أطياف الإسلام السياسي، في جامعة البحرين..

مع هلال رمضان في كل عام، تكثر المناقشات الدينية، بكل مستوياتها المعرفية والروحية في المجتمع البحريني، بكل فئاته الطبقية والعمرية.. وكل عام يمر نكتشف كم تزداد هذه المناقشات ضحالة وتشويهاً للإسلام، ولمضمون فكرة الدين أساساً، نتيجة انحراف الثقافة الإسلامية إلى هوامش لا صلة لها بالعلاقة الروحانية والأخلاقية التي تربط بين المخلوق وخالقه، بين الإنسان وربه.. فيحز في النفس أن تسمع إبنة السبع سنوات تسأل صديقتها الطفلة في المدرسة إن كانت سنية أم شيعية؟.. ولعدَم فهم الطفلة معنى السؤال، توضّح لها إبنة السبع سنوات سؤالها بآخر لتقول "يعني أنتوا تلبسوا أسود في محرم؟".. لتصاب الطفلة بالفزع متسائلة "لماذا نلبس الأسود؟؟"، فيأتي الاستنكار والاستهزاء من باقي البنات على هَبَل هذه الطفلة التي لم تُسيّس طائفياً، ولم يُشَوّه الإسلام في ذهنها. أما على مستوى الجامعة فالصورة أكثر حزناً، حيث سأل الطالب زميله، متظاهراً بمدى التزامه الديني، "هل ترفع خنصرك بالشهادة في نهاية الصلاة؟".. فأتى الجواب بالنفي ليُدلي المتساءل الأول بفتواه قائلاً "إذن صلاتك غير مقبولة في هذه الحالة".. وهكذا وصولاً إلى مناقشات أكثر ضحالة وسلوكيات أعمق ضرراً تدور بين الفئات الأكبر سناً والأعلى رتبة..


والنماذج المذكورة أعلاه هي الأبسط ثقافةً وبراءةً في النعرات الطائفية المبتذلة والمنتشرة في مختلف قطاعات المجتمع.. إلا إن هذه الأحاديث البسيطة التي تبدأ مع عمر الزهور، عادة ما تنتهي بأنواع من الاقتتال الطائفي، المباشر وغير المباشر، في سلوكيات الفئات العمرية المتقدمة، حتى بات الأمر وكأنه رجوع إلى عصر الجاهلية الأولى.
والأهم في كل هذا، ورغم تأكدنا من مدى خطورة هذه الظاهرة في كل المجتمع، يبقى الأمر الأكثر خطورة هو انتشار واستفحال الطائفية بكل ثقافتها وسلوكياتها المتدنية في جامعة البحرين، المؤسسة الأكاديمية الأولى والأكبر بين الجامعات، والذي وصل إلى أعلى مستويات الخطر، مما يستدعي قرع جرس الإنذار والتصريح العلني بتخطي جامعة البحرين الخط الأحمر الأكثر خطورة.
منذ ثمانينيات القرن الماضي بدأ التأزم الطائفي يعصف بهذه الجامعة حتى فقدت خيرة أبنائها الأكاديميين من ذوي الشهادات الأعلى في البحرين، الذين هربوا من تلك البيئة العبثية المريضة ليعملوا في قطاعات أكثر صحة وإنتاجية.. ومنذ ذلك الوقت بدأت أطياف الإسلام السياسي تبني قلاعها وحصونها في هذه الجامعة، دون أن يلتفت ذوي الشأن للقضاء على هذه الظاهرة بكل السبل العلمية والسياسية الراقية، حتى باتت خريطة الجامعة الطائفية واضحة المعالم لكل زائر وطالب وعالم، حيث لم يعد يخفي فيها أحد سلوكه الطائفي المدمّر، متحصنين بالأكاذيب تارة وبقوة مسؤول أو حزب سياسي تارة أخرى..
بإختصار شديد باتت الخريطة الطائفية في جامعة البحرين موزعة على أحزاب الإسلام السياسي السني والشيعي، فيسيطر الأخوان المسلمون على الجهاز التعليمي عموماً، وتتصارع الأحزاب السلفية والشيعية على الحرم الجامعي، أي على التكتلات الطلابية في الكليات والأقسام المختلفة، بينما تتصارع كل الأحزاب على مقاعد الهيئات الطلابية في الكليات وهيئاتهم النقابية الموحدة.. وفي النهاية يبقى صراع النفوذ داخل الجامعة صراعاً طائفياً لا علاقة له بمصالح الوطن، إذا علِمنا إن مخرجات هذه الجامعة وصراعاتها ستشكّل آفة مزمنة تنخر في قلب المجتمع لتشكّل المحاصصة الطائفية أهم طموحاتها المستقبلية.
ومن أخطر مظاهر هذه الحالة المتدنية الذي تعيشها جامعة البحرين، هو ما تعانية مجموعة من أكفأ أعضاء هيئة التعليم في الجامعة، من السنة والشيعة، ممن لا علاقة لهم بالجاهلية الطائفية التي يعاني منها عمداء كلياتهم ورؤساء أقسامهم.. فهؤلاء يحفرون في الماء، حيث تُوضع أمامهم كل المعوقات التي تحيّد أدوارهم وتُحرم الجامعة من الاستفادة من كفاءاتهم، لأسباب طائفية بغيضة.. وهؤلاء من يقعون اليوم بين مطرقة رؤسائهم وسندان التحقيق الإداري الذي بات مقصلة الأكاديميين (حسب وصف بعض ضحاياه).. وفي النهاية يبقى الخاسر الأول هو الطالب الذي يبقى ضائعاً في هذا اليم العميق من الخلافات والتخلّف، والخاسر الأكبر هو البحرين العزيزة..
ومع وصول وإستفحال ثقافة الطائفية وسلوك الجاهلية إلى كل مرافق جامعة البحرين، التي ُتخرّج النسبة العظمى من أبنائنا إلى كل قطاعات العمل والمجتمع فإننا من المؤكّد متجهون نحو المزيد من التفكيك والتدمير المجتمعي والسياسي، ومنحدرون للهاوية وليس للأمان والإصلاح..
ومن باب الجزع والحرص الشديدين على مستقبل أبنائنا وهذا الوطن الآمن والأمين، ومع ما أملكه من معلومات حول صراعات الجهاز التعليمي في الجامعة، أتوجه، بل أتضرّع، إلى رئاسة الجامعة، وإلى قيادة الدولة بوضع حد لهذا الخطر المتفاقم..!!؟؟؟