تقرير فولكر... والمزيد من الابتزاز الأمريكي!!

في البداية جاء إعلان الإدارة الأمريكية عن الفساد المالي والإداري لبرنامج "النفط مقابل الغذاء" بهدف الضغط على كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، بعد تصريحه بعدم شرعية الحرب الأمريكية ضد العراق، وبالتالي عدم شرعية كل ما جاءت به تلك الحرب، بدءاً بالإحتلال وانتهاءاً بكل الترتيبات التي جاء بها ذلك الإحتلال لإدارة العراق وتدميره ونهب ثرواته، وخصوصاً إن ذلك التصريح جاء في الفترة التي كانت الولايات المتحدة تحاول عمل تسوية لوضعها في العراق بالنقل الصوري للسيادة من إدارة الإحتلال إلى إدارة عراقية عميلة يشغلها عدد من عملاء المخابرات الأجنبية الذين جاءوا على حاملات الطائرات الأمريكية مع الغزاة الانجلوأمريكيين...
استمرت فضيحة "النفط مقابل الغذاء" لتدار وتُوجه بالدفة الأنجلوأمريكية في كل أنحاء العالم باتجاه كل ما يحقق المتطلبات والأهداف المرحلية والاستراتيجية الأنجلوأمريكية في مشروع الإمبراطورية الاستعمارية العظمى الجديدة... وها نحن نرى تلك الفضيحة، وقد أُعطيت اسم "تقرير فولكر" (نسبة إلى رئيس لجنة التحقيق فيها، بول فولكر، بينما المسمى الأول كان "كوبونات صدام")، لإعطائها أهمية رسمية، على خطى "تقرير ميليس"، وتقارير لجان التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل، وتقرير "لوكربي" لتصبح حلقة في سلسلة عمليات الابتزاز الدولي لفرض الحصار الكامل على العقلية العربية ونهب الثروات وإضعاف كل إمكانيات هذه الأمة في المقاومة والمواجهة والردع والدفاع.


وبعد أن انكشفت الأهداف الابتزازية الحقيقية للتقارير السابقة، فياترى لماذا تقرير "فولكر" هذه المرة؟!... هذا ما سنجيب عنه هنا، باختصار شديد، لكسر طوق الحصار الأمريكي حول عقولنا... نعم، عقولنا التي يقدمها الكثيرون من كُتّاب صحفنا الصفراء هدية لسفارات الدولة العظمى، بدعوى إن هذه الدولة ليست شراً كلها، وأنهم سيستفيدون من الجزء الخيّر منها، وهم في الحقيقة لا يطمحون سوى لبعض من المكاسب الشخصية والآنية المتدنية التي تحققها لهم هذه السفارات كعملاء ومرتزقة يعتاشون على حساب أوطانهم، مقتبسين سلوكيات ما سُمِيَ بالمعارضة العراقية التي أوصلت الاحتلال الأنجلوأمريكي، والصهيوصفوي إلى أرض الخلافة الإسلامية، إلى العراق...
والقصة تبدأ من هناك، بعد أقل من عام من الغزو والاحتلال الأنجلوأمريكي للعراق عندما جاء في تقرير اللجنة الأمريكية الخاصة بالتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل الشهادة النهائية بأن العراق خالية من هذه الأسلحة منذ عام 1991، وتم تقديم ومناقشة هذا التقرير أمام لجنة التحقيق الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون... وهذه النتيجة الحاسمة التي جاءت بها اللجنة الأمريكية، تعد أكبر وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة الإجرامي، لأنها تقول بكل وضوح وصراحة بأن غزو واحتلال وتدمير العراق، وذلك الحصار الدموي الذي استمر ثلاثة عشر عاماً، والذي كان سبباً في موت مليون ونصف عراقي، والذي قال عنه سكوت ريتر، أحد كبار المفتشين في هذه اللجان بإنه "عملية إبادة جماعية في حق شعب بأكمله"، والذي تم بدعوى امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، كل ذلك كان باطلاً، وإن الذرائع الأمريكية كلها كانت باطلة، وإن كل المسلسل التدميري الذي مارسته الإدارة الأمريكية طوال عقد ونصف من الزمان في العراق ينزل في خانة الجرائم التي يجب أن تُحاسب عليها الولايات المتحدة الأمريكية كدولة راعية للإجرام الدولي في حق الشعوب... هذا باختصار شديد هو حقيقة الموقف الأمريكي على الساحة الدولية، حسب الشرائع والقوانين والمعاهدات التي التزمت بها الأمم المتحدة وكل الدول الأعضاء فيها، لولا إن الإجرام الأمريكي أفرغ هذه الهيئة الدولية من كل التزاماتها الأممية لتصبح مؤسسة تابعة للبيت الأبيض والبنتاجون ووكالة الاستخبارات الأمريكية.
إلى هنا عرفنا الجرائم التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في العراق، ولكن هذه الدولة أذكى من أن تترك جرائمها لتكون سبباً في زيادة كراهية الشعوب لسياساتها المبتذلة والقائمة على سلسلة من الأكاذيب التي تسحب الواحدة منها الأخرى، فكيف تعمل على تغطية الكذبة القذرة التي أدارتها لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، دون أن تعترف بالخطأ الذي سيضعها أمام المساءلة... الطريقة الوحيدة هي خلق أكاذيب جديدة لتبتز بها كل المجتمعات العربية والعالمية المعارضة للسياسات والجرائم الأمريكية، بدءاً بالمؤسسات وانتهاءاً بالأفراد... فجاءوا بفضيحة جديدة لإلهاء هذه المجتمعات وإرهابها، سميت بفضيحة "النفط مقابل الغذاء"، تلك التسمية الموجعة للضمير الإنساني، لتعبيرها عن مقدار التدني في الأخلاق والضمير الغربي الذي وصل إلى حد ارتهان غذاء شعب بأكمله بموارده النفطية، وإلا لهم الموت والفناء.
على هذه القاعدة تم إعداد "تقرير فولكر" لإرهاب المجتمعات والمؤسسات والأفراد، ولإلهائهم عن التبحر في الجرائم الأمريكية، بالانشغال في الدفاع عن أنفسهم خوفاً من العقوبات الظالمة التي لا تتورع الإدارة الأمريكية من توزيعها على كل من يتجرأ برفع الصوت أو مواجهة الأكاذيب بفضح الحقائق المشينة واللاأخلاقية عن هذه الإدارة في تحقيق مصالحها...
ولأن المتعارف عليه إن الرضوخ للابتزاز يعني استمراره إلى ما لانهاية... فإننا نتساءل، يا ترى هل ستواصل الأنظمة العربية الرضوخ لعمليات الابتزاز المتواصلة ضد هذه الأمة؟، وهل ستواصل مجتمعاتنا سلبيتها بالرضوخ والاستسلام لهذا الكم من الابتزاز والإرهاب الأمريكي المكشوف؟!! أم ماذا؟؟..