نحن الشباب لنا الغدُ، ومجده المخلدُ

في تلك السنين عندما كنا نحن شباب الغدُ، كان نشيد "نحن الشباب" من أحلى الأناشيد الملهبة لمشاعرنا وحماسنا، لِمَا كنا نحمل من مشاعر قوية بالانتماء والحب للوطن والهوية القومية، ولِمَا كنا نملك من أحلام وآمال في بناء هذا الوطن وتمكينه من القوة للوصول به إلى مستقبل مشرق خالي من كل أنواع الهيمنة والتبعية للقوى الطامعة في أرضنا وفي مواردنا الاقتصادية الطبيعية، وكانت تلك الأحلام والآمال تتملكنا في كل أداء وإنجاز خاص أو عام نحققه... فكل ما نفعل كان للوطن، وكل مردود نحصل عليه هو على الأكثر لتمكيننا من مواصلة تحقيق أحلامنا وآمالنا في الوطن بحماس أكثر وعطاء أكبر... وهكذا مرت العقود لنرى فجأة إن الواقع العربي يتجه إلى الخلف بخطوات واسعة وسريعة، وكل جهودنا وأحلامنا تذهب هباءاً منثورا...

لا بل فجأة تم تجاوز جيل ذلك الغد إلى الجيل الذي سيليه، قبل انتهاء فترة الأول، وقبل بدء صلاحية الثاني، وكل ما تم عمله هو انتشال الجيل التالي من مقاعد الدراسة في المدارس الأجنبية ومن أحضان المربيات غير العربيات إلى منصة القيادة مباشرة، ليتزعم هذه الأمة جيل لا يعرف عن تاريخها وتراثها وعقيدتها إلا ما تشرّبه من خلال المناهج الأمريكية وصدور المربيات الغربيات... فأي مستقبل نتوقع لهذه الأمة بقيادة الجيل العربي الجديد، الجديد جداً؟، سؤال لا يمكن مجاملته أو تجاهل جوابه...
هذا الجيل في القيادة الآن، وكل أدائه محدود في تنفيذ تلك الخطط والبرامج الأنجلوأمريكية الجاهزة والمعلبة التي تُصَدّر إلينا، ولا يُخيّل للمرء إلا وكأنه أمام وكلاء للإدارة الأمريكية في المنطقة، لا لشيء، سوى لأن هؤلاء الوكلاء لا يعرفون سلوك خلاف ذلك، ولم يتعلموا إلا الفكر القائل بالتفوق الغربي، والأمريكي السوبر الذي سيوفر لهم الحماية والقوة والمستقبل الطويل في السلطة والحكم، بمنطق من يحتمي بالأقوى هو الفائز، دون أن يدركوا إن هذا المنطق لا يسري على العلاقات والمصالح الدولية... فهؤلاء الوكلاء لم يقرءوا التاريخ، وإن قرءوه فبعيون معلميهم ومستشاريهم الغربيين. أما أولئك المعلمون والمستشارون فإنهم يغيّرون أقنعتهم ومسمياتهم دائماً، وانتقلوا اليوم للعمل مع جيلنا هذا بآليات واستراتيجيات ومصطلحات جديدة... فلم يعد هناك انتداب واستعمار بل هم حماة المنطقة، ولم يعد هناك مندوبين سامين فهم مستشارون وخبراء، ولم يعد هناك تبعية بل هي تحالفات وتحالفات استراتيجية، ولم يعد هناك هيمنة بل شراكه شرق أوسطية، ولم يعد هناك فرض سياسات تعليمية استعمارية وبرمجة للبعثات الدراسية بل هو تزويد بالمهارات الضرورية للاقتصاد الحديث، وما أدراك ما الاقتصاد الحديث... وبالمقابل تغيّرت المرادفات رأساً على عقب، فأصبح الاحتلال تحريراً، والمقاومة إرهاباً، والنضال والثورة راديكالية سيئة الصيت، وسمّيَ الكذب والسرقة والابتزاز والانتهازية في ربطة واحدة بالبراجماتية... والأهم من كل ذلك، ولكي نكون ديمقراطيين جميعاً، حكومات ومعارضات، علينا بالنوم في أحضان السي آي إيه والبنتاجون والبيت الأبيض، وإلا فستصبح الحكومات ديكتاتورية قمعية، والمعارضة متخلفة ومهووسة بنظرية المؤامرة الستينية... وبعد ذلك، ومع هذا التدني الفكري، هل هناك مفر آخر غير الارتماء بين المخالب الأمريكية!...
وفي الجهة الأخرى فإن القائد الشاب الجديد لم يعد يملك من المعايير سوى معيار الولاء، ولكن الولاء لمن؟.. الولاء للدول الاستعمارية العظمى، حامية الحمى، وكل من لا يعلن الولاء يتم إقصاؤه... لذلك يُقصى كل من يملك فكراً وطنياً حراً، من الذين يمكنهم أن يحددوا الخيط الأبيض من الأسود في هذه السياسات... فلا يهم قادتنا الجدد مدى الولاء للوطن، ما دام لم يقترن بالولاء للفكر والوطن الأمريكي... فالمعيار الذي يحكم قرارات هؤلاء القادة، هو الولاء لسياسات وسفارات الوطن الأمريكي... ولا تشكّل المواصفات الأخرى، المندرجة ما بين الخيانة الوطنية والطائفية والجهل والأمية، اي عائق...
هذه هي أطر ومقاييس مستقبل الشرق الأوسط (الجديد)، و(الكبير)، و(الأوسع)... إلى إشعار آخر...
فإذا كان لهؤلاء الشباب الغدّ.... فهل سيكون مجده مخلّدُ؟!..