مما يدعو للإستغراب إن تبقى أنظمتنا العربية غير قادرة على قراءة الوقائع السياسية إقليمياً ودولياً، ومتابعة الوقائع المتجددة والمتسارعة في المنطقة، برؤية سياسية تراعي بها مصالحها ومستقبل شعوبها وحرمة الأرض والهوية العربية التي تُسلَبُ منا كل يوم، وقدسية العقيدة الإسلامية التي ما فتئ البرامكة والصليبيون مستمرون على تشويهها وتغييرها لهدم قيمنا الحضارية والإنسانية التي تمكننا من مواجهة الغازين والمستعمرين... وهذا الاستغراب هو ما يعبّر عنه كل متابع لحركة وأنشطة وقرارات وتصريحات المسؤولين العرب من خلال الإعلام (المصدر الوحيد للمعلومات)، ليكتشف إن النشاط الاجتماعي المخملي هو الغالب على أدائهم في كل المحافل، بينما النشاط السياسي وحركة القرارات السياسية (الرئيسية والثانوية) غالباً ما تتجوّل بين بلداننا في الحقائب اليدوية التي يحملها ممثلي الحكومات الأجنبية المَكُوكِيين الذين لا يبارحون عاصمة من عواصمنا العربية حتى يعودوا لها بحقائب مليئة بسياسات ومشاريع وقرارات جديدة. فيا ترى هل هذه الأنظمة العربية لا تملك حق العمل السياسي لصالح دولها حسب شرائع النظام الدولي الأمريكي الجديد؟!...

في الخليج العربي، الذي عملت أطراف متعددة منذ وقت مبكر، على سلخه من واقعه ومصيره العربي ومارست عليه أقسى أنواع الغزو الثقافي في ظل الثروات النفطية التي هدرت على مدى أكثر من ثلاثة عقود، في هذا الخليج ربما لا يعرف الجيل العربي الجديد ما سبب تمادي الأنظمة الحاكمة العربية في غيها باتخاذ قرارات ضد ارادة شعوبها . . ولربما لا يعلم هذا الجيل أيضاً مدى هذا الغي عندما يتعلق الأمر بالشأن القومي نسبة لما يراه على المستوى الوطني من رفاه خدماتي . . . ولربما تمكن الغزو الثقافي الغربي والشعوبي من السيطرة على فكر وثقافة هذا الجيل البائس . . .

يمارس الإحتلال متعدد الأطراف في العراق، إرهاباً إعلامياً ضد المقاومة العراقية وكل من تسوّل له نفسه للكتابة عنها، أو تعلن أخبارها ورسائلها، لإحكام الحصار حولها وخنقها، كما أحكموا الحصار اللاإنساني على العراق لمدة ثلاثة عشر عاماً بكل أنواع الأكاذيب والتهديد والإجرام الدولي، ذلك الإجرام الذي يتم كشفه، منذ بدء الغزو والاحتلال، على أعلى المستويات العالمية، كما فعل مؤخراً رئيسي فنزويلا وبيلاروسيا في قمة الأمم المتحدة في 16 سبتمبر 2005، وكما فعل قبلهم بأيام قائد الديمقراطية والنهضة الماليزية المعاصرة مهاتير محمد، ناهيك عن الاعترافات والتقارير الأمريكية والبريطانية التي تحاول تبرئة ساحة قياداتها عن كل تلك الجرائم التي ارتكبت في العراق بسبب تلك الأكاذيب... لعل وعسى يأتي اليوم الذي يتكلم فيه الزعماء العرب في شهادة حق عن تلك المخططات التي تم إحكامها كحبل المشنقة حول عنق العراق لإعدامه وإنهاء دوره المتقدم في المنطقة.

في مقابلة تلفزيونية حول تصريحات سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، حول الدور الأمريكي البريطاني في مساندة ودعم الاحتلال الإيراني للعراق، قال ريتشارد مورفي، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق "لم يكن التصريح مكتوباً في ورقة المسؤول السعودي، وإنما جاء رداً على سؤال، وكان مفاجئاً للإدارة الأمريكية، والموضوع الذي تناوله يشغل الإدارة وهو محور النقاش في أروقة البيت الأبيض"...
فيا ترى ما هي المفاجأة في ذلك التصريح، هل في مضمونه، أم توقيته، أم صاحبه، أم لغته التهكمية... فإذا كان المضمون محور نقاش مورفي وإدارته الأمريكية، والتوقيت لا يشكّل لهم هماً كبيراً، بعد أن تمكنوا من تدمير العراق كدولة ومؤسسات وسيطروا على منابع النفط هناك، والتهكم هو الشئ الذي لا يتحمّله الوضع الدموي في العراق، كما لا يتحمل موضوع تدمير وتقطيع أوصال العراق وتوزيعه بين الطامعين أن يكون محل تندّر على مستوى التصريحات الرسمية، فإذن لم يبقى من فعل المفاجأة إلا في صاحب التصريح...