تصريحات سعود الفيصل، والاحتلال الإيراني للعراق- ليست المفاجأة فيما قال بل في من قال...

في مقابلة تلفزيونية حول تصريحات سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، حول الدور الأمريكي البريطاني في مساندة ودعم الاحتلال الإيراني للعراق، قال ريتشارد مورفي، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق "لم يكن التصريح مكتوباً في ورقة المسؤول السعودي، وإنما جاء رداً على سؤال، وكان مفاجئاً للإدارة الأمريكية، والموضوع الذي تناوله يشغل الإدارة وهو محور النقاش في أروقة البيت الأبيض"...
فيا ترى ما هي المفاجأة في ذلك التصريح، هل في مضمونه، أم توقيته، أم صاحبه، أم لغته التهكمية... فإذا كان المضمون محور نقاش مورفي وإدارته الأمريكية، والتوقيت لا يشكّل لهم هماً كبيراً، بعد أن تمكنوا من تدمير العراق كدولة ومؤسسات وسيطروا على منابع النفط هناك، والتهكم هو الشئ الذي لا يتحمّله الوضع الدموي في العراق، كما لا يتحمل موضوع تدمير وتقطيع أوصال العراق وتوزيعه بين الطامعين أن يكون محل تندّر على مستوى التصريحات الرسمية، فإذن لم يبقى من فعل المفاجأة إلا في صاحب التصريح...

إذ لم يتوقع العالم أن يصدر هذا التصريح من الوزير السعودي لما هو معروف عن السياسة السعودية من إنغلاق إعلامي، ولما هو معروف عن الدور الرسمي السعودي والعربي في إحتلال العراق وتدميره... لذلك يجب الإقرار بإنه لا يُعقَل أن أقدَم وزير خارجية عربي، لم يكن يعلم بإن التبعات الطبيعية جداً للغزو والإحتلال الأمريكي للعراق هو تقسيمه بين النفوذين الإيراني والكردي، إلا إذا كان وزيرنا قد صدّق الادعاءات والأكاذيب الإنجلو أمريكية حول حرصهم على وحدة العراق، وهو أمر فيه الكثير من السذاجة... إذن ما الذي دفع الأمير سعود الفيصل للإدلاء بهذا التصريح في هذا الوقت؟!!.
إن آفة التبعية المطلقة للإدارات الاستعمارية التي ابتلى بها القادة العرب، أفقدتهم القدرة على الاستبصار، او التحليلات الاستراتيجية، فلم يعد لديهم أية رؤية مستقبلية حتى على المستوى القطري، لأنهم يعيشون تحت وقع الرؤية اليومية المحصورة في حدود كيفية البقاء في الحكم والمحافظة عليه نتاج تراكم السياسات الاستعمارية وتأثيرات المستشرقين من ناحية، ونتاج ما قدّمه المثقفون المرتزقة ووعاظ السلاطين في البلاد العربية والإسلامية من ناحية أخرى. ولأسباب هذه المحدودية في الرؤى، وفي ظل كل هذا الكم من التسارع التاريخي لأحداث المنطقة فَقَدَ القادة والساسة في العالم العربي البوصلة الفكرية السليمة لحماية مصالحهم ومصالح بلدانهم وشعوبهم... وبالتالي إن كل ما يعيشه هذا الشعب العربي البائس من أزمات الحاضر هو نتيجة عدم الإهتمام بالمستقبل في السنوات الماضية، كما يشخصه الاستراتيجيون العرب.
ومن هذا المنطلق، فإننا بشئ من القراءة في الماضي يمكننا الوصول إلى حقيقة حاضرنا الراهن بدقة متناهية، كما سنتمكن من إستبصار المستقبل. وضمن تلك القراءة كان واضحاً حتى للبسطاء من الشعب العربي إن الاساطيل الأمريكية التي دخلت الخليج في عام 1990 جاءت باستراتيجية متكاملة لإحتلال العراق... كما كان واضحاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، إن التعاون الإيراني النشط في الغزو والإحتلال الأمريكي لأفغانستان، سيوصل الإحتلال الإيراني للعراق على الدبابات الأمريكية، وهذا ما حدث بالضبط... فأين كان القادة العرب المنزعجون اليوم من وصول التهديد الأمني الإيراني للعمق العربي يوم تم احتلال العراق؟، وأين كان القادة العرب المنزعجون اليوم من التهديد النووي الإيراني عندما تم تدمير البرنامج النووي العراقي بأكمله؟..
لكل ذلك نقول هل كان تصريحات سعود الفيصل تكفيراً عن تدمير العراق أم هي صحوة متأخرة؟... وما الحل الآن؟ وقبل فوات الأوان نهائياً!!!. ألا يرى سعادة الوزير إن القضية هي من الخطورة والجسامة التي تستدعي الدعوة لمؤتمر قمة عربي يحسم فيه العرب قرارهم لمواجهة الإحتلال المتعدد الأطراف في العراق، بدءاً بطرد حكومة الجعفري (الإيرانية) من هذا المؤتمر؟، ألا يرى سعادة الوزير إن القرار الأمثل للقمة يتمحور في تأييد المقاومة العراقية ومساندة كل القوى العراقية المحافظة على عروبة ووحدة العراق؟... أم هناك من يتوقع أن يأتي الحل من البوابة الأمريكية؟.


كلمات دالة: