بداية نرى ضرور التوضيح بإن الكم الكبير من النشاطات والفعاليات الرسمية والأهلية، التي بُذِلَت ولازالت تُبذل لإصدار قانون للأحوال الشخصية ينصف المرأة والأسرة البحرينية منذ بدايات العقد الثمانيني للقرن العشرين وحتى هذا العام الخامس من العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، قد استهلك من الجهد والوقت والمال أكثر بكثير مما يستحقه الموضوع برمته، ورغم ذلك فإننا لازلنا متخلفون عن العصر بما يقارب قرن كامل في قضايا الحقوق المدنية والاجتماعية التي شرعها الإسلام للمرأة في الكتاب المبين... فإلى متى سيستمر الجدال حول هذا القانون الذي، من دون غيره من القوانين، دخل خلال ربع قرن من الزمان في أنواع مختلفة من الصراعات السياسية والاجتماعية والدينية، بدءاً بالرفض الرسمي في فترة السطوة الاستعمارية الغربية المهيمنة والرافضة لجميع أنواع الحريات في هذا الجزء من العالم، خوفاً على مصالحها المتمثلة في الثروة النفطية العربية في فترة الحرب الباردة، وانتهاءاً بالرفض الشعوبي والطائفي المتواصل والمترابط مع مخططات الاستعمار الجديد لهذه المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة، والذي نعيش في الوقت الحاضر حيثياته اليومية بشكل فاضح ومكشوف ومبتذل...

في البداية جاء إعلان الإدارة الأمريكية عن الفساد المالي والإداري لبرنامج "النفط مقابل الغذاء" بهدف الضغط على كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، بعد تصريحه بعدم شرعية الحرب الأمريكية ضد العراق، وبالتالي عدم شرعية كل ما جاءت به تلك الحرب، بدءاً بالإحتلال وانتهاءاً بكل الترتيبات التي جاء بها ذلك الإحتلال لإدارة العراق وتدميره ونهب ثرواته، وخصوصاً إن ذلك التصريح جاء في الفترة التي كانت الولايات المتحدة تحاول عمل تسوية لوضعها في العراق بالنقل الصوري للسيادة من إدارة الإحتلال إلى إدارة عراقية عميلة يشغلها عدد من عملاء المخابرات الأجنبية الذين جاءوا على حاملات الطائرات الأمريكية مع الغزاة الانجلوأمريكيين...
استمرت فضيحة "النفط مقابل الغذاء" لتدار وتُوجه بالدفة الأنجلوأمريكية في كل أنحاء العالم باتجاه كل ما يحقق المتطلبات والأهداف المرحلية والاستراتيجية الأنجلوأمريكية في مشروع الإمبراطورية الاستعمارية العظمى الجديدة... وها نحن نرى تلك الفضيحة، وقد أُعطيت اسم "تقرير فولكر" (نسبة إلى رئيس لجنة التحقيق فيها، بول فولكر، بينما المسمى الأول كان "كوبونات صدام")، لإعطائها أهمية رسمية، على خطى "تقرير ميليس"، وتقارير لجان التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل، وتقرير "لوكربي" لتصبح حلقة في سلسلة عمليات الابتزاز الدولي لفرض الحصار الكامل على العقلية العربية ونهب الثروات وإضعاف كل إمكانيات هذه الأمة في المقاومة والمواجهة والردع والدفاع.

زار عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، العراق وانتهت زيارته المحفوفة بالمخاطر، دون أن نعلم لماذا ذهب إلى هناك، وبماذا خرج من تلك الزيارة... وكل ما أُعلن عنه، حسب وسائل الإعلام، إنه كان مبعوث الزعماء العرب للتوسط في عملية، غير واضحة المعالم، للمصالحة الوطنية، وكأن مشاكل العراق المحتل والمدمّر محصورة في بعض الخلافات والتجاذبات السياسية بين القوى والأطراف الوطنية، وبحل تلك الخلافات وبإجراء المصالحة بين تلك الأطراف ستُحَل كل المشاكل ويرجع للعراق قوته وسيادته ويرجع للشعب العراقي أمانه ودولته ومؤسساته وثرواته ومستقبله...

لم تكن الأمة العربية والإسلامية بحاجة لدراسة معمقة في تاريخ الحروب الصليبية بقدر ما هي بحاجتها اليوم... فهذه الحروب التي شنها الغرب الأوروبي على هذه الأمة طوال مائتي عام في حملات عسكرية متتالية لم تتوقف ولم تتراجع، وإنما فقط تحولت إلى أنماط مختلفة من الحملات السياسية والاستشراقية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدبلوماسية والاستخباراتية، وتجلت بشكلها الأوضح في الحملات الأوروأمريكية الاستعمارية والانتدابية، وأخيراً الإحتلالية، أولاً في فلسطين، وثانياً في العراق. وطوال القرون التي تلت تلك الحملات العسكرية الصليبية على المنطقة، لم يتخلى الغرب عن هدف السيطرة على الشرق فوضعوا منذ ذلك الوقت خططاً استراتيجية طويلة المدى، نُفذت ولازالت تُنَفّذ على مراحل، وبآليات متعددة ومختلفة، ولم يتوانوا عن استخدام أية وسيلة تحقق أهدافهم مهما كانت وضيعة ومتدنية، فلم يكن مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" إلا عقيدة أخلاقية في ثقافة الغرب الإرهابية والاستبدادية...