زواج المتعة، من أين وإلى أين...!

مرجعنا في هذا المقال هو كتاب "المتعة، الزواج المؤقت عند الشيعة (حالة إيران 1978-1982)" للدكتورة شهلا حائري (دكتوراة في الأنثروبولوجيا الثقافية من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، باحثة في مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة هارفارد)، الإسلامية الثقافة والنشأة والتربية والقرابة (حفيدة آية الله حائري). وضعت الدكتورة حائري بين دفتي هذا الكتاب دراسة أكاديمية موثقة بأعداد من المراجع وكم هائل من المعلومات، ومعتمدة على مسح ميداني في المجتمع الإيراني من خلال مقابلات أجرتها الباحثة شخصياً مع عشرات النساء والرجال، وآراء رجال دين من مختلف المستويات و"مناقشة موضوعية وتحليلية لكل الآراء والتشريعات"، سعياً إلى "إرساء فهم ثقافي ونقدي لمؤسسة الزواج المؤقت، المتعة، وممارستها" لما يكتنف هذا النوع من الزيجات من غموض تاريخي وثقافي وأخلاقي، حسب رأي الباحثة التي تذكر بإن زواج المتعة أصبح أمراَ شائعاً في إيران منذ ثورة العام 1979، لكونه يعتبر شرعياً "لدى الشيعة الأثنى عشرية اللذين يعيش أغلبهم في إيران، على الرغم من أن وجودهم لا يقتصر عليها".


وزواج المتعة كما جاء تعريفه في الكتاب هو "عقد يقرر فيه رجل وإمرأة غير متزوجة، المدة التي يريدان خلالها البقاء متزوجين من بعضهما، وكمية المال التي ستتقاضاها الزوجة المؤقتة"... وحسب الباحثة فإن زواج المتعة يمكن أن يتم مع إمرأة عذراء أو أرملة أو مطلقة، ولا يتطلب عقده وجود شهود أو تسجيل في المؤسسات الرسمية للدولة، كما يمكن أن تكون "مدته ساعة واحدة، أو تسعة وتسعين عاماً"، ويمكن الانفصال بدون إجراءات الطلاق... وهنا تذكر الباحثة إنه "على الصعيد الفكري، يميّز الفقه الشيعي بين الزواج المؤقت (المتعة)، وهدفه اللذة الجنسية، والزواج الدائم (النكاح) الذي يهدف إلى توليد النسل". وفي هذه الحالة "يحق للمسلم الشيعي أن يعقد زواج المتعة مع من يشاء من النساء، إضافة إلى حقه في عقد زواج دائم مع أربع نساء في آن معاً"... وهنا تشبّه الباحثة عقدي الزواج الدائم والمؤقت بعقود البيع والإيجار.
وما يهمنا هنا هو ما طرحته الباحثة عن مقارباتها المباشرة لأسباب انتشار هذا النوع من الزواج، المجحف بحق المرأة، في المجتمع الإيراني بشكل خاص والشيعي بشكل عام بعد أن اعترف المشرفون على هذه الدراسة بنجاح الباحثة "في هذا العمل البحثي الدقيق لتظهر بأن المتعة تواصلت في إيران بعزم وعناد، وهي (أي المتعة) تستعيد حيويتها كطريقة ثقافية ذات مغزى، لإضفاء الشرعية على أشكال عديدة من العلاقات بين الجنسين" إضافة إلى إنه بحث "ينوه بالإبداع والمرونة الإنسانية في مواجهة مؤسسة هي في أساسها مؤسسة تنعدم فيها المساواة"... فما هي أسس تمسّك إيران بزواج المتعة؟!..
في المقاربة الأولى: تشير الباحثة إلى عدد لا يستهان به من المصادر التي رجعت لها لتحليل أسباب انتشار هذا النوع من الزواج في إيران، ومن تلك المصادر تقول الدكتورة حائري: "في كتابه (غرائب بلاد فارس) يحاول دو لوري De lorey أن يربط زواج المتعة بعادات فارسية سابقة على الإسلام إذ يقول: يعتبر زواج المتعة مؤسسة فارسية قديمة... ووفقاً للأسطورة المتداولة، فإن (رستم)، أي هرقل بلاد فارس، عقد أول زواج مؤقت مع (تامينيه) إبنة الملك (سامانغام)، وقد ولد لهما بنتيجته إبن اشتهر في ما بعد هو (زهراب)" (ص39)... وتسترسل الباحثة في سرد القصص والمراجع التاريخية لتتوصل إلى أصل ثقافة زواج المتعة بإنه "على الرغم من وجود شكل من أشكال الزواج المؤقت في إيران ما قبل الإسلام (لم نعثر علىأي إسم إيراني خاص بالزواج المؤقت)، فإنه مختلف كلياً عن زواج المتعة. فعند الزرادشتيين يحق للزوج أو رب العائلة إعطاء زوجته أو أبنته -من خلال إجراءات رسمية رداً على طلب رسمي- إلى اي رجل من قومه، يطلبها كزوجه مؤقتة لفترة محددة، وفي هذه الحالة تبقى المرأة زوجة دائمة لزوجها الأصلي، وفي الوقت نفسه تصبح زوجه مؤقتة لرجل آخر. وأي طفل يولد خلال فترة الزواج المؤقت يعود إلى الزوج الدائم أو لوالد المرأة، وفقاً للحالة" (ص 40)...
أما المقاربة الثانية: في تحليل أسباب التزام إيران "الشيعة" بهذا النوع من الزيجات، الذي وصفته الباحثة بأنه يتزايد ويتراجع وفقاً لسياسات ومواقف النظام السياسي الإيراني منه، تشير الدكتورة حائري إلى بعض الأقوال الشائعة والمنسوبة (زوراً) "إلى الإمام حعفر الصادق وإلى والده الإمام محمد الباقر، وتقول إن رجلاً سأل الإمام (هل لزواج المتعة ثواب؟)، يروى إن الإمام أجاب: (إن الذي يعقد زواج المتعة مع إمرأة لإرضاء الله، أو لإتباع تعاليم الدين الحنيف وسُنّة رسوله، أو لعصيان أمر الذي حرّم المتعة {في إشارة إلى عمر بن الخطاب}، ينال ثواباً عن كل كلمة تبادلها مع المرأة، ويمنحه الله ثواباً عندما يمد يده إلى المرأة، وعندما يدخل عليها، يغفر الله جميع ما تقدّم من ذنوبه. وعندما يغتسل تحل عليه رحمة الله ومغفرته مرات عدة، على عدد الشعرات التي تبللت بمياه الاغتسال" (ص 24-25)... وهكذا تسترسل الباحثة في تفسيرها لذلك النص بإنه "يروى أن الله يمنح ثوابه لمن يمارس زواج المتعة لأن في ذلك تحدياً مباشراً لتحريمه من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في أواسط القرن السابع الميلادي، ولا يعترف الشيعة بهذا التحريم ويعتبرونه غير ذي قيمة" (ص 25)... وفي ذلك ينسب إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب بإن تحريمه لهذا الزواج كان بدوافع عنصرية "لأنه كان يخشى اختلاط النسل العربي بغير العرب، وعمل على منع زواج العرب من الأجانب" (ص 99)، ولكن "أحد أكثر الاتهامات الشيعية إثارة للإهتمام، ينسب إلى عمر دوافع شخصية لتحريم المتعة" (ص 99-100)... وفي كل ذلك تورد الباحثة المصادر والمراجع التي استمدت منها مواد دراستها هذه.
وفي مقاربة أخيرة: حول الاسباب الثفافية لإنتشار زواج المتعة في إيران هو ما تشير إليه الباحثة بقولها: "تبادر فيه الزوجة إلى اختيار زوجة مؤقتة لزوجها، وخادمة لها في الوقت نفسه. وتتراوح دوافع المرأة ما بين تملق الزوج والسيطرة على إختياره للمرأة التي يُعاشر، مروراً بتحويل طاقة الزوج الجنسية إلى شريكة أخرى" (ص 128-129)، وهذا ما تنسبه الباحثة إلى الزوجة الإيرانية.
لهذه الأسباب التاريخية والسياسية والثقافية ينتشر زواج المتعة في الأوساط الإيرانية ليصبح سنة من سنن المذهب "الشيعي" زوراً وبهتاناً... وبهذه الثقافة تم نشر زواج المتعة في الأرض العربية في غزوات إختلاط الانساب، كما هو جارٍ في كل المدن العراقية منذ بدء الاحتلال الانجلوأمريكي، والصهيوصفوي للعراق في أبريل/نيسان 2003.


كلمات دالة: