محاكمة العروبة والإسلام

لقد كُتبَ وقيل الكثير، حول لا شرعية محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين بواسطة محكمة لا شرعية نصبها الاحتلال اللاشرعي الذي أطاح بحكمه وأَسَرَهُ في سابقة لاشرعية بكل معاييرها القانونية والسياسية والإنسانية، لذلك، فإننا لسنا بحاجة لقول المزيد في ذلك... إلا إن هناك حاجة ملحة إلى توضيح الكثير من الأمور التي جاءت بهذه المحاكمة ومعها... هذه المحاكمة التي تُعقَد وتُؤجَل جلساتها حسب مواعيد وتواريخ منتقاة ومحددة بواسطة البنتاجون لتخدم أهداف وأغراض خاصة بسياساته التي أوصلت القوات الأمريكية لأتون حرب ضروس كانوا يملكون قرار بدئها إلا إنهم لا يملكون قرار وشروط إنهائها... فتلك المحاكمة في مجملها نُصبت، أولاً: لتغطي وتُصرف الأنظار عن جرائم الاحتلال من جهة، وخسائره ومأزقه المتصاعد في العراق من جهة أخرى... ثانياً: لتوجيه الانتباه عن الفشل الذريع لسياسات الإدارة الأمريكية في ما يدعى بإعادة إعمار العراق الذي لم يتحقق منه أي شئ ألبته، بل على العكس، فقد بدأت أصوات العراقيين ترتفع لمعاناتهم من عدم توفر الأمن الشخصي لأي فرد في العراق الذي تحوّل إلى أخطر مكان في العالم، وعدم توفر الكهرباء والماء الصالح للشرب أو البنزين كوقود، وعدم توفير أولويات البنية التحتية في كل الخدمات الصحية والأمنية والتعليمية وغيرها...

ثالثاً: للتعتيم على أخبار شلال الدم المستمر منذ 19 مارس/آذار 2003 وحتى هذا اليوم في العراق، والتزايد الكارثي في أعداد القتلى والجرحى بين قوات الاحتلال والتدمير اليومي لأعداد كبيرة من آلياته وطائراته بوتيرة سريعة جداً مما يصعب تعويضها بكفاءة... رابعاً: لتناسي حقيقة التكلفة الباهظة للحرب وإدارة الاحتلال والتي وصلت إلى ما يقارب 500 مليار دولار حتى الآن (باعتراف الكونجرس الأمريكي)، والتي بدأت تستنزف الميزانية الأمريكية التي خفضت بسببها من مخصصات التعليم والصحة في الولايات المتحدة، والتي يدفع ثمنها دافعي الضرائب من الشعب الأمريكي... خامساً: لتغطية حقيقة تزايد وتصاعد العداء والكراهية للولايات المتحدة الأمريكية إجمالاً لما تمارسه من جرائم وعنف غير مسبوق في تاريخ البشرية... ويمكننا سرد قائمة طويلة للأهداف الأمريكية التي يراد تحقيقها من هذه المحاكمة.
ولكن الأهم من كل تلك الأسباب هو إن الإدارة الأمريكية، وبعد ما يقارب الثلاث سنوات من عدوانها وتدميرها واحتلالها للعراق، والتسبب في قتل مئات الألوف من العراقيين، والألوف من قواتها، أصبحت في موقع المحاسبة والمساءلة حول لا شرعية هذه الحرب غير المتكافئة... فتواجه الإدارة الأمريكية وبشكل يومي السؤال حول أسباب هذه المغامرة والحرب اللاإنسانية، بينما لا تجد سبباً حقيقياً يُقنع العالم لتتمسك به في الدفاع عن حربها وعدوانها على العراق، بعد ثبوت كذب كل الذرائع الوهمية التي تمسكت بها قبل الحرب، مما دفع بالبنتاجون لتشغيل وإدارة فيلم هذه المحاكمة اللاشرعية والهزيلة، وبدون أية معايير قانونية أو سياسية عادلة، لتقول للعالم بأن الولايات المتحدة الأمريكية بكل قواتها البرية والبحرية والجوية، وكل عدّتها وعتادها قد ذهبت لتدمّر العراق بهدف القبض على صدام حسين ومحاكمته على ما اقترف من "جرائم" في الحرب على إيران، و"اجتياح" الكويت، و"قتل" الشيعة في الجنوب، و"دفنهم" في المقابر الجماعية، و"ذبح" الأكراد في الشمال بالمواد الكيماوية... ولهذه الأسباب قتلت القوات الأنجلوأمريكية أكثر من مائتي ألف عراقي منذ بداية تلك الحرب حتى الآن، وقتلت مليون ونصف عراقي في ذلك الحصار الاقتصادي والعسكري الإجرامي واللاإنساني الذي فرضته على العراق لمدة ثلاثة عشر عاماً. ولكن الغريب إن البنتاجون لم يحاكم الرئيس العراقي حتى الآن على أي من تلك الجرائم التي لحنتها وعزفتها خلال الإعلام لمدة تزيد على عقد ونصف من الزمان لتشويه صورة هذا القائد في العالم بهدف تسهيل مهمة العدوان واحتلال العراق ومنابع نفطه... فحتى الآن لم نسمع بقائمة التهم الموجهة إلى صدام حسين سوى بعض القصص السينمائية التي نسبت إلى محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس العراقي منذ ما يقارب ربع قرن، والتي يتم فبركتها في قاعة المحكمة بصورة هوليوودية هزيلة... ولأن الإدارة الأمريكية كانت تعرف جيداً، وقبل الحرب، بأن العراق خالي من أسلحة الدمار الشامل منذ عام 1991، تم الاحتفاظ بصدام حسين حياً حتى الآن لإدارة هذا الفيلم السخيف تحت عنوان "محاكمة صدام حسين"... والذي من خلاله يتم محاكمة وإذلال الأمة العربية والإسلامية...
ومن المهم جداً توضيح أمر في غاية الأهمية، حول ما يدور من كلام بأن الإدارة الأمريكية، ومن خلال هذه المحاكمة، تهدف إلى فرض حالة من المقايضة بين رأس صدام حسين وسلاح المقاومة العراقية... لذا نؤكد هنا بأن هذه المقاومة العظيمة في العراق، والتي كان لصدام حسين الدور الرئيسي في صناعتها وقوتها، هذه المقاومة لن تقايض على تحرير الوطن بأي شئ مهما غلا أصله وثمنه، حتى لو كان ذلك الشيء هو رأس صدام حسين... ومن المؤكّد إن الاحتلال الانجلوأمريكي في العراق يعرف هذه الحقيقة ومنذ وقت مبكر... فعلى مروجي هذه الأعذار السمجة أن يعلموا ذلك.