منظومة القيم والمعايير- الكفاءة مسؤولية

من أهم أسباب فشل أي مسؤول بأداء وتطوير العمل الذي أنيط بمسؤوليته هو أولاً: افتقاده للكفاءة العلمية المطلوبة لهذا الدور أو العمل، و/أو ثانياً: إفتقاده للإخلاص والولاء الوطني الذي يُفقِدَه القدرة على العطاء... وهؤلاء هم من أنواع البشر الذين يطالبون ويطلبون ويأخذون دون أن يقدّموا أي عطاء في حياتهم، ودون أن يحققوا أية مصلحة لغير ذواتهم، ودون أن يؤدوا أي واجب عليهم لأي طرف حتى لو كان هذا الطرف هو الوطن.
ولكن، مما نحن بحاجة لفهمه هو لماذا؟! وكيف؟! يصل أولئك الفاشلين إلى تلك المناصب الهامة والخطيرة في الدولة؟، وكيف؟! يتمكن لأولئك الفئة دون غيرهم أن يقنعوا أصحاب القرار بأحقيتهم في تولي تلك المسؤوليات؟، رغم اتساع رقعة أصحاب الكفاءات والسجلات العلمية والعملية والسياسية المشرفة في مجتمعنا البحريني، الذي يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به في العملية التنموية والسياسية.
فمن ناحية، دائماً ما يحافظ أصحاب الكفاءات على سمعتهم العملية كأشخاص يحملون مؤهلا لها تقدير خاص، فيحرص هؤلاء أن يكونوا جديرين بمؤهلاتهم وكفاءاتهم العلمية بما يقدّموه من خلال حياتهم العملية وسمعتهم المهنية... وبهذه الأمانة والمسؤولية، يبتعد أصحاب الكفاءات عن التزلف وتسويق الذات للحفاظ على أمانتهم الأخلاقية من جانب، والحفاظ على مستوى كفاءاتهم العلمية من جانب آخر. وعادة ما يكون، أصحاب الكفاءات والآفاق الفكرية الواسعة، أيجابيين في نظرتهم وتقييمهم لكل ما يحيط بهم، فيكون عطائهم وفيراً، ونظرتهم المستقبلية متقدمة، دون أن تكون محاسبة الماضي هاجساً معرقلاً لمسيرتهم، بقدر ما تعد هاجساً يلازمهم لتفادي الأخطاء القديمة والانطلاق نحو آفاق النجاح...

ودون أن يقيّموا أنفسهم بمن هم أدنى منهم في العطاء والإخلاص والنزاهة بالعمل، كعادة الفاشلين والسلبيين وفاقدي القدرة على العطاء والتطور والتقدّم إلى الأمام. لذلك، يضع هؤلاء أمامهم غاية عامة هم قديرون على تحقيقها، فما يكون المنصب أو العمل إلا وسيلة للمضي نحو غاياتهم التي بالتأكيد ستحقق الصالح العام والخاص في نفس الوقت.
من ناحية أخرى، ولأن مجتمعاتنا العالمثالثية بشكل عام، والعربية بشكل خاص، لازالت لا تملك معاييرها العلمية والمهنية والوطنية في تقييم القدرات البشرية المؤهلة لتلبية احتياجات الوطن والمجتمع بشكل عام، نرى في الغالب إن من يتقدمون إلى الصفوف الأمامية لتسويق أنفسهم للمناصب والمسؤوليات الرئيسية في الدولة هم أولئك الأفراد غير المناسبين لتلك المواقع نسبة لتدني قدراتهم وامكانياتهم العلمية والذاتية وحتى الوطنية...
والأكثر بؤساً في مجتمعاتنا إن النفاق والكذب الإجتماعي أصبحا من أهم وسائل تسويق اولئك الأفراد لأنفسهم للتقرب إلى من بيدهم قرار الإختيار والتعيين، الذين بدورهم، في الغالب، يعدّون ذلك السلوك المريض تعبيراً عن الولاء والإخلاص. ويعد أحد أهم أسباب انتشار هذا المرض السلوكي لدى قطاعات واسعة من المجتمع هو عدم إلتزام الدولة بقيم ومعايير الكفاءة وتكافؤ الفرص في تحديد المناسبين لتولي المناصب وتحمّل المسؤوليات والمهمات، والمؤهلين لتنفيذ خطط الدولة التنموية والتطويرية... والدليل الأكبر على ذلك هو ما يكتب لوسائل التسويق تلك من نجاحات في تحقيق غاياتها وإيصال أعداد كبيرة من المنافقين وضعاف النفوس إلى مناصب لا يجوز أن يكونوا فيها.
لذلك يمكننا أن نؤكّد بإن أهم اسباب تخلف مجتمعاتنا، وبقائها دون إحراز تقدّم تنموي وحضاري حقيقي، هو هذه المعضلة الرئيسية التي تنحصر في وصول الأشخاص غير المناسبين لتبوء المناصب القيادية ومواقع صنع القرار، أي عدم الالتزام بمعيار وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، والذي يتبعه بالنتيجة تعيين سلسلة من الكفاءات الضعيفة وغير القديرة في المناصب الدنيا التابعة لهم... وهكذا.
ولأننا نرى البحرين وكأن هناك من يعمل، من موقع ما وبتخطيط وتعمّد وسبق الإصرار، على وضعها على سكة النكوص والفشل في مشاريعها المستقبلية، باستقطاب وتعيين الفاشلين وتهميش وإقصاء الكفاءات الجادة والرائدة من أبنائها... فإننا نتساءل، يا ترى من يتحمّل مسؤولية تلك التعيينات غير الموفقة!، والتي لا تتطابق مع أي مستوى من قيم الوطنية والتخطيط المستقبلي الناجح للدول الحضارية والطموحة، وبالتالي يتحمّل نتائج فشل مشاريعنا التنموية المستقبلية، وأحياناً إفشال منجزاتنا السابقة؟...
شواهد أخرى في كتاباتنا القادمة...


كلمات دالة: