"من أفلاطون إلى أفلام بوش" ديمقراطية القرن الواحد والعشرين

مما يدعو للإستغراب إن تبقى أنظمتنا العربية غير قادرة على قراءة الوقائع السياسية إقليمياً ودولياً، ومتابعة الوقائع المتجددة والمتسارعة في المنطقة، برؤية سياسية تراعي بها مصالحها ومستقبل شعوبها وحرمة الأرض والهوية العربية التي تُسلَبُ منا كل يوم، وقدسية العقيدة الإسلامية التي ما فتئ البرامكة والصليبيون مستمرون على تشويهها وتغييرها لهدم قيمنا الحضارية والإنسانية التي تمكننا من مواجهة الغازين والمستعمرين... وهذا الاستغراب هو ما يعبّر عنه كل متابع لحركة وأنشطة وقرارات وتصريحات المسؤولين العرب من خلال الإعلام (المصدر الوحيد للمعلومات)، ليكتشف إن النشاط الاجتماعي المخملي هو الغالب على أدائهم في كل المحافل، بينما النشاط السياسي وحركة القرارات السياسية (الرئيسية والثانوية) غالباً ما تتجوّل بين بلداننا في الحقائب اليدوية التي يحملها ممثلي الحكومات الأجنبية المَكُوكِيين الذين لا يبارحون عاصمة من عواصمنا العربية حتى يعودوا لها بحقائب مليئة بسياسات ومشاريع وقرارات جديدة. فيا ترى هل هذه الأنظمة العربية لا تملك حق العمل السياسي لصالح دولها حسب شرائع النظام الدولي الأمريكي الجديد؟!...

أم إن هذا العمل قد أوعزته أنظمتنا العربية إلى الدوائر السياسية الأجنبية بتوكيل كامل الصلاحيات!؟، على نمط اعتمادنا على الأيدي العاملة الأجنبية لتخدمنا في كل قطاعات المجتمع، بدءاً من خدم المنازل وانتهاءاً بالمستشارين الأجانب ومخططي سياساتنا وإدارة أعمالنا ومصالحنا!، فأصبحنا نعتمد عليهم ونرتهن لأوامرهم، لأننا بعيدين عن تفصيليات شئوننا ومصالحنا...
يَعِنُ علينا قول هذا الكلام في هذا الظرف المأزوم وغير المسبوق الذي تمر به الأمة العربية بشكل عام، إلا إننا نلجأ لذلك إضطراراً لهول ما يحيط بكل بقعة أرض عربية من أخطار مباشرة، ونيران مشتعلة بدأت حرارتها تسلع أرجلنا ودخانها يخنق أنفاسنا... وفي الوقت الذي نرى استمرار اتساع دوائر الأطماع الأجنبية في منطقتنا، وازدياد التهديد المباشر لأمننا القومي على مستوى الوطن الصغير والكبير، واستقواء هذه الدوائر بالإعلان عن نفسها دون خجل أو خوف، نرى في الجانب الآخر إن أنظمتنا الرسمية لا تزال تمارس السياسة والتحليل السياسي بدبلوماسية "شيمه وخذ عباته"، و"استر على ما واجهت"، و"جادلهم باللتي هي أحسن"، و"لا تستفزوهم لنتفادى شرهم"، و"هذه دولة عظمى لا نقدر على مواجهتها" ... إلخ، فوصل بنا العجز إلى حد استلاب حقوقنا بممارسة حرية التعبير عن الرأي في كشف هذه الأطماع والمخططات والاختراقات التي وصلت إلى داخل بيوتاتنا الاجتماعية والثقافية والتعليمية والدينية والسياسية...
نعم، يعن علينا قول ذلك في هذا الوقت، لأننا في مواجهة كل تلك الأخطار نرى إن على شعوب وأنظمة هذه المنطقة أن تصل إلى رؤية تصالحية قادرة على تشكيل سد منيع في مواجهة وإفشال المخططات الأجنبية وفضح أطماعهم... ويعن علينا قول ذلك ونحن نرى إن المعاول الأجنبية والشعوبية لاتزال تحفر وتوسّع الهوة بين أنظمتنا وشعوبها، دون أن يستدرك الطرفان السبل الكفيلة بكشف هذه الممارسات والرد عليها والعمل على ردم تلك الحفر المستمرة بالاتساع.
ومما يؤسف له بحق هو إن حرية التعبير عن الرأي في منطقتنا تواجه اليوم تهديدات أكثر شراسة وقمعاً عما قبل... فبعد أن كانت هذه الحرية تقع تحت طائلة قيود المساءلة والقمع بواسطة النظم المحلية، التي يعمل بعضها اليوم على تفكيك تلك القيود، باتت هذه الحرية تواجه قيود سياسات الدوائر الاجنبية الاستعمارية والطامعة، وتواجه بسيف تهمة الإرهاب المسلط على رقاب الأفراد والمؤسسات والأنظمة والدول، وبات التهديد والترغيب للإعلام والإعلاميين يأتي عبر السفارات (الديمقراطية) مباشرة، كما يأتي، مباشرة أيضاً، عبر مؤسساتنا الوطنية المخترقة بعناصر تابعة لسفارات وموالية لأخرى ومتعاملة معها سراً وعلناً، ولكن في الزي الوطني الملتزم... فاصبح لـ "الديمقراطية" تعريف جديد في هذا العصر المسخ... وهو "فرض حكم القوي على الضعيف بكل وسائل القوة والاستبداد، وممارسة كل الرذائل والأكاذيب، التي تدعى بـ"البراجماتية" في القاموس الليبرالي، لإضعاف الضعيف وفرض حكم القوي عليه، وعدم السماح لأية دولة أو مؤسسة أو شعب للاستقواء في وجه القوي"... هذا التعريف استخلصناه من خطاب جونداليزا رايس الأخير في أحد المحافل الطلابية الأمريكية، عند التعبير عن امتعاضها عن ممارسة العنف في رفض الإحتلال الأمريكي... وهكذا نكون قد انتقلنا بالديمقراطية إلى عصرها الجديد، من الإمبراطورية الاغريقية إلى الإمبراطورية الأمريكية... من أفلاطون إلى أفلام بوش...
احفظوا هذا التعريف الجديد لديمقراطية القرن الواحد والعشرين، ليتمكن الجميع من قراءة الأحداث المتسارعة حول وضد منطقتنا الأثرى في الموارد الطبيعية.