منذ اللحظات الأولى لتفجيرات لندن، صباح يوم الخميس 7 يولية 2005، وحتى الآن، والحكومة البريطانية والأمريكية وكل الحكومات الغربية وأجهزتها الإعلامية تحاول جهدها، وبأحدث الأساليب الإعلامية والسياسية، أن لا تشير إلى أية علاقة، قريبة أو بعيدة، بين تلك التفجيرات وحرب القرن الواحد والعشرين "الصليبية المقدّسة" (كما وصفها جورج بوش)، على العراق وأفغانستان أو في فلسطين، وإلى علاقة تلك التفجيرات بهمجية وبربرية الاحتلال الأنجلو أمريكي في هذين البلدين، أو بالظلم الإجرامي الاستعماري الأنجلو أمريكي السائد على كوكب الأرض ضد الإسلام والمسلمين منذ بداية هذا القرن الميلادي الثالث... ولكن لم يتوان توني بلير عن الإعلان، قبل البدء بأي بحث أو تحري وتقصي، بأن القائمين بهذه العمليات "الإرهابية" هم "إرهابيون" مسلمون، وعرب، تماماً كما تم الإعلان عنه في أحداث 11 سبتمبر 2001 قبل البدء بأي تحقيق حولها.
ومنذ اللحظات الأولى لتلك المآسي التي وقعت في العاصمة البريطانية، وكل التصريحات تندد بالأعمال "الإرهابية" التي تستهدف المدنيين الأبرياء في العواصم الغربية، وكأن ذلك الشعب العراقي والأفغاني والفلسطيني الذي يُقْتَل يومياً بالعشرات والمئات، بكل بماكينات القتل والإبادة الإنجليزية والأمريكية، في الشوارع وحفلات الأعراس والأسواق والمدارس وغيرها، هم ليسوا مدنيين أبرياء، بل هم حسب المفاهيم الغربية العنصرية، إما من فئة أدنى من البشر، أو فئة من بني البشر التي لا تستحق الحياة، أو إنهم بشر ولكن غير أبرياء وإبادتهم مشروعة...

تتفاعل على أرض العراق اليوم مشاريع بناء ثلاث امبراطوريات... امبراطورية أمريكا الاستعمارية (مشروع أوراسيا، من حدود الصين شرقاً إلى البرتغال وموريتانيا غرباً، ويعد العراق عمود الإرتكاز الاستراتيجي للمشروع)، ودولة إسرائيل في كردستان العراق (امبراطورية اسرائيل من النيل إلى الفرات)، وجمهورية العراق الإسلامية التابعة لإيران بنظام ولاية الفقية (الامبراطورية الساسانية). ورغم تضارب هذه المشاريع الاستعمارية التوسعية الثلاثة، إلا إن تقاطع مصالح أصحابها، يجعلهم يعملون معاً على مستوى التعاون، والشراكة، وتبادل المواقع والمسؤوليات فيما بينهم، علناً تارة، ووراء الكواليس تارة أخرى... بالقتال والانتخابات والإدارة على أرض الواقع العملي في العراق تارة، وبالمواقف والأصوات الداعمة في المحافل الإقليمية والدولية تارة أخرى.

من أهم أسباب فشل أي مسؤول بأداء وتطوير العمل الذي أنيط بمسؤوليته هو أولاً: افتقاده للكفاءة العلمية المطلوبة لهذا الدور أو العمل، و/أو ثانياً: إفتقاده للإخلاص والولاء الوطني الذي يُفقِدَه القدرة على العطاء... وهؤلاء هم من أنواع البشر الذين يطالبون ويطلبون ويأخذون دون أن يقدّموا أي عطاء في حياتهم، ودون أن يحققوا أية مصلحة لغير ذواتهم، ودون أن يؤدوا أي واجب عليهم لأي طرف حتى لو كان هذا الطرف هو الوطن.
ولكن، مما نحن بحاجة لفهمه هو لماذا؟! وكيف؟! يصل أولئك الفاشلين إلى تلك المناصب الهامة والخطيرة في الدولة؟، وكيف؟! يتمكن لأولئك الفئة دون غيرهم أن يقنعوا أصحاب القرار بأحقيتهم في تولي تلك المسؤوليات؟، رغم اتساع رقعة أصحاب الكفاءات والسجلات العلمية والعملية والسياسية المشرفة في مجتمعنا البحريني، الذي يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به في العملية التنموية والسياسية.
فمن ناحية، دائماً ما يحافظ أصحاب الكفاءات على سمعتهم العملية كأشخاص يحملون مؤهلا لها تقدير خاص، فيحرص هؤلاء أن يكونوا جديرين بمؤهلاتهم وكفاءاتهم العلمية بما يقدّموه من خلال حياتهم العملية وسمعتهم المهنية... وبهذه الأمانة والمسؤولية، يبتعد أصحاب الكفاءات عن التزلف وتسويق الذات للحفاظ على أمانتهم الأخلاقية من جانب، والحفاظ على مستوى كفاءاتهم العلمية من جانب آخر. وعادة ما يكون، أصحاب الكفاءات والآفاق الفكرية الواسعة، أيجابيين في نظرتهم وتقييمهم لكل ما يحيط بهم، فيكون عطائهم وفيراً، ونظرتهم المستقبلية متقدمة، دون أن تكون محاسبة الماضي هاجساً معرقلاً لمسيرتهم، بقدر ما تعد هاجساً يلازمهم لتفادي الأخطاء القديمة والانطلاق نحو آفاق النجاح...

"الَّذِينَ أَمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبيلِ اللهِ وَالذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ
فَقاتِلُوا أَولِيَاءَ الشَّيطَانِ إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفاً"(النساء 76) صدق الله العظيم
يؤمن العرب عموماً بإن أي تغيير للواقع العربي السلبي الذي نعيشه بتصاعد مستمر، أو نجاح أي مشروع نهضوي لهذه الأمة، لن يتم ما لم يقم على أساس وحدوي تتكامل به كل طاقات وموارد هذا الوطن الكبير في كتلة إقليمية موحدة الإرادة والقوة في إقتصادها وسياساتها... وكذلك يؤمن الشعب العربي، وخصوصاً بعد فشل كل التجارب الوحدوية، الثنائية والثلاثية والرباعية والتعاونية وغيرها، التي قامت خلال القرن الماضي بإرادة بعض الأنظمة العربية، بإن أية وحدة عربية لن تنجح ما لم تتشكل بإرادة وفعل الشعب العربي على مختلف المستويات، المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. فنجاح هذه الوحدة يعتمد على تداخل قوة الشعوب العربية وترابطها فكراً وتراثاً وعقيدة وممارسة، والتي لا يمكن تفكيك مفاصلها الإنسانية والحضارية والتاريخية ولا يمكن إلغائها من الذاكرة أو الوجدان الشعبي.