إستهجن العالم السلوك الغربي عندما قصفت الولايات المتحدة الأمريكية مدينتي ناجازاكي وهيروشيما بقنبلتين ذريتين بعد يومين من إعلان اليابان وقف إطلاق النار إثر إنهزام قواتها في الحرب العالمية الثانية، بينما لم تُقصَف المانيا النازية، التي إنطلقت منها الحرب العالمية الأولى والثانية، بهذه القنابل... كما استهجن التاريخ سلوك الغرب عندما فُرِضَ على اليابان توقيع معاهدة الاستسلام بعد تأديبها بالقنبلتين، بينما لم يُفرَض على ألمانيا توقيع تلك المعاهدة الإستسلامية المهينة... فكان معروفاً إن هذا السلوك التأديبي المتوحش لا يمارسه الغرب (المتمدن) إلا في حق شعوب ودول الشرق (البدائية) ليتمكنوا من استعمارها والهيمنة عليها، أما التعامل فيما بينهم، دول الغرب، فيتم على مستوى ذلك "التمدن"... وهذا ما يصفه روبرت كوبر، مستشار توني بلير للسياسة الخارجية، في مقالة بعنوان "الدولة في العصر الحديث" (2002) بقوله "إن التحدي أمام عالم العصر الحديث أن يعتاد على فكرة المعايير المزدوجة...

ما كان لصحيفة أخبار الخليج أن تتميّز بالإنتشار الأوسع على مستوى البحرين (بشهادة أرقام المبيعات، الحقيقية وليست المزورة) لو لم تكن قد كسبت العقول والقلوب والثقة التامة في كافة قطاعات المجتمع البحريني التعليمية والعلمية والعملية والاجتماعية... وما كان هذا الكسب ليتحقق لهذه الصحيفة لولا تميّزها بإدارة قديرة وكفؤة، من الطراز المهني الأول، تمتلك آفاق ثقافية واسعة، وحرص وطني وقومي شديد الموضوعية، تعمل بصمت ورقيّ في أداء دورها وواجبها، من خلال الصحيفة، في نشر المعرفة والمعلومة والخبر وإيصال الرأي المتعمق والرزين للقارئ العربي، الذي تُمارس ضده أبشع سياسات التجهيل، بدءأ بالتعتيم المعرفي والاعلامي، وانتهاءاً بممارسة الإرهاب الفكري ضد كل من يخالف تلك السياسات التجهيلية التي تهدف إلى تمرير مخططات واستراتيجيات الغزاة والمحتلون وأتباعهم الشعوبيون والطائفيون...

العنوان أعلاه مقتبس من مقال الكاتب السعودي، الزميل "مهنا الحبيل" (صحيفة الشرق "القطرية"، 11 أكتوبر 2005)، في مجال عرضه لـ "أقوى وسائل المقاومة الفكرية" التي تحتاجها الأمة العربية والإسلامية عموماً والساحة الخليجية خصوصاً "لوأد الفتنة الطائفية وتقوية الانتماء العربي الإسلامي" أمام "المشروع الإيراني الذي ارتفعت الأصوات ضده الآن بعد أن رأت وجوده المباشر والواسع في جنوب العراق"...
نعم، إن غياب خطاب الوعي والانتماء العروبي والإسلامي الذي يتم محاربتهما منذ ثلاثة عقود، كان أحد أهم أسباب استقواء الهجمات الشعوبية والاستعمارية والصليبية المتتالية على هوية الامة العربية وعقيدتها الإسلامية، تلك الهجمات التي أسفرت عن نفسها، وكشفت عن نواياها وأهدافها، مع بداية القرن الميلادي الواحد والعشرين، كمؤشر لإنطلاق عمليات مشروع الإمبراطورية الأمريكية (مشروع القرن الأمريكي الجديد) التي تعد المنطقة العربية والإسلامية وثرواتها قلبها النابض، وبدونها لن يكتب لهذه الإمبراطورية الحياة والنجاح والقوة والهيمنة.

في 27 يناير/كانون الثاني 1973 وَقّعت الولايات المتحدة الأمريكية على "اتفاقية باريس" التاريخية معلنة انكسار وانهزام قواتها الغازية في مواجهة الشعب الفيتنامي المقاتل بعد حرب استمرت 19 عاماً (1954-1973) بهدف إحتلال فيتنام، قاتل الفيتناميون فيها الغزاة بأسلوبهم الخاص فتحقق لهم النصر وكرّسوا مبدأ رضوخ الغزاة لإرادة الشعوب...
وفي 19 أبريل/نيسان 1975 اخترقت مدرعات القوات الفيتنامية المحررة مقرات النظام العميل للولايات المتحدة في سايغون لتعلن الانهزام النهائي للإمبريالية الأمريكية في فيتنام، ولتترجم عملياً المبدأ الحتمي للسيادة الوطنية وحقوق الإنسان "النصر دائماً للشعوب"...
ولكن كيف وصل هذا الشعب المقاتل إلى ذلك النصر الذي سطّر إسم الشعب الفيتنامي في التاريخ بخطوط من نور... هذا ما يتجاهله الإعلام العالمي بهدف محو وصمة العار الأزلية التي لحقت بالقوات الأمريكية الأقوى في العالم، إلى حين تمحو هذه القوات عارها في حروب أخرى لم تتوقف منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا... فقادهم حظهم العاثر إلى حرب أخرى في العراق لا تقل شراسة وعنفاً ودموية عما واجهوه في فيتنام...
سنوجز هنا بعض أوجه التشابه بين الحرب الفيتنامية والحرب العراقية ضد الأمريكان؟!.