حقوق الطوائف والأقليات في مشروع الشرق الأوسط الكبير

لا يزال القرار الرسمي الخليجي غائباً تماماً عن الصراع الدائر حول مصير ومستقبل المنطقة، سواء ذلك الصراع الخفي بين القوى الدولية الاستعمارية القديمة والجديدة من جهة، أو الصراع العلني بينهم من خلال واجهات إقليمية من جهة ثانية، أو الصراع الناتج عن تداخل وتقاطع أهداف ومصالح هذه القوى وواجهاتها الإقليمية التي تعد نفسها لتكون وكيلاً للاستعمار وشريكاً مهيمناً على مصالح المنطقة من جهة ثالثة... والأكثر مأساوية هو ما بدأ يطفو على السطح من مظاهر الخلاف أو التنافر (وعدم الثقة) بين الأنظمة الخليجية، وما لذلك من علاقة مباشرة بتنافس هذه الأنظمة، كل على حدة، بتعزيز علاقاتها (التحالفية) مع الإدارة الأمريكية، وما لكل ذلك من تأثير مباشر في تكبيل القرار الرسمي الخليجي مما يجعل هذه الأنظمة تبدو بلا حول ولا قوة حتى في مواجهة الفوضى والمشاكل الناتجة عن تلك الصراعات على الساحة المحلية في بلداننا.

لذا ليس هناك مجالاً للشك بأن تغييب وتقييد هذه الأنظمة يتم بإرادة خارجية بما يصب في مصالح أطراف الصراع فقط، بينما تعتقد أنظمتنا، بالتزامها بقرارات وسياسات القوى الدولية (الاستعمارية)، أنها تحقق، في الحد الأدنى، مصالحها الخاصة، إن لم تتمكن من حماية مصالح الشعب والوطن، مما يؤكد قصوراً فكرياً وسياسياً عميقاً تعاني منه المنطقة برمتها نتيجة لهذا النمط من العقليات القديمة وغير الرشيدة في القيادة والحكم...
لقد فرض الاستعمار الغربي ما يدعى بالديمقراطية والإصلاح، على بلداننا، بالشروط والمعايير التي تخدم مصالحه، فتمكن من تكبيل الأنظمة العربية بعقدة الدكتاتورية والقمع التي كانت المخابرات الاستعمارية الغربية أهم آلياتها خلال ما يزيد على نصف قرن من الزمان. ولتتجاوز هذه الأنظمة عقدتها المزمنة التزمت بما تم فرضه عليها بإسم "الشرعية الدولية" من عهود الحرية وحقوق الإنسان التي من المفترض أن تحقق لهذه الشعوب العربية البائسة ما تبحث عنه من أمن واستقرار مفقود في هذه المنطقة... ولأن هذه الأنظمة بعيدة تماماً عن شعوبها وعن الثقافة الديمقراطية (الغربية المتعددة الأوجه) التي تُعنى وجه من أوجهها بحرية ومصالح الوطن والشعب الغربي، وبأوجهها الأخرى تضطهد وتستعمر الشعوب الأخرى، نرى الاستعمار الغربي قد تمكّن من تكبيل إرادة هذه الأنظمة بسيل من التشريعات والاتفاقيات الدولية التي من خلالها تم فتح الباب على مصراعيه للعزف على أوتار الطائفية واضطهاد الاقليات، واللعب بمصالح الوطن بتحويل مفاهيم الخيانة الوطنية والخيانة العظمى إلى آليات إيجابية بموجب عهود حقوق الإنسان والحريات السياسية... ومن خلال هذا الباب تتفاقم الأوضاع سوءاً بالمواجهة المستمرة بين كل الأطراف والفئات الشعبية والرسمية في مجتمعاتنا، وتُعَبّد الطرق أمام كل القوى الطامعة في المنطقة لتنفّذ استراتيجياتها المدمرّة داخل أوطاننا من خلال عملائها المحليين، والمزروعين بيننا، بحماية مؤسسات المجتمع المدني المتوالدة من بعضها البعض، وبما تحصل عليه بعض من هذه المؤسسات من حماية دولية "أنجلوامريكية" تخترق سيادة أوطاننا، وترعب أنظمتنا.
على ذلك، وامتدادا لأحداث البحرين الطائفية في العقد التسعيني من القرن العشرين، والتي تم تقنينها بدعوى الديمقراطية وحقوق الإنسان خلال السنوات الأربعة الأولى من عمر الإصلاح، تمكّنت القيادات السياسية المذهبية، التي أفرزتها تلك الأحداث، من تأسيس مؤسساتها الطائفية السياسية والمدنية والخيرية والاجتماعية لتقدّم نفسها حامياً للمذهب وسياجاً لحقوق الطائفة، وعملت من خلالها على تفتيت المجتمع البحريني على أسس مذهبية خطيرة، وعلى تكريس وترسيخ المناخ السياسي الجديد في البحرين لصالح طائفة واحدة، مدعومة بالإرادة الأنجلوامريكية الاستعمارية، بينما يتم تنفيذ نفس الاستراتيجية بإخراجات مختلفة في عدد من الدول العربية... وبهذا الدعم الاستراتيجي، يتم اليوم تكريس التفتيت الطائفي في كل الوطن العربي تحت دعاوى ولافتات متنوعة تصب في النهاية في وعاء الولاء المذهبي والقومي لأطراف خارجية لها أطماعها في منطقتنا، وللأسف الشديد، دون أن تتمكن أنظمتنا من إقرار أفضل السبل لمواجهة هذا الواقع الجديد المحَمّل بمخاطر استراتيجية بعيدة المدى تهدد في الأساس وجود الأمة بشكل عام.
وفي الجانب الآخر، تعمل الإدارة الأمريكية بدعوى الحرب على الإرهاب على إقصاء الطائفة الإسلامية الأخرى والحد من حركتها ونشاطها السياسي والعقائدي... فأصبح المشهد واضحاً تماماً لما تهدف له استراتيجية الحرب على الإرهاب بإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام السياسي السُنّي، لما تمثله هذه الجماعة للأغلبية الإسلامية في المنطقة العربية من جهة، وللهوية العربية من جهة أخرى، وبمحاربتهم تستمر الحرب ضد الإسلام والعروبة.
فبينما يتم فتح أبواب الفوضى والعصيان في بلداننا أمام الطائفة الموالية للخارج غير العربي، بدعوى حقوق الإنسان وحفظ حقوق الأقليات!!، يتم قمع الإسلام والعروبة في الجماعات الإسلامية الأخرى، التي لا تبدي ولاءاً قومياً للخارج، ويتم كل ذلك بدعوى الحرب على الإرهاب... وعلى هذه الاسس يتم إعداد وترتيب التشريعات الدولية والمحلية، لتفتيت المنطقة إلى كيانات طائفية تنبذ الهوية العربية والعقيد الإسلامية، لتكون في خدمة مشروع الشرق الأوسط الكبير؟!.
وضمن هذه الاستراتيجية الشيطانية سيتم الاستغناء عن كل أنظمة سايكس بيكو، الممثلة لنظام الاستعمار القديم، لتحل محلها أنظمة الشرق الأوسط الكبير، الممثلة للنظام الاستعماري الجديد، لأن إدارة المنطقة ستحتاج إلى أنظمة تتمتع بعقلية جديدة ونمط فكري يناسب سياسات الإمبراطورية الأمريكية...
فيا ترى ما هي استراتيجيات أنظمتنا الخليجية خصوصاً والعربية عموماً في مواجهة هذا المشروع الذي يستهدفهم مباشرة، كما يستهدف الأمة العربية والإسلامية؟!..
وكل عام والأمة بخير....