كانت ومازالت المساعدات والقروض المالية المقدمة للبلدان النامية تعزز نموذجاً يؤكد فشله باستمرار، فهذه الأموال عملت وتعمل كل يوم على زيادة القيود على هذه البلدان، وعلى تزايد الفساد المالي والإداري واتساع طبقة المرتشين والقيادات الموالية والمرتبطة بالدول المانحة ضد مصالح بلدانها، وعلى فشل المشاريع التنموية في البلدان النامية المقيّدة بشروط البنك الدولي وسياسات الدول المانحة (مجموعتي السبعة والثمانية - G8, G7)... وباختصار، فإن كل تلك المساعدات والقروض لم تحقق إلا المزيد من الضعف والعجز في دولنا واستمرار تبعيتها للاستعمار الذي تمكّن من فرض شروطه وسياساته وسيطرته على المنطقة في فترة ما بعد الاستقلال من خلال هذه الآليات المالية الخطيرة...
40% من المساعدات المالية لدولنا تذهب إلى حسابات سرية بالبنوك الغربية (أغلبها لأفراد في قمة القيادة ولهم علاقة مباشرة بالأطراف المانحة)، فأصبحت هذه المساعدات عبارة عن تجارة وأعمال "Business"... ويصرف الجزء الباقي على المشاريع المحلية التي تفوز الشركات الغربية بمناقصاتها بتكلفة تصل إلى أضعاف كلفتها الحقيقية، وهكذا ترجع تلك المساعدات مرة أخرى لأصحابها من المانحين... وفي حالة القروض فإن العجز في السداد يدفع هذه البلدان لأحضان البنوك والشركات الغربية الكبرى لشراء ديونها بفوائد تعجز دولنا عن سدادها، ليبدأ مسلسل فرض الشروط والقيود المدمّرة لكل المصالح والمشروعات التنموية الوطنية، و"يجري استعبادها والاستيلاء على ثرواتها ومواردها إلى أجل غير مسمى، بحيث تظل تدور في فلك الإمبراطورية الأمريكية" (اعترافات سفاح اقتصاد: اصطياد الدول الفقيرة بالديون، تأليف جون بركنز / دار بيريت كوهلر للنشر 2004)...

تأسس منتدى المستقبل بعد منتدى سي آيلاند (2004) الذي أرادت فيه الولايات المتحدة إشراك دول مجموعة الثمانية (G8) في مشروع الشرق الأوسط الكبير، وذلك بعد تفاقم أزمتها في العراق... وانعقدت أولى حلقاته بالمملكة المغربية في العام 2004، والثانية في البحرين بتاريخ 11-12 نوفمبر 2005، ليتولى تمرير عمليات الإصلاح الأمريكية في المنطقة العربية، بدءاً بالتعليم والشباب ومؤسسات المجتمع المدني، ولأن دولنا لا تملك إرادة مقاومة المشروع رغم اعتراضها عليه، لذا وجدت نفسها مضطرة للمشاركة بالمنتدى لكي لا تفاجأ بقراراته الملزمة دون المشاركة في صنعها... ففي الوقت الذي يمكننا أن نعدد بعض مما تحققه هذه المنتديات من أهداف ومصالح إنجلو-أمريكية، إلا إننا لم نجد في كل تلك الأهداف ما يصب في مصلحة ذات بعد استراتيجي قصير أو بعيد المدى لمنطقتنا بشكل عام، بل على العكس تماماً، فإن مشروع الشرق الأوسط الكبير بمحصلته النهائية يصب في تقسيم المنطقة أثنياً وطائفياً لتكريس الضعف المستشري في إرادتها السياسية... وما كل هذا الحوار الأمريكي الأجوف حول الإصلاح والديمقراطية إلا ذراً للرماد في العيون.

في تلك السنين عندما كنا نحن شباب الغدُ، كان نشيد "نحن الشباب" من أحلى الأناشيد الملهبة لمشاعرنا وحماسنا، لِمَا كنا نحمل من مشاعر قوية بالانتماء والحب للوطن والهوية القومية، ولِمَا كنا نملك من أحلام وآمال في بناء هذا الوطن وتمكينه من القوة للوصول به إلى مستقبل مشرق خالي من كل أنواع الهيمنة والتبعية للقوى الطامعة في أرضنا وفي مواردنا الاقتصادية الطبيعية، وكانت تلك الأحلام والآمال تتملكنا في كل أداء وإنجاز خاص أو عام نحققه... فكل ما نفعل كان للوطن، وكل مردود نحصل عليه هو على الأكثر لتمكيننا من مواصلة تحقيق أحلامنا وآمالنا في الوطن بحماس أكثر وعطاء أكبر... وهكذا مرت العقود لنرى فجأة إن الواقع العربي يتجه إلى الخلف بخطوات واسعة وسريعة، وكل جهودنا وأحلامنا تذهب هباءاً منثورا...

مرجعنا في هذا المقال هو كتاب "المتعة، الزواج المؤقت عند الشيعة (حالة إيران 1978-1982)" للدكتورة شهلا حائري (دكتوراة في الأنثروبولوجيا الثقافية من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، باحثة في مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة هارفارد)، الإسلامية الثقافة والنشأة والتربية والقرابة (حفيدة آية الله حائري). وضعت الدكتورة حائري بين دفتي هذا الكتاب دراسة أكاديمية موثقة بأعداد من المراجع وكم هائل من المعلومات، ومعتمدة على مسح ميداني في المجتمع الإيراني من خلال مقابلات أجرتها الباحثة شخصياً مع عشرات النساء والرجال، وآراء رجال دين من مختلف المستويات و"مناقشة موضوعية وتحليلية لكل الآراء والتشريعات"، سعياً إلى "إرساء فهم ثقافي ونقدي لمؤسسة الزواج المؤقت، المتعة، وممارستها" لما يكتنف هذا النوع من الزيجات من غموض تاريخي وثقافي وأخلاقي، حسب رأي الباحثة التي تذكر بإن زواج المتعة أصبح أمراَ شائعاً في إيران منذ ثورة العام 1979، لكونه يعتبر شرعياً "لدى الشيعة الأثنى عشرية اللذين يعيش أغلبهم في إيران، على الرغم من أن وجودهم لا يقتصر عليها".