للحقيقة والتاريخ وكشف الأضاليل..

يقول الأستاذ الجامعي الدكتور أحمد المديني "نحن لا نعرف بالتحديد ما هو مضمون ثقافة العولمة، بقدر ما تعرّفنا على خطاب دعاتها الذين يتحدثون، في نظرنا، لغة استعمارية جديدة، أي لا تكاد تختلف في الجوهر عن محتوى الخطاب الكولونيالي، مع فارق أن المُخَاطَبِين يعيشون في ظل سيادة مزعومة، هي بالذات ما تنهشها القوى العولمية وتزيد في تهميش شعوبها واستلحاق نخبها بمدار قرارها" (ورقة حوارية بعنوان "العولمة بصيغة التنوع الثقافي"، منتدى أصيلة/المغرب، 14-17 أغسطس 2007).. ليؤكد لنا بأنه، أولاً: رغم ما أعلن عن استقلال الدول العربية، إلا إنها لازالت في الحقيقة فاقدة السيادة بسبب الهيمنة الغربية عليها.. ثانياً: إننا نعيش عصر استعماري جديد في خطابه وقديم في مضمونه.. ثالثاً: إن دعاة العولمة هم المروجون للخطاب الاستعماري الجديد... وبهذه الحقائق الثلاثة يضعنا الكاتب أمام صورة واضحة ومعتمة للفترة الكارثية التي تمر بها المنطقة العربية بما أُعِدّ لها في المخططات والاستراتيجيات الاستعمارية القديمة والجديدة، حتى باتت لشدة هزالها مرمى لأهداف مختلف القوى الإقليمية والدولية، وسلعة في مقايضات تلك القوى والأطراف المتصارعة على مناطق النفوذ والسيطرة في العالم..
نعم، تعيش هذه الأمة زمناً صارت فيه سلعة للمقايضة بين القوى الطامعة في أرضها وثرواتها، وحتى تاريخها وتراثها اللذين باتا مادة للسرقة والتحريف بالملكية والتزوير في التدوين.. ولتتأكدوا أننا كأمة وأرض وهوية وتاريخ تحولنا إلى مادة للمقايضة تمعّنوا بالتالي:
نضع بين يديك، عزيزي القارئ، نماذجاً موثقة لبعض المؤامرات التي تم حبكها ضد العرب لضرب مصالحنا وتحقيق أهداف ومصالح أطراف دولية وإقليمية.. ونهدف من ذلك إلى، أولاً: لفت الانتباه لحجم المؤامرات التي تحاك لهذه الأمة، رغم اعتراض البعض من دعاة العولمة على نظرية المؤامرة، والذي يراد منه تهميش هذه الحقيقة لصالح المتآمرين.. ثانياً: إنعاش الذاكرة العربية ودعمها بالوثائق التي تؤكد الكثير من الطروحات التي لم تجد لها إثباتاً توثيقياً محكماً خلال العقود الماضية..

ثالثاً: وضع النظام العربي الرسمي أمام حجم المخاطر التي يواجهها، في الوقت الذي يشعر هذا النظام بأنه في مأمن بما يُدعى بتحالفات مع القوى الدولية والإقليمية.. رابعاً: إحياء ضمير النظام العربي الشعبي لمواجهة الواقع دون البحث عن مكتسبات ذاتية وآنية مدمّرة للوطن والأمة.
النموذج الأول: يرويه العميد المتقاعد حسن بيومي، أحد كبار المسؤولين في جهاز الأمن والمخابرات السودانية في عهد الرئيس السابق جعفر النميري، ليكشف عن أهم أسباب الخلاف وسوء العلاقة الذي كان بين النظام السوداني والنظام الليبي في ذلك الوقت والمستمر حتى الآن، فذكر إنه بعد عملية هجرة اليهود الفلاشا من السودان إلى إسرائيل وما تبعها من هجوم على سياسات السودان في ذلك الوقت من خلال الإعلام الليبي، أقنع الأمريكان الرئيس النميري بأن يحتضن جماعات من المعارضين للنظام في ليبيا ويقوم بتدريبهم على السلاح للقيام بعملية انقلابية على نظام العقيد القذافي.. وبدأت العملية بجمع أعداد من أولئك المعارضين في السودان حيث قضوا فترة تدريبية للمهمة المرسومة لهم، وقبل أيام من دخولهم إلى الأراضي الليبية للقيام بعمليتهم أبلغ الأمريكان الأجهزة الليبية بالمخطط وكل المعلومات عن المتآمرين، فترصّدهم الأمن الليبي، وألقى القبض عليهم أثناء دخولهم من مختلف المنافذ الحدودية الليبية وهم يحملون الجوازات السودانية.. فكان رد الفعل الليبي المباشر على هذه العملية أن اتصلوا بالمعارض السوداني المنشق، جون جرنج، ومنذ ذلك الوقت بدأ الليبيين بتمويله على تمرده على السلطة في السودان عن طريق جماعات في أثيوبيا (برنامج "لقاء خاص"، فضائية الجزيرة، 11/8/2007).. وهكذا ضَمَنَ الأمريكان عدم تصالح النظامين تحت أي ظرف، إضافة إلى توفير التمويل للمنشق السوداني، جون جرنج، الذي كان يعمل على فصل الجنوب السوداني الثري نفطياً.. فتمت الخطة الأمريكية كاملة بالميزانية العربية، السودانية من جهة، والليبية من جهة أخرى...
النموذج الثاني: يدور حول أحد أهم أسباب الخلاف الذي نشب بين العراق والكويت والذي وصل إلى حد اجتياح العراق للكويت في 2 أغسطس 1990.. ومتحدثنا هنا هو الفريق الركن رعد مجيد الحمداني، وهو أحد أهم القادة الميدانيين العراقيين على مدار ثلاثة عقود حتى غزو العراق واحتلاله.. وقد وثّق متحدثنا هذا الحدث في مذكراته التي نشرها في كتاب من 347 صفحة بعنوان "قبل أن يغادرنا التاريخ"، (الدار العربية للعلوم-ناشرون، 2007)، وأشار هنا إلى "قيام شركة أمريكية بسرقة النفط العراقي من شمال الكويت، ولصالح حكومة الكويت، وذلك من خلال الحفر المائل، والغريب في الأمر أن الشركة الأمريكية هي من قامت بإبلاغ العراق بهذا الأمر" (ص 192).. وما حدث بعد ذلك يعرفه كل من عايش تلك الفترة السوداء من تاريخ العرب الحديث..
أما النموذج الثالث: فيدور حول الحرب العراقية الإيرانية وتبعاتها المستمرة حتى اليوم..
ووثيقتنا هنا تتحدث عن مؤامرة بصيغة صفقة تمت بين إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) والنظام الإيراني بوساطة الأمم المتحدة، حول الإفراج عن الرهائن المدنيين الأمريكان الذين اختطفتهم تنظيمات حزب الله في لبنان خلال الفترة 1985-1988 مقابل توجيه الأمين العام للأمم المتحدة (خافيير بيريز ديكويلار) رسالة إلى مجلس الأمن يحمّل فيها العراق مسؤولية شن الحرب على إيران.. وهي الرسالة المؤرخة بتاريخ 9/12/1991 والتي نصت على "أن الهجوم على إيران يوم 22/9/1980 لا يمكن تبريره في إطار ميثاق الأمم المتحدة، أو أية قواعد أو مبادئ معترف بها في القانون الدولي، أو أية مبادئ أخلاقية دولية، وهو ينطوي على المسؤولية عن الصراع" (وثيقة الأمم المتحدة S/23273).. وهذه هي الوثيقة التي تعتمد عليها الجمهورية الإسلامية في تثبيت مسؤولية العراق عن تلك الحرب تمهيداً لمطالبته بتعويضات كبيرة قد تصل إلى حد الاستيلاء على حقول نفطية في جنوبه، ومنها حقل مجنون النفطي.. ونُذكّر هنا بأن تحديد مسؤولية شن الحرب كان محور المادة السادسة من اتفاقية مجلس الأمن رقم 598 (1987) حول وقف إطلاق النار بين البلدين.
بقيت حيثيات هذه الصفقة-المؤامرة خفية حتى سنة 1999 عندما جاء ذكرها بالتفصيل في مذكرات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، حينها، السيد جياندومينيكو بيكو:
(Giandomenico Picco, Man without Gun: One Diplomat’s Secret Struggle to Free the Hostages, Fight Terrorism, and End a War. “New York: Times Books; Randum House, 1999”)
وقد نقلت مجلة "المستقبل العربي" (العدد 333، 11/2006) هذه التفاصيل في دراسة قصيرة من إعداد الباحث العراقي الأستاذ عبدالواحد الجصاني بعنوان "حول التعويضات في الحرب العراقية-الإيرانية"..
وحسب المصدر، إن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة السيد جياندومينيكو بيكو يستعرض في مذكراته تفاصيل المحادثات السرية الطويلة والمضنية خلال الفترة 1988-1991 مع الجانب الإيراني، بدءاً بالرئيس رفسنجاني ووزير خارجيتة ولايتي ومندوب إيران لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة سايروس ناصري ومندوب إيران لدى الأمم المتحدة كمال خرازي ونائبه السفير جواد ظريف، حول تحرير الرهائن المدنيين الأمريكان الذين اختطفتهم تنظيمات حزب الله في لبنان خلال الفترة 1985-1988، وصولاً إلى سفيري إيران في دمشق (أخطري) وفي بيروت (زمانيان)، اللذين هيئا له لقاءاته بالخاطفين.
ويسرد السيد بيكو التغيّر في المطالب الإيرانية مقابل إطلاق الرهائن طوال فترة المفاوضات على مدى ثلاث سنوات..
- خلال الحرب العراقية-الإيرانية كان الطلب الإيراني هو الحصول على الأسلحة وقطع غيارها من أمريكا وإسرائيل والتي عرفت فيما بعد بفضيحة إيران جيت؛
- بعد وقف إطلاق النار في 8/8/1988 تغير المطلب الإيراني من أمريكا، وتعدد فطلبوا 1- إرغام العراق للموافقة على اتفاقية الجزائر لعام 1975 التي ألغاها العراق عام 1980 بسبب تدخل إيران في شؤون العراق الداخلية.. 2- إطلاق سراح عناصر حزب الدعوة الإسلامية، الذين قاموا بتفجيرات في الكويت عام 1983.. 3- إطلاق الأرصدة الإيرانية المجمدة في أمريكا؛
- وبعد دخول القوات العراقية الكويت وانفتاح المواجهة الأمريكية-العراقية، انتهزت إيران الفرصة ورفعت سقف مطالبها مقابل الإفراج على الرهائن، فطالبت باستخدام الفقرة السادسة من القرار 598 (1987) لإدانة العراق واعتباره مسؤولاً عن شن الحرب على إيران.. ووافق الأمريكان وتمت الصفقة وأطلق سراح الرهائن.. وبعد ذلك، وجه الأمين العام للأمم المتحدة في 9/12/1991 رسالة إلى مجلس الأمن يبلغه فيها أن العراق يتحمل مسؤولية الحرب العراقية-الإيرانية.
والجدير بالذكر أن هذه الصفقة السرية جرت تحت غطاء مساعي الأمم المتحدة إلى تحقيق تبادل الأسرى بين لبنان وإسرائيل، والتي تم تصوير بأنه انتصار حققه حزب الله الذي كان يطالب باطلاق سراح 600 أسير على أن يكون الشيخ عبدالكريم عبيد بالذات من ضمنهم.. إلا إن الصفقة انتهت بإطلاق 91 منهم فقط ولم يكن الشيخ عبيد من بينهم.
ويذكر السيد بيكو في مذكراته إنه، بعد انتهاء تلك الصفقة، وَعَدَ إيران بأن تكون مدخلاً لتحسين العلاقة بينها وبين أمريكا.
وللأهمية، ننقل بجانب مقالنا هذا نص الجزء الخاص بالموضوع من مقال الدكتور الجصاني في سرده للصفقة من مذكرات السيد بيكو.. وخصوصاً إن تلك التفاصيل تظهر حقائق كثيرة أهمها دور أولئك المتخفين في لباس الدين والنزاهة الإيمانية في ممارسة أفاعيل الشيطان.

استعراض موجز لما جاء في مذكرات بيكو
1- يقول بيكون إن الشيخ محمد حسين فضل الله بعد عودته من النجف إلى لبنان أنشأ حركة الدعوة الإسلامية في لبنان والتي ولد من رحمها حزب الله عام 1982.. وإن أعضاء لبنانيين من هذه الحركة قاموا في 12 ديسمبر 1983 بسلسلة من التفجيرات في الكويت بهدف معاقبة الكويت على دعمها العراق في حربه ضد إيران، وألقي القبض عليهم، وكان عددهم 17 شخصاً وحُكموا بالإعدام ثم خفف إلى السجن المؤبد. ومن هنا برزت فكرت اختطاف مواطنين غربيين، وبالذات أمريكان، في لبنان لكي تضغط حكوماتهم على الكويت لإطلاق السبعة عشر المسجونين لديها (ص 121). وبعد بدء عمليات اختطاف الغربيين في لبنان وعرض مبادلتهم بالسبعة عشر سجيناً في الكويت، لم تستجب الولايات المتحدة ولا الكويت لهذا الطلب. ويضيف أنه شخصياً تجاهل هذا الطلب، لأنه لا يستحق النظر فيه (ص123).
2- ويقول بيكون إنه خلال عمله ضمن فريق الأمم المتحدة لإنهاء الحرب العراقية-الإيرانية بدأ بإثارة موضوع الرهائن الغربيين في لبنان مع المسؤولين الإيرانيين لعلمه أن الرابط الأيديولوجي بين الثورة الإيرانية والمجموعات اللبنانية التي أعلنت مسؤوليتها عن خطف الرهائن لم يعد سراً، لكن المسؤولين الإيرانيين استمروا سنوات في إبلاغه أن حكومتهم لا علاقة لها بهذه المجموعات. وفي عام 1989 عندما بدأوا بالتفاوض معه حول الرهائن اعتذروا له عن موقفهم السابق، وقالوا: إن سببه كان لأن الظروف لم تكن ناضجة لبحث الموضوع. وأضاف، "في نهاية عام 1988 خولني الأمين العام بعد أخذ موافقة الأمريكان أن اتصل بالإيرانيين طلباً لمساعدتهم في إطلاق سراح الرهائن الأمريكان في لبنان. وكان أول اتصال لي يوم 14/3/1989 مع سايروس ناصري سفير إيران لدى المكتب الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، وطلبت منه أن التقي بالرهائن لأطمئن على صحتهم وأن التقي الخاطفين لأتعرف إلى مطالبهم وأكون وسيطاً لهم" (ص 99-100).
3- وفي 23/4/1989 التقى الأمين العام للأمم المتحدة (ديكويلار) في نيويورك وزير الخارجية الإيراني ولايتي وعرض مقترح الوساطة الذي قدمه بيكو لسايروس ناصري، ووعده ولايتي بدراسة الطلب. وأضاف أن بعض اللبنانيين أخبروه أن الرهينة الأمريكي هيغينس (ضابط أمريكي يعمل في قوات الأمم المتحدة في لبنان-يونيفيل) قتل في يوليو 1988 رداً على إسقاط الأمريكان طائرة مدنية إيرانية فوق مضيق هرمز (ص 106).
4- وفي 30/5/1989 وخلال زيارته طهران لمتابعة مواضيع تتعلق بأفغانستان، أخبره وزير الخارجية الإيراني ولايتي أن الخاطفين يريدون لقاءه في دمشق، لكنه لم يحدد موعداً للقاء (ص 107)؛
5- وفي 17/8/1989 أبلغ ولايتي وزير خارجية باكستان أنه مستعد للمساعدة في إطلاق سراح الرهائن الغربيين في لبنان مقابل قيام الولايات المتحدة ببعض الخطوات تثبت من خلالها أنها لم تعد معادية لإيران؛
وبعد ذلك بعدة أيام أرسل الرئيس بوش (الأب) مستشاره للأمن القومي السيد سكوكروفت إلى نيويورك، وابلغ ديكويلار أن بوش مستعد لخطوات متبادلة مع إيران للتخفيف من حدة التوتر بين البلدين وبما يسمح بإطلاق الرهائن (ص110)؛
6- واستناداً إلى هذا اللقاء، ذهب بيكو إلى طهران والتقى الرئيس رفسنجاني في 25/8/1989 ونقل إليه رسالة بوش (الأب) في الرغبة بتحسين العلاقات بين البلدين، وإن بوش يريد إطلاق الرهائن الأمريكان في لبنان، وسيتخذ في المقابل إجراء بشأن الأموال الإيرانية المجمدة ومبادرات أخرى استناداً إلى المبدأ الذي أعلنه يوم تنصيبه وهو أن النيات الحسنة تستجلب نيات حسنة. أجاب رفسنجاني أن علاقات بلاده انقطعت مع الخاطفين منذ فترة وهم ليسوا من جماعة حزب الله التقليديين، وأن بلاده أجرت اتصال بهم سابقاً بناءاً على طلب ماكفرلن (مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي زار طهران سراً عام 1985 لترتيب الصفقة التي عرفت لاحقاً بفضيحة إيران جيت) ولكن بعد أن لم يف الأمريكان بوعودهم انزعجت هذه الجماعات، ومن الصعب أن نعيد الاتصال بهم. وأضاف رفسنجاني "أن الخاطفين يريدون أولاً إطلاق سراح الشيخ عبيد (خطفته إسرائيل من جنوب لبنان يوم 28/7/1989) كما إن أمريكا جمدت أرصدتنا بلا أساس قانوني، ومع ذلك، تريدنا أن نتدخل في قضية لا مصلحة لنا في التدخل فيها، ونحن، مثل الرئيس بوش، لدينا مشاغل داخلية وعلى الأمريكان أن لا ينتظروا منا شيئاً مقابل إطلاق أرصدتنا، ولكي نساعد فعليها تقديم مبادرات حسن نية، ومن ذلك أن عليهم إيقاف عدائهم غير المبرر لنا" (ص 112-114)؛
7- وفي قمة بلغراد لحركة عدم الانحياز في سبتمبر 1989 التقى ديكويلار وزير خارجية إيران ولايتي الذي طلب أن ترفع الولايات المتحدة، كخطوة أولى، التجميد عن 10% من أرصدة إيران المجمدة ولم يعلق عليه. ثم بعد عدة أسابيع طلب ولايتي من ديكويلار أن تدفع أمريكا تعويضات لركاب الطائرة المدنية الإيرانية التي أسقطت فوق الخليج عام 1988 (ص 118)؛
8- خلال مشاركة الرئيس بوش (الأب) في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 1989 أبلغ ديكويلار أنه علم بعرض ولايتي إطلاق 10% من أرصدة إيران المجمدة ولم يعلق عليه. وبعد ذلك بأيام أي في 19/9/1989 أبلغ جيمس بيكر ديكويلار أن بلاده لن تجيب على رسالة رفسنجاني حتى لا تبدو الولايات المتحدة متعطشة للتعامل مع إيران (ص 115)؛
9- وفي بداية عام 1990 عُيّن كمال خرازي مندوباً دائماً لإيران لدى الأمم المتحدة وأبلغ بيكو أن شروط إيران للتوسط في موضوع إطلاق سراح الرهائن في لبنان هي رفع التجميد عن الأرصدة الإيرانية ودعم أمريكا اتفاقية الجزائر لعام 1975 وحث العراق على الانسحاب من بعض الأراضي الإيرانية التي لايزال يحتلها (ص 118)؛
10- ويقول بيكو: "أغنانا النظام العراقي عن مناقشة طلبات إيران، ففي 2 أغسطس 1990 دخلت القوات العراقية الكويت وحررت جميع السجناء ومن ضمنهم السبعة عشر الذين قاموا بتفجيرات الكويت. ثم فاجأنا صدام من جديد بقبوله في 15 أغسطس 1990 اتفاقية الجزائر" (ص 125)؛
11- ويذكر بيكو أن عدد الرهائن في نهاية أغسطس 1990 كان ستة أمريكان وبريطانيين وألمانيين، ويستعرض أسماء الرهائن الأمريكان وهم مدنيون: موفد الكنيسة الأنجليكانية (تيري ويت) الذي توسط لإطلاق الرهائن ومراسلو صحف وأساتذة.. أما الألمانيان فقد كانا رهينتين لدى أسرة حمادي لمبادلتهم بأثنين من هذه الأسرة محتجزين عن اختطاف طائرة (TWA) عام 1985، والثاني عن تهريب متفجرات إلى ألمانيا (ص 148)؛
12- وفي أواسط فبراير 1991 قام السفير كما خرازي بإبلاغ بيكو أنه يسعى إلى ترتيب لقاء له مع الشيخ فضل الله. وفي 13/4/1991 سافر بيكو إلى طهران لترتيب موضوع اللقاء حيث التقى بوكيل الخارجية الإيراني ومنها إلى دمشق، ومن دمشق إلى بيروت. ويضيف "وفي بيروت التقيت الشيخ فضل الله، الذي يسمونه خميني لبنان وهو الأب الروحي لحزب الله. وعبّر الشيخ فضل الله عن أمله في أن تتحسن العلاقة بين أمريكا وإيران وقال إنه ليس صاحب قرار في موضوع الأسرى، لكنه مستعد للمساعدة، وأكد أن خطف الرهائن يتعارض مع عقيدته الإسلامية، وأثنى على دور الأمم المتحدة، وقال إن دورها يحفظ ماء الوجه للجميع، ولا يعطي انطباعاً بأن هناك صفقة ما" (ص 139-142). وجدير بالذكر أن رأي السيد فضل الله هذا هو رأي سكوكروفت نفسه الذي كان يلح على أن تظهر الأمم المتحدة أنها تسعى لتبادل الأسرى بين لبنان وإسرائيل حتى لا يبدو أن هناك صفقة تجري على حساب الرهائن ولكي لا تتعامل أمريكا مباشرة مع إرهابيين (ص 149)؛
13- يقول بيكو إنه كان يضغط على الإيرانيين وعلى الخاطفين للإسراع في إنجاز الصفقة قبل نهاية عام 1991 موعد ترك ديكويلار منصبه كأمين عام للأمم المتحدة؛
14- التقى بيكو السفير جواد ظريف في 27 يوليو 1991 الذي أبلغه إن حكومته تتحرك بسرعة لمساعدة الأمين العام في غلق ملف الرهائن قبل نهاية مدة ولايته وإن الرئيس رفسنجاني يرغب في أن يزور ديكويلار طهران قريباً لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق. وقال بيكو "كان جوهر اتفاقي مع ظريف هو أن تعمل إيران مع المجموعات اللبنانية لتحرير الرهائن الغربيين مقابل أن تقدم الأمم المتحدة الفقرة 6 من القرار 598، أما إذا استطعنا أن نحصل على أكثر من ذلك، أي تحرير السجناء اللبنانيين في سجون إسرائيل وتقديم معلومات عن الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة المفقودين في بيروت وعن الجنود والطيار الإسرائيلي (رون أراد) المفقودين في لبنان، فسيكون ذلك كالقشطة التي توضع فوق الكعكة، لكن أصل اللعبة هي الفقرة السادسة. وكنا نعلم أن إيران تريد إدانة رسمية للعراق لشنه الحرب، لكننا لم نكن نعلم كم كان ذلك مهماً لإيران من الناحية السياسية". وأضاف بيكو (قلت لظريف إننا نستطيع التعامع مع مقترحك حول الفقرة السادسة، فأجاب: ستكون زيارة ديكويلار ناجحة لو نفذت الفقرة السادسة) (ص 150-151)؛
15- وفي 1/8/1991 التقى ديكويلار مندوب إيران الدائم في الأمم المتحدة، السفير خرازي، وأبلغه أنه ينوي البدء بإجراءات تنفيذ الفقرة السادسة ويريد أيضاً إغلاق ملف الرهائن بأسرع وقت (ص 151)؛
16- وفي الأيام التي تلت لقاء ديكويلار مع خرازي عمل بيكو مع جواد ظريف على وضع تفاصيل مقترحات إطلاق سراح الرهائن وتنفيذ الفقرة السادسة (ص 151)؛
17- وفي 7/8/1991 قام ديكويلار بإبلاغ سكوكروفت بهذه التطورات (ص 152)؛
18- وفي 10/8/1991 أطلق سراح الرهينة الأمريكي السيد تريسي (ص 152)؛
19- التقى بيكو في مقر السفارة الإيرانية في بيروت يوم 11/8/1991 السفير الإيراني زمانيان الذي أبلغه أنه أجرى الترتيبات للقائه مع الخاطفين وطلب منه الخروج من السفارة والتمشي في الشارع، ومن هناك ستأتي سيارة لأخذه إلى مكان اللقاء. وجاءت السيارة والتقطته وعصبت عيناه وأخذ إلى مقر الخاطفين (ص 152-153). خلال حديثه مع الخاطفين الملثمين خمّن انهما عماد مغنية ونسيبه مصطفى بدر الدين. ووقتئذ كان عماد مغنية مسؤول الأمن الخاص في حزب الله، وكان قبلها الحارس الشخصي للشيخ فضل الله، ويعتقد أنه شارك في خطف طائرة (TWA) عام 1985 وطائرة الجابرية الكويتية عام 1988. أما نسيبه مصطفى فقد كان ضمن المجموعة التي قامت بتفجيرات الكويت عام 1983 وأفرج عنهم العراق بعد دخوله الكويت. ويذكر بيكو أن اللقاء ركّز على موضوع إطلاق الأسرى اللبنانيين ولم يتفق فيه على شيء محدد (ص 161). وتلت ذلك لقاءات لبيكو مع الخاطفين ويبدو أن هدفها إعطاء الانطباع أن الأمم المتحدة تتصل بالخاطفين لإطلاق سراح الرهائن وتحويل الأنظار عن الصفقة الإيرانية-الأمريكية.
20- وفي يوم 20/8/1991 وصل بيكو إلى طهران للتحضير لزيارة ديكويلار. وفي يوم وصوله التقى وزير الخارجية ولايتي الذي كان شاغله الأساسي معرفة ما عملته الأمم المتحدة في شأن الدراسة التي تعدها حول المسؤولية عن الحرب العراقية-الإيرانية أو ما اصطلح عليه في الفقرة السادسة، فأجابه بيكو أن ثلاثة أساتذة أوروبيين أوكل إليهم الأمين العام دراسة المسألة. وسأل بيكو ولايتي هل ستكون زيارة ديكويلار لطهران ناجحة؟، أجاب ولايتي أنه مسرور لأن الفقرة السادسة تحت نظر الأمم المتحدة، وفهم بيكو مغزى إشارة ولايتي (ص171)؛
21-وفي لقاء ديكويلار-رفسنجاني في طهران في 11/9/1991 بدأ رفسنجاني الحديث عن الفقرة السادسة وأهميتها، وسأل عن موعد صدرو التقرير في شأنها، فأجاب ديكويلار إنه يأمل إصداره في نهاية أكتوبر. وأجاب رفسنجاني إن تقرير الفقرة السادسة مهم جداً لإيران، وإن إيران كانت تربط نهاية أزمة الرهائن بالإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة، أما الآن فإنها أزالت هذا الربط، وتركز على الفقرة السادسة (ص 181)؛
22- بعد لقاء ديكويلار-رفسنجاني التقى بيكو المفاوضين الإيرانيين من جديد، الذين أمطروه بالأسئلة محاولين معرفة طبيعة وموعد صدور تقرير الفقرة السادسة. ويضيف بيكو (كان التقرير وسيلة الضغط الوحيدة لدينا على الإيرانيين. وبغض النظر عن مواقف الحكومات، لم أقبل أن أقترح على الأمين العام أن يطلق التقرير قبل إطلاق آخر رهينة أمريكي) (ص 184). وفعلاً أطلق جميع الرهائن الأمريكان ثم صدر التقرير (أي رسالة الأمين العام إلى مجلس الأمن بموجب الفقرة السادسة من القرار 598)
23- ويقول بيكو (بعد إطلاق جميع الرهائن الأمريكان استقبلنا الرئيس بوش أنا وديكويلار في البيت الأبيض وقلّدنا أوسمة وكان خمسة من الرهائن الأمريكان المحررين حاضرين في الحفل. وكان هذا اليوم تاريخياً لسبب آخر وهو نشر رسالة الأمين العام إلى مجلس الأمن حول الفقرة السادسة الخاصة بالمسؤولية عن الحرب بين العراق وإيران. ولقد تطلب الأمر منا شجاعة وإصراراً. صحيح أن هناك قليل من الشك حول مسؤولية العراق عن الحرب ولكن من الممكن أن يثار موضوع أن التقرير كان ثمرة صفقة سهّلت فيها إيران عملية إطلاق الرهائن مقابل وثيقة تصف العراق بالمعتدي) (ص 267)؛
24- ويصف بيكو نهاية مهمته بالقول إنه بعد أن أطلق جميع الرهائن الأمريكيين و91 سجيناً لبنانياً عرض على سكوكروفت اقتراحاً متواضعاً يقضي بقيام شركة أوروبية تزود إيران بقطع غيار نفطية يستوجب الحصول عليها موافقة أمريكا، لكن سكوكروفت رفض المقترح. ولذا توجه في أواخر ربيع عام 1992 إلى طهران والتقى الرئيس رفسنجاني، وقال له إنه جاء ليبلغه أنه نكث بوعده في أن تكون صفقة إطلاق الرهائن مقابل الفقرة السادسة مدخلاً لتحسين العلاقة الأمريكية-الإيرانية إذ لم يقبل الأمريكان بادرة حُسن نية بسيطة لتحسين العلاقة مع طهران. وقال أن رفسنجاني غضب وطلب منه مغادرة إيران بسرعة، إذ لو سمع المتشددون بذلك فلن يسمحوا له بالمغادرة. وغادر إيران على عجل وقرر إنهاء عمله في الأمم المتحدة (ص 4-5).
مجلة المستقبل العربي (ص 70-75، العدد 333، 11/2006)