سلاح الدمار الشامل النووي في الحرب ضد العراق

يعتمد أساس البناء العولمي في النظام العالمي الجديد على تغيير جميع المفاهيم القديمة المتعلقة بالجزئية الوطنية لتتحول إلى علاقات ومفاهيم العالمية ، أي هي في مجملها عملية تحول الرأسمالية الوطنية إلى رأسمالية عالمية ، وتحول الشركات الوطنية إلى شركات متعددة الجنسيات إي شركات عالمية ، كما يجب أن تتحول المناهج والثقافة الوطنية إلى مناهج وثقافة عالمية تخلو من النزعة الوطنية وكل ما له علاقة بالتراث والحضارة والتاريخ الوطني .

ومن هنا تنتهي جميع العلاقات التي تدعى بالوطنية ، وخصوصاً تلك العلاقات الإقتصادية والسياسية والسيادية ، لتتحول لعلاقات بين الدولة والشركات ، فتلتزم جميع القرارات بالمصلحة العالمية قبل إلتزامها بالمصلحة الوطنية ، وما العالمية هنا إلا المصلحة الأمريكية البحتة في القرن الأمريكي الجديد . بهذا المنظور يتم اليوم الحديث عن السيادة الوطنية لكل بلد في إطار مدى تضارب مصالح ومواقف أية دولة مع المصالح العولمية الأمريكية ، وفي هذا الإطار أيضاً يتم صياغة قرار إلغاء أو استبدال سيادة أية دولة في العالم حسبما تتطلبها هذه المصالح الأمريكية ، وهذا ما تم بالنسبة للعراق ، عندما تم صياغة القرار الأمريكي بإلغاء سيادته وإلحاق موارده النفطية الغنية لحساب الولايات المتحدة ، ضمن مخطط متكامل يستهدف الحفاظ على مصالح الهيمنة الإمبراطورية الأمريكية في المنطقة العربية ، فجاء التنفيذ بمستوى ضخامة القرار ولاشرعيته ولاإنسانيته.
كان النفط العراقي هدفاً غربياً منذ العام 1972 ، عندما أعلنت الحكومة العراقية آنذاك بقيادة الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر، قرارها الوطني بتأميم النفط وجعله ملكاً وطنياً للعراق وليس ملكاً عولمياً للشركات الغربية . هذا القرار الخطير ، آنذاك ، أدى إلى رفع قدرات الإقتصاد العراقي لمستوى متقدم جداً مما مكّن من بناء الدولة العراقية الحديثة بكل عمرانها وصروحها التعليمية والعلمية الحديثة ، ووفر الرخاء الإقتصادي لأول مرة للشعب العراقي ، كما جعل بإمكان العراق أن يتقدم علمياً وصناعياً إلى مستويات الدول الصناعية بتأسيس البنية الأساسية للصناعة الوطنية ، والتقدم نحو الصناعة العسكرية المتطورة والمحظورة ، ضمناً ، على جميع دول المنطقة عدا إسرائيل . فكان قرار بناء دولة صناعية عربية قوية وقادرة في نفس الوقت على التصنيع العسكري بقوة إقتصادية عالية وبأدمغة وعقول عربية هو القرار الوطني الثاني الذي تتخذه الحكومة العراقية خارج النظام "العولمي" ، وباتجاه معاكس لمصالح القوة الأمريكية العظمى في المنطقة حسـب رؤية راسمي السياسات الأمريكية . تم كل ذلك في عهد الحكومة العراقية البعثية التي استطاعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بمؤسساتها ومعاهد دراساتها المختلفة من العمل على تشويه صورة نظامها الحاكم وتكريس كل ما تملك الولايات المتحدة من وسائل إعلامية وعلمية لوضعه في خانة الأنظمة غير الجديرة بحكم العراق والشعب العراقي ، لسبب واحد ووحيد لم تعلنه الإدارات الأمريكية وهو إن هذه الحكومة عملت على بناء دولة عربية تملك بنية تحتية صناعية وعسكرية وعلمية واقتصادية صلبة وقوية ، إضافة إلى قوة إنمائية تعتمد على قوة بشرية عالية الجودة العلمية والثقافية ، مما يهز ويهدد "الأمن والوجود الإسرائيلي" والمصالح السياسية والاقتصادية المستقبلية للإمبراطورية الأمريكية في منطقتنا العربية التي كانت ولا زالت منذ عصر الحرب الباردة وحتى اليوم منطقة نفوذ أمريكية.
في عملياتها الحثيثة لإسقاط هذا النظام والقضاء على السيادة العراقية باحتلال العراق إعتمدت الإدارات الأمريكية على الخلافات العربية العربية المفتعلة بين الأنظمة الحاكمة العربية ، كما اعتمدت على الخلافات بين مختلف القوى السياسية العربية التي قضت تاريخها في التناطح بحثاً عن المواقع المتقدمة على حساب المصلحة العربية والقومية العليا ، وكانت ترى في الحزب الحاكم في العراق عدواً يجب التخلص منه بأي ثمن حتى لو كان هذا الثمن احتلال ودمار العراق بأكمله . وهكذا كان ، فهل حققت هذه الأنظمة وهذه القوى أهدافها ، أم إنها ، وكما نرى اليوم ، تحولت هي نفسها إلى أهداف جديدة ضمن مخطط القرن الأمريكي الجديد.
لم يكن الإحتلال الأمريكي للعراق سهلاً ، وهذا ما تحاول الإدارة الأمريكية بكل أجهزتها أن تنكره وبل تمحيه من الذاكرة العربية ، تارة بالتعتيم الإعلامي وتارة بأساليب الخديعة الإعلامية الأمريكية المتلاعبة بالعقول . لقد وضعت الإدارة السياسية الأمريكية أمامها هدف احتلال العراق بأي ثمن ، فكان على الإدارة العسكرية الأمريكية أن تستعد بكل آلياتها العظمى لتحقيق ذلك الهدف ، فكان القرار السياسي والعسكري رهيباً وغير مسبوقاً في التاريخ .
لقد تمكنوا من العراق ، ولكن من المهم ومن الواجب أن نعرف كيف حدث ذلك ، كما يجب أن يعرفه جميع أبناء الوطن العربي المخلصين وأجياله القادمة ، وكما يجب أن يذكره التاريخ الذي سوف تحاول جميع الآليات الإعلامية والبحثية والعلمية الغربية أن تطمسه ضمن شريعة "إن التاريخ يكتبه المنتصرون" كما حدث بعد جميع الحروب غير العادلة على مر العصور.
لقد تم الإعداد لهذا الإحتلال ، ببرامج كبرى على مدى أكثر من عشرين عاماً انتهت بتلك الأعوام الثلاثة عشر من الحصار الجبار الذي لا يستطيع أن يقاومه أي شعب في العالم . تم تجويع الشعب العراقي كما تم تجريد النظام العراقي من سمعته الوطنية والقومية ، وتم تجريد العراق من كامل أسلحته كما تم تجريده من جميع وسائله السياسية والدبلوماسية للدفاع عن نفسه ، وتم بسط نفوذ المفتشين الدوليين على العراق وإهانته كما تم زرع مختلف أجهزة الاستخبارات على أرضه وفي مجتمعاته المختلفة . لم تكتفي قوى العدوان بهذا القدر من التجهيز للوصول إلى اللحظة الحاسـمة في القضاء على العراق ، الذي كان ذنبه الوحيد إنه تجرأ بالعمل على صناعة وإمتلاك القوة لحماية سـيادته القومية خارج إرادة القوة العظمى الأمريكية ، بل استمرت بحشد جميع قطاعاتها العسكرية حول العراق ومنافذه ، بجانب حصولها على الدعم والمساعدة الكاملين من جميع الأنظمة العربية بدون استثناء ، للعدوان على العراق وإحتلاله ، من خلال تواجدها العسكري على الأراضي العربية ومن خلال توفير كامل الوسائل الإعلامية والنفسية والسياسية في جميع البلدان العربية في خدمة العدوان ، وبقمع المظاهرات وقمع كل معارضة شعبية لهذا العدوان اللاإنساني ، بجانب مختلف المساعدات الفنية واللوجستية المطلوبة.
ولكن ورغم كل هذا التجهيز والترهيب المنقطع النظير للجيوش العدوانية ، وعندما جاءت اللحظة الحاسمة ودخلت هذه الجيوش بكامل عدتها وعتادها التكنولوجي في الحرب ضد ذلك الشعب الأعزل والمحارب ، بدون اي غطاء شرعي دولي ، كانت المقاومة الباسلة التي واجهوها على الأرض العراقية غير متوقعة بالنسبة لهم ، فكانت الغارات الشديدة التي أنزلت آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ المختلفة على العراق بكاملها ، وتم قصف بغداد في 2750 غارة وطلعة جوية ، وتم تنفيذ ما يدعونه بالقصف المكثف أو (carpet bombing) على بغداد ، وكل ذلك لم يدفع القيادة العراقية ولا الشعب العراقي للإستسلام ، مما دفعهم للإتجاه بأقصى سرعة ممكنة بقواتهم لإحتلال بغداد بهدف إنهاء المعركة بنصر سريع وحاسم حسب خطتهم الموضوعة سلفاً وهي إستعمال قوتهم العظمى ، السلاح النووي التكتيكي (Baby Nuclear Bomb) ، وذلك لتجنب إطالة أمد الحرب والدخول في خلافات شـديدة مع الشرعية الدولية الرافضة لهذه الحرب منذ البداية.
هذا ما أكده الأسبوع الماضي شهود عيان من أكبر المصادر والقيادات السياسية العربية التي كانت موجودة في بغداد للحرب بجانب الشعب العراقي وتمكنوا من الخروج من العراق بعد ذلك . لقد تم استعمال قنابل نووية تكتيكية صغيرة في معركة المطار التي كان يقودها الرئيس العراقي صدام حسين بنفسه ، وتم التراجع العراقي ، ولكن لم يكتفوا بذلك فقد تم استعمال نفس السلاح النووي مرة أخرى في ذلك اليوم في منطقة المجمع الرئاسي في الكرخ ، وتمت السيطرة الأمريكية على بغداد بعد أن أوقعوا فيها ألوف القتلى والجثث المتفحمة بالسلاح النووي . حدث كل ذلك بينما كانت قوات أمريكية في مواقع أخرى تعمل على شل حركة جميع وسائل الإعلام ومحاصرتها في مناطقها في بغداد لفرض التعتيم الإعلامي بعدم تمكين الإعلام من الوصول إلى مكان المعارك واكتشاف الوضع الخطير وآثار الدمار النووي المريع في تلك المناطق لحين الانتهاء من تنظيفها . هذا ما حدث في بغداد بعد أن تمكنت القوات الأمريكية من استخدام أجهزة مخابراتها لإختراق بعض ذوات النفوس الضعيفة التي باعت نفسها وأرضها وسربت بعض الخطط العسكرية ، مما جعل الضربة الأمريكية قاصمة وحاسمة وسريعة ، وكانت سبباً في استسلام بعض القطاعات الحربية من الجانب العراقي بعد ذلك وسقوط بغداد ، وإنهاء المعركة الرئيسية للدفاع عن بغداد وإقصاء جميع أفراد القيادة العراقية.
ونكرر ونؤكد هنا كل ما جاء على لسان شـهود العيان من مختلف المصادر العراقية والعربية التي اسـتطاعت الخروج من العراق بعد الحرب ، لقد اسـتعملت الولايات المتحدة السلاح النووي التكتيكي (Baby Nuclear Bomb) في معركتها الحاسمة لإسقاط بغداد ، فجاء استعمال القنابل النووية الصغيرة في أكثر من منطقة في بغداد ، في المطار وفي منطقة الكرخ ، وذلك بعد تضييق الخناق على الإعلاميين في بغداد وقتل وجرح عدد منهم ، كما حدث ورآه الناس في جميع أنحاء العالم من خلال البث الفضائي لمختلف التلفزيونات العربية والعالمية ، للتعتيم الكامل على هذه العمليات الوحشية التي تعد خرقاً للقانون الدولي باستعمال سلاح الدمار الشامل في الحرب ضد العراق .
هذا هو أسلوب الحرب المافياوي الأمريكي البعيد عن أدنى مستويات الإلتزام بالأخلاق العسكرية والإنسانية البشرية في مختلف نزاعاتها ، حتى الداخلية منها .
دخلت الإدارة الأمريكية في الحرب ضد العراق بأكذوبة الحرب ضد الإرهاب ، وتدمير سلاح الدمار الشامل ، ولكن كان الدور الأمريكي في هذه الحرب هو دور إرهابي كبير وضخم لا يمكن أن تمارسه أكبر قوة إرهابية في العالم ، كما استعملت هذه القوات جميع أسلحة الدمار الشامل من القنابل النووية إلى اليورانيوم المنضب والقنابل العنقودية المحرمة دولياً . بجانب ذلك خالفت الولايات المتحدة جميع الاتفاقيات الدولية ، والشرعية الدولية منذ البداية ، بدءاً من خوضها الحرب ضد الإرادة الدولية واستمراراً بقصف المدنيين في بيوتهم الذي استمر بشكل متعمد ولفترة ثلاثة اسابيع ، ولا تزال العمليات هذه مستمرة ، بجانب الهجوم على المنازل لإعتقال الأسرى العزل من بيوتهم وتعريضهم لمواقف مذلة ومهينة ومرعبة مخالفة لجميع إتفاقيات جنيف للأسـرى ، وانتهاءاً بإسـتباحة كامل الأرض العراقية بعد ذلك للنهب والسـرقة التي تعاونت فيها القوات الأمريكية بالتشجيع على سرقة العراق وممارسة قواتها أنفسهم لهذه السرقات ولهذا الدمار ، وضرب جميع المواقع المدنية والأثرية والعلمية والتعليمية التي تناقض جميع الاتفاقيات الخاصة بالحروب.
أين هي الشرعية الدولية اليوم ؟
هل هذه هي الشرعية الدولية التي استمرت الأنظمة العربية تطالب العراق بالإلتزام بتنفيذها طوال ثلاثة عشر عاماً مقابل مناقشة قرار الحصار الجائر واللاإنساني الذي أكل الملايين من الاطفال العراقيين وتغلغل في الأجساد العراقية بدون أي ذنب طوال ثلاثة عشر عاماً ؟
هل علينا تنفيذ هذه الشرعية التي تطبق على الدول الصغيرة فقط ؟ ، أم علينا الإعتماد على القوات الأمريكية لمعرفة ما علينا تطبيقه مقابل قوت يومنا ؟
هذه هي العولمة والنظام العالمي الجديد ، وهذا هو القرن الأمريكي الجديد ، وهذه هي اللبنات الأساسية في بنية الأمبراطورية الأمريكية المهيمنة على العالم ، معتمدة بشكل كامل على جميع الأنظمة العربية المتجاهلة وغير المدركة لمصلحة شعوبها وأوطانها ، في الوقت الذي عملت بكامل إراداتها على بيع العراق خوفاً من البطش الأمريكي على ذواتها ، كما هي معتمدة على جميع القوى السياسية العربية المتطاحنة حول منازعاتها الطائفية والمذهبية والأيديولوجية التي تنفخ فيها السياسة الأمريكية بكل قوتها.
إحذروا الخداع الأمريكي ، وإحذروا ما هو قادم ....


كلمات دالة: