جاءت قراءتنا الأولية للرسائل الملكية، التي بعث بها ملك البلاد، للشعب البحريني من خلال الإعلام، سواء ما كتبه شخصياً أو ما صرّح به في لقاءاته مع مختلف الفعاليات المجتمعية، جاءت قراءتنا لها على إنها الإعلان عن إنتقالنا كمجتمع ودولة من مرحلة انتهت إلى مرحلة جديدة بدأت في العملية الإصلاحية، مع ما تتطلبه هذه المرحلة من دعائم وقواعد وأسس أكثر قوة وصلابة للإنطلاق نحو المزيد من الانفتاح الديمقراطي، وتثبيت الأسس السابقة لحماية انجازات المرحلة الماضية، في نسق البناء التراكمي للأصول والمكتسبات المجتمعية المطلوبة لتحقيق التغيير المنشود.
خصوصاً وإن الدعوات الملكية توافقت مع انتهاء السنة الرابعة على إعلان الدستور البحريني بعد التعديلات التي أقرت تحوّل البحرين إلى الملكية الدستورية، وبدء عملية التحول الديمقراطي... وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على إعلان ميثاق العمل الوطني الذي حاز على إجماع الشعب البحريني، والذي ظهر في نتائج الاستفتاء العام بنسبة 98.4%...
ومع طيّنا للصفحة الأولى من صفحات الإصلاح، التي عاشت خلالها البحرين عملية مخاض سياسي وتفاعل مجتمعي ومد وجزر على مختلف الأصعدة الرسمية والشعبية، ومع شروعنا بتصفح صفحته الجديدة...

الوجه الآخر للفكر الليبرالي الغربي فهو ذلك الوجه الاستعماري القبيح الذي إبتلى به العالم الثالث، ليبقى رازحاً في تلك المرتبة دون أن يُسمح له بالتقدم، مهما كان الثمن... وخلقوا لتلك الغاية الآليات والأدوات والأفكار، كلها لا تتطابق مع دعوات الحرية والفكر الحر...
لقد إستبدل مفكروا الغرب المجددون الاستبداد والانحطاط الفكري، الذي حاربوه في عصر النهضة، بشكل آخر من الاستبداد، إذ إن مبادئ المنفعة وحرية التملك التي قامت عليه القواعد الليبرالية وضعت بذور الدولة ذات القيم المادية المطلقة، لتحصد الدولة الرأسمالية الأميبية، التي ما كان لها أن تنمو وتتطور وتتعاظم لو لم يتم تغذيتها بمبدأ الاستعمار في عقيدة الغرب الليبرالية التي شرعت قانون الغاب بسيطرة القوي على الضعيف، أو التهامه اذا استدعت إلى ذلك مصالح القوي، فكان الاستعمار الذي جسده الفكر الليبرالي الغربي أبشع تجسيد من أكثر الجرائم الإنسانية على مدار التاريخ البشري...
ومع التطور والتقدم الصناعي والعلمي أصبح الاستعمار يجري في شرايين الحضارة الليبرالية الغربية وعليه تعيش مجتمعاتها... ويصور أحدهم ذلك المبدأ الاستعماري في العقيدة الليبرالية بإنه "إذا كانت الرأسمالية هي روح الحضارة الغربية، فالاستعمار هو قلبها النابض".
والحديث يطول عن الإحتلال والاستعمار الليبرالي الغربي للعالم الثالث... ونتركه للمناقشة.
الليبرالية والديمقراطية
أما من أهم المغالطات في فهم الليبرالية هو ذلك الربط بينها وبين الديمقراطية وكأنهما كلمتين مترادفتين لمفهوم واحد... وهناك أحزاب عربية جديدة (أو جمعيات سياسية) تُعَرّف نفسها وأعضائها بالليبرالية والديمقراطية معاً، رغم التعارض بينهما، وهذا ما يعترف به مفكر النهضة الغربية الليبرالي جون ستيوارت الذي وجد ذلك التعارض الشديد بين الليبرالية والديمقراطية فقام بمهمة التوفيق بينهما (قبل منتصف القرن التاسع عشر)، ولا أعتقد إنه توَفّق في تلك المهمة، نسبة لما نراه اليوم في كل دول الغرب (الديمقراطية، الليبرالية).

هل تعد الليبرالية في المجتمعات العربية فكراً وخطاً سياسياً التزم به بعض العرب، أم ثقافة مجتمعية تمارس في الحياة اليومية، أم هي مجرد أطر ومعايير اقتصادية تم استيرادها من الغرب المختلف اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وعلمياً عن مجتمعاتنا؟!... قد نستطيع الإجابة على هذا التساؤل في نهاية هذه الورقة...
لذلك، وقبل أن نبدأ بالحديث عن الليبرالية في المجتمع العربي بنموذجها الحالي لابد لنا، من الرجوع لمفهوم المصطلح وظروف نشأته وتطوره مع تطور المجتمع الغربي (حيث هو منشأه)... خاصة وإن هناك خلطاً على ما يبدو في فهم ماهية الليبرالية وماذا تعني، وكيف تمارس في السياسات الغربية ومجتمعاتها، بل إن هناك قطاعات واسعة في مجتمعاتنا قد أساءت لهذه الكلمة حين درجوا على ترجمتها في الواقع المجتمعي بعيداً عن معناها وتوظيفاتها في مجتمعاتها الأصلية.
فالليبرالية حسب المراجع الغربية، هي كلمة تطورت في الرومانية من إسم الإله "ليبر Libre"، الذي يعني الحرية الناتجة عن ذهاب الوعي بسبب شرب الخمر، وما يتبع ذلك من حرية ممارسة العربدة والفساد... وأدى التطور اللغوي لهذا الإسم إلى إستخدامه كمصطلح للدلالة على "الحرية الشخصية" أي حرية المرء في فعل ما يشاء، واشتقت منها كلمات "الحرية Liberty"، و"حر Liberal"، و"الليبرالية Liberalism"... والليبرالية حسب هذا التطور اللغوي هي مصطلح يعبّر عن "الفلسفة التحررية"...
ظهرت الليبرالية بمفهومها التحرري في فترة النهضة الغربية مع نشوء الطبقة البرجوازية، التي كانت طبقة القطاع الأوسع في المجتمع... وكانت الليبرالية بمفهومها المحصور في "حرية الفرد والمنفعة" حينذاك مصطلحاً معبّراً عن أيديولوجيا، سياسية واقصادية واجتماعية، منسجم مع المجتمع الغربي الذي بدأ منذ وقت مبكّر بتسوية إشكلات ومعوقات الدولة الغربية الثيوقراطية، فحصر الدين ورجالاته بين جدران الفاتيكان وعزل الدين عن الدولة عزلاً تاماً، وحرّر التشريعات والسياسة من كل قيودها، فكانت تلك الجدران فاصلاً رسمياً بين قيم الدين وقيم الدولة العلمانية الغربية.

"أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم
مَّسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ
أَمَنوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214)
كان الاحتلال اليهودي على 6.6% من أرض فلسطين، وبعد هزيمتنا في حرب 1948 احتلوا 77% من تلك الأرض العربية...
هُزِمَ العرب جميعاً في حرب 1967 واحتل اليهود 100% من أرض فلسطين إضافة إلى الجولان وغزة وسيناء فأصبحت مساحة إسرائيل بعد الحرب أربعة أضعاف مساحتها قبل الحرب..
وبين المعركتين والهزيمتين كان عدوان 1956 الثلاثي على مصر العروبة الذي كان يمكن أن يتحول إلى هزيمة كبرى لولا وجود القطب الشيوعي الضاغط باتجاه أيقاف ذلك العدوان الإسرائيلي الغربي...
أما حرب 1973 التي لانزال نحتفل بانتصاراتها لأن جيشنا العربي تمكّن من اختراق خط بارليف وكسر نظرية "القوة الإسرائيلية التي لا تقهر"، فكانت هي الهزيمة الكبرى، بعد أن تم رهن مساحات كبرى من سيناء لتصبح الحدود السياسية الآمنة لإسرائيل في المعاهدات التي تلت الحرب... ورغم ذلك أقيمت الإحتفالات الشكلية "بتحرير" طابا التي لازالت ملوثة بالوجود الإسرائيلي المكثف... فتلك الحرب، التي اعتبرت لعبة سياسية، كانت مدخلاً للتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد التي فصلت مصر عن الإجماع العربي، وكانت بداية الإستسلام لسياسة الأمر الواقع الإسرائيلي والدخول في سلسلة اتفاقيات السلام "الاستسلام"...