لماذا منتدى المستقبل (1)

تأسس منتدى المستقبل بعد منتدى سي آيلاند (2004) الذي أرادت فيه الولايات المتحدة إشراك دول مجموعة الثمانية (G8) في مشروع الشرق الأوسط الكبير، وذلك بعد تفاقم أزمتها في العراق... وانعقدت أولى حلقاته بالمملكة المغربية في العام 2004، والثانية في البحرين بتاريخ 11-12 نوفمبر 2005، ليتولى تمرير عمليات الإصلاح الأمريكية في المنطقة العربية، بدءاً بالتعليم والشباب ومؤسسات المجتمع المدني، ولأن دولنا لا تملك إرادة مقاومة المشروع رغم اعتراضها عليه، لذا وجدت نفسها مضطرة للمشاركة بالمنتدى لكي لا تفاجأ بقراراته الملزمة دون المشاركة في صنعها... ففي الوقت الذي يمكننا أن نعدد بعض مما تحققه هذه المنتديات من أهداف ومصالح إنجلو-أمريكية، إلا إننا لم نجد في كل تلك الأهداف ما يصب في مصلحة ذات بعد استراتيجي قصير أو بعيد المدى لمنطقتنا بشكل عام، بل على العكس تماماً، فإن مشروع الشرق الأوسط الكبير بمحصلته النهائية يصب في تقسيم المنطقة أثنياً وطائفياً لتكريس الضعف المستشري في إرادتها السياسية... وما كل هذا الحوار الأمريكي الأجوف حول الإصلاح والديمقراطية إلا ذراً للرماد في العيون.


تحمّلت مملكة البحرين تكاليف انعقاد "منتدى المستقبل لمشروع الشرق الأوسط الكبير" الأمريكي، و"منتدى المستقبل الموازي"، الأول لتجمع قادة مجموعة الدول الثمانية (G8) مع القادة العرب، والثاني لاجتماع ممثلي بعض مؤسسات المجتمع المدني العربي (المنتقاة)، وتميّز المحفلين بظواهر وخفاياها بعيدة عن الواجهة فلم يكشف عنها الإعلام... وللتنوير نورد أدناه بعض منها:
- كان عدد الوفد الأمريكي حوالي 150 عضواً منتشرين في قاعة الاجتماع بشكل وبائي بين الحضور، برئاسة جونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية.
- تميّزت الاجتماعات بحضور رئيس البنك الدولي، بول وولفويتز، أحد كبار قادة اليمين المحافظ الأمريكي وعضو أساسي في "مؤسسة مشروع القرن الأمريكي الجديد"، أي مشروع الإمبراطورية الاستعمارية الأمريكية، وكان حضوره ملفتاً للانتباه، لمتابعته الشخصية لكل الحوارات إلى آخر لحظة من المؤتمر.
- إنفردت وزيرة الخارجية الأمريكية، وأعضاء من وفدها، بمؤسسات المجتمع المدني العربية، في اجتماعات خلف الأبواب المغلقة في غرف جانبية، رغم حضور ممثلي هذه المنظمات في القاعة الرئيسية ومشاركتهم الحوار مع ممثلي دولهم.
- كان الطرف العربي الرسمي أكثر وطنية وحرصاً من ممثلي المجتمع المدني الذين تمادوا في الإعراب عن تبعيتهم وولائهم للطرح الأمريكي وابدوا سلوكاً ابتزازياً بالاستقواء بالخارج الاستعماري...
- قبل يوم من بدء المنتدى، وفي اجتماع لجنة الخبراء، التي تضم ممثلين الدول العربية، بدأ ممثل البحرين الكلام باللغة الإنجليزية، فتصدى له ممثل سلطنة عمان، مدير دائرة العلاقات الخارجية، برفض الحديث بلغة أجنبية لأن الحاضرين في ذلك الاجتماع يمثلون 22 دولة عربية، مما فرض التحوّل للحديث بالعربية.
- أستلم غالبية الوفود نسخهم من البيان الختامي (إعلان البحرين) في اللحظات الأخيرة، واثناء انعقاد الاجتماع، فلم يتمكّن الوفود من مناقشة البيان داخل القاعة، مما دفعهم للنقاش خارج القاعة، وفي جلسات للوصول إلى موقف جماعي.
- في الجانب الآخر اضطر الوفد الأمريكي للعمل المكوكي بين الوفود، خارج القاعة، لإنجاح البيان الختامي.
- أُختًصِر البيان الختامي (إعلان البحرين) باقتضاب شديد في ثمان فقرات، وتميّز بنصوص فضفاضة، وبتعدد المعاني والتأويلات والأهداف، وشديد التلاعب بالألفاظ... وكل فقرة تفرض تعهدات ملزمة للدول، وصلاحيات كاملة بالتدخل الأمريكي المباشر في كل شئوننا العربية وفي تقاليدنا وتراثنا ومعتقداتنا وأمننا وسلمنا المدني، بما يفرض الحساب والعقاب لأي طرف يتجاوز تلك النصوص المبهمة.
- تصدت الوفود العربية الرسمية للبيان الختامي لمنتدى المستقبل، لأنه يمس بسيادة دولهم مباشرة، لعلمهم بأن هذه النصوص ستتحوّل في الاجتماع القادم بشكل آلي إلى قرارات ملزمة، وهذا ما دفع الجانب البحريني إلى التنازل والانضمام إلى مجموعة الرافضين للبيان.
- لم يتم تعريف أو تعيين الطرف المشرف على "صندوق المستقبل"، في إشارة إلى استفراد الطرف الأمريكي بهذا الموضوع.
- لم تتمكن الولايات المتحدة جمع المبلغ المطلوب لـ"صندوق المستقبل" الذي يهدف "لدعم المزيد من تطوير المشاريع الربحية الصغيرة والمتوسطة الحجم في المنطقة من خلال تقديم المنح والقروض"... ويراد لهذا الصندوق أن يتحول إلى جهاز مشبوه مثيل للبنك الدولي الذي عمل في السنوات السابقة على إفشال كل المشاريع التنموية في منطقتنا، وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة.
- تم رفض انضمام بعض الدول إلى "صندوق المستقبل" بسبب عدم المشاركة بالدفع.
- بشكل ملفت للانتباه والإعجاب، تميّزت إحدى الدول الخليجية بالسعي الحثيث لإفشال الكثير من نصوص المشروع الأمريكي، بينما استهجن الكثيرون سلوك الطرف البحريني الرسمي التابع كلياً للإرادة الأمريكية، بالإضافة إلى التبعية التي أبدتها الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني العربية للمشروع الأمريكي.
وللحديث صلة...