموجز للتعريف بقضيته بإسلوب أكثر عمقاً وجدوى وليس بالسلوك المنبري الذي لا يقنع ذوي الألباب!!.
ففي العراق الذي وصل إلى مرحلة إنعاش خطة التقسيم إلى أقاليم طائفية، بدعم عصابات متعددة الجنسيات الإقليمية والدولية، يجري العمل بحماس شديد على "زيادة التهجير الطائفي ونقاط التفتيش والقتل على الهوية في جنوب بغداد والكوت، لمنع أي طائفة أخرى من الدخول إلى الجنوب، تمهيداً للاقليم كواقع".. كما يتم "التركيز على القتل الطائفي في بغداد" وخاصة في منطقة "الرصافة لإلحاقها بالإقليم الجنوبي ووضع الطوائف الاخرى بزاوية الإقليم الوسط لإجبارهم على الخضوع للمحتلين".. فتم حتى الآن تهجير مليوني عراقي إلى الخارج، ومليون في الداخل!!.
ويُدعَم هذا العمل على المستوى المعنوي بممارسة "غسل الأدمغة بإعلام ينكر وجود مقاومة عراقية، وشراء بعض الشيوخ لمحاربة ما يسمى بالمتسللين العرب، ثم إجبار الفضائيات على السكوت عن عبور الآف الحرس الإيراني الذى يخطف ويفجر ويذبح".. وفي الجانب الاقتصادي بدأ "إعلان الحرب الإقتصادية على بغداد حتى لو تم تفريغها من نصف سكانها، لتسهيل مهمة الإخضاع سياسيا، وسنرى قريبا شوارع بغداد واسواقها خالية" كما سمعنا "عن حفر الخنادق حول بغداد!".. ومن الخوف يتم "إستخدام شرطة بدر لمساعدة القوات المحتلة بقتل أي تيار يعارض الإحتلال حتى لو كانت طائفة تسكن النجف وكربلاء وغيرها".. كما تم إصدار قوانين تسمح للجماعات المسيطرة (العصابات) "باستيراد منتجات النفط وتغطيتها قانونيا وتستلم أيضاً توزيع المنتجات المحلية، وبيعها بأرباح خيالية، لتكون سندا ماليا لإقليم الجنوب"..
أما في الشمال فقد تم التهديد بالإنفصال السياسي كما تم حرق علم العراق "في أربيل حتى لو كتب عليه (الله أكبر)، لصرف الأنظارعن مذابح الإحتلال".. وفي الجانب الآخر تم "إصدار قانون الإستثمار الكردي تحضيراً للدولة الكردية، وبعد حفر بئر النفط مع الشركة النرويجية؛ ودعم قوات الإنفصال الكردية التركية، وزيادة التفجيرات في تركيا لتدمير السياحة والاقتصاد لتبديل موقف الحكومة التركية من كركوك والانفصال والاحتلال".. ومن أجل كل ذلك يتم "تدريب عصابات كردية إيرانية"، وتقديم "الدعم المطلق لعبدالعزيز الحكيم لإعلان إقليم الجنوب..
ومن أجل تعويض إيران عن الحرب فقد تم البدء بإنشاء شبكات الربط الإستراتيجي مع الجنوب، "مثل ضخ نفط البصرة إلى عبادان... وتصدير البنزين والغاز للعراق، وتحويل إدارة المحافظات إلى الإسلوب الطائفي... استعداداً لإعلان إقليم الجنوب".. وهناك المزيد من الحقائق التي لا تسعها هذه الصفحة..
ولكن الأمل بتحرير العراق من كل المحتلين يزداد كل يوم، فهذه الحالة العراقية، تقول عنها المقاومة إنها نتيجة "إتفاق وسكوت كل حكومات العالم، وتمويل حكومات عربية لإبادة شعب عربي مسلم بحرب إستثنائية وأسلحة إبادة استثنائية، إذن على المقاومة العراقية أن تستعمل كل الأسلحة الإستثنائية لطردهم!". وعليه تؤكد "إن قوة العراقيين كالإسفنج البحري إذا هاجموها في مدينة، تظهر في مدينة أخرى ثم تعود لأن جذورها في كل أرض الرافدين"، وتقول للعالم بأنها واثقة كثقتها بحلول شهر رمضان كل عام" بأنها ستحرر العراق، وسيذكر التاريخ "كيف تحطمت الإمبراطورية الأمريكية بسبب العراق وفي شوارع بغداد الحبيبة، بقوة المجاهدين والمقاومة العراقية".. وذلك لتأكيد مقولة جورج بوش أن "أمن أمريكا يعتمد على المعركة في شوارع بغداد!!" (www.albasrah.net/ar_articles_2006/1006/rafid37_061006.htm).
وأخيراً نقول لسماحة السيد محمد الغريفي، هذا عمقنا في فهم وإدراك حقيقة الوضع في العراق.. ولدينا المزيد المزيد من الفهم والإدراك العميق ما يجعلنا أكثر تواضعاً، ودون أن نتعالى على البشر، أو نسفّه كل من يحاورنا، بغرض التعتيم على الحقائق، وإخضاع الآخرين تحت أجنحتنا.. ولكم تحياتنا؟؟؟