عمرو موسى في العراق، وعن أية مصالحة وطنية يتحدثون!!..

زار عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، العراق وانتهت زيارته المحفوفة بالمخاطر، دون أن نعلم لماذا ذهب إلى هناك، وبماذا خرج من تلك الزيارة... وكل ما أُعلن عنه، حسب وسائل الإعلام، إنه كان مبعوث الزعماء العرب للتوسط في عملية، غير واضحة المعالم، للمصالحة الوطنية، وكأن مشاكل العراق المحتل والمدمّر محصورة في بعض الخلافات والتجاذبات السياسية بين القوى والأطراف الوطنية، وبحل تلك الخلافات وبإجراء المصالحة بين تلك الأطراف ستُحَل كل المشاكل ويرجع للعراق قوته وسيادته ويرجع للشعب العراقي أمانه ودولته ومؤسساته وثرواته ومستقبله...

فياترى هل حقق السيد الأمين العام هذه المهمة في تلك الزيارة؟ أم إن لزيارته تلك كانت أهداف أخرى؟...
بداية، كان بودنا لو تم تنويرنا بتعريف مصطلح "المصالحة الوطنية" في العراق، والذي جاء بعد مصطلح "العملية السياسية" غير المفهوم... فنحن لازلنا لا نعرف المعني بالعملية السياسية في العراق المحتل والمدمّر، في الوقت الذي لا تزال قوات الاحتلال والميليشيات الأجنبية مستمرة في عملياتها العدوانية بتدمير 30 مدينة عراقية، واحدة تلو الأخرى... ما هي العملية السياسية التي يمكن أن تحل بها كوارث العراق الأمنية والسيادية والاقتصادية في ظل وجود مائتين وخمسين ألف جندي أجنبي، وما هي تلك العملية السياسية التي لازال الاحتلال وعملاؤه في العراق مستغرقين في توزيع صكوكها على الأفراد والجماعات العراقية لتحييد مواقفها بهدف محاصرة المقاومة وإضعافها فقط وليس بهدف بناء العراق القوي الموحد...
وبينما لانزال نتخبط في جهلنا التام لتلك "العملية السياسية" الأمريكية في العراق، إذ بالجامعة العربية تعلن عن مبادرتها في توسيط أمينها العام لتحقيق ما يدعى بـ "المصالحة الوطنية" المبهمة، دون أي تفصيل أو تعريف، فيا ترى، ما هي الأطراف المراد تحقيق المصالحة بينها؟ وهل المعنيين هم الاحتلال وعملاؤه كطرف، والشعب العراقي ممثلاً بقياداته الوطنية الرافضة للاحتلال كطرف آخر؟... وإن كان الأمر كذلك، فياترى هل يملك السيد الأمين العام الصلاحيات الكاملة لتحقيق مطالب الطرفين بهدف مصالحتهما؟... وخصوصاً إن مطلب الشعب العراقي معلن من خلال رفضه المطلق للاحتلال ورفض كل من وما جاء به ذلك الاحتلال، وهذا ما أعلنته هيئة علماء المسلمين للسيد الأمين العام، التي طالبت بانسحاب الاحتلال وجيوشه بدون قيد أو شرط وبضمان وكفالة دولية، لعدم توفر هذا الضمان عربياً، ولعدم ثقتها بالوعود الأمريكية... كما طالبت بحل المليشيات الأجنبية التي تغزو العراق وإعادة الجيش العراقي لوضعه الطبيعي. وإن كان كل ذلك غير ممكن، ولا يملك أميننا العام أي تخويل حتى بالتفاوض حول هذه المطالب، فإننا نتساءل، لماذا جاءت تلك الزيارة إذن؟ وخصوصاً في الفترة التي تلت عملية الاستفتاء على ما يدعى بالدستور، فهل هي لتحويل الاهتمام الإعلامي والجماهيري من ذلك الدستور الكارثي الذي سيزيد الوضع العراقي سوءا، وذلك الاستفتاء المشبوه والمزورّ حولهً، أم هي لتحويل الانتباه عن الغارات الأمريكية المتتالية على المدن العراقية المحاصرة في تلعفر والفلوجة والسامراء والحلة وحديثة والأنبار والرمادي وغيرها...
إنه من المؤسف أن لا نسمع كلمة رفض أو تنديد من الجامعة العربية، أو الدول العربية حول المذابح اليومية التي تقوم بها قوات الاحتلال الأنجلوأمريكي في المدن العراقية، بينما يقف السيد الأمين العام، في زيارته هذه، أمام كاميرات الفضائيات لينادي مسعود البرزاني بلقب "السيد الرئيس"، تأكيداً منه على رئاسة البرزاني لكردستان العراق، وحسماً للجدل الدائر حول اقتطاع الشمال العراقي في مخطط تفتيت وتقسيم العراق إلى فيدراليات... وبذلك يتم تكريس ذلك التقسيم على خطى اقتطاع إقليم الأحواز العربي، الغني بثروته النفطية، وتسليمه إلى إيران من قبل الإنجليز، لتصبح هذه الأخيرة إحدى أغنى الدول النفطية في العالم، وعلى خطى اقتطاع لواء الاسكندرونة من سوريا لتُضم إلى تركيا لتبقى هذه الدولة أكثر قرباً من قبرص ولتفرض سيطرتها على خطوط الملاحة البحرية بينهما... وعلى خطى ما يخطط له أيضاً لتقسيم السودان إلى دويلات صغيرة لنهب ثروته النفطية.
هكذا تتخبط الدول العربية في سياساتها بدون أية استراتيجيات سياسية طويلة أو قصيرة المدى... لتصل بنا إلى كوارث متتالية... لا نعلم لها نهاية...