المرأة البحرينية والعمل السياسي 1/2

هل التشريعات التي تصدر تكريساً لحقوق المرأة، في مجتمعاتنا الرجالية الأبوية، تعتبر كافية لكي تمارس المرأة هذه الحقوق بالعدل والإنصاف، أو بأقل تقدير كافية لخلق قناعة في هذه المجتمعات بأهليتها لممارسة هذه الحقوق كما يمارسها الرجل بدون تردد ؟
هل ما يطرح اليوم بواسطة قطاع كبير من الرجال بشتى تياراتهم السياسية والإسلامية في مجتمعاتنا العربية الذكورية بوجوب مشاركة المرأة بالعمل السياسي، هو قناعة منهم بأهليتها لممارسة هذا الدور أم هو من قبيل المزايدات التي يجب علينا أن نجاريها ونجاملها على أمل الوصول إلى قناعات راسخة لتحقيق هذا الهدف؟
تجيب اتفاقية القضاء على جميع مظاهر التمييز ضد المرأة، على هذه التساؤلات، في ديباجتها بشكل صريح مؤكدة بأن "التمييز الشامل ضد المرأة لا يزال موجوداً"، كما تشدّد الاتفاقية على أنّ هذا التمييز "ينتهك مبادئ المساواة في الحقوق واحترام الكرامة الإنسانية".
في المـادة (1) تعرف الاتفاقية مصطلح "التمييز ضد المرأة" بأنه "أية تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس … في الميادين السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو المدنية أو في أي ميدان آخر".
وفي المادة (3) تطالب الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ "جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين، لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل" .
من هذا المنطلق نحن بحاجة ماسة إلى عمل عاجل وهادف ومتواصل يحقق الطموحات السياسية في تفعيل مشاركة المرأة على خريطة العمل السياسي في البحرين، ومن أجل تفعيل حقيقي لحقوق المواطنة بربطها بالمساواة في ممارسة الحقوق السياسية لجميع المواطنين رجالاً ونساء مع التركيز على أن التمييز ضد المرأة في العمل السياسي يعد إحدى علامات التخلف الاجتماعي والسياسي وتطبيق ناقص لمفهوم المواطنة الحقيقية.


مع قبولنا لمبادرة سمو الأمير الإصلاحية التي أدخلتنا مرحلة جديدة من مراحل العمل السياسي، توافر لنا شرطان من شروط رئيسية ثلاثة مطلوب توافرها من أجل رفع التمييز السياسي ضد المرأة وتفعيل مشاركتها السياسية في مسيرة التحول الديمقراطي الذي بدأ منذ عام إلى يومنا هذا، وهما:
1- شرط الإرادة السياسية والتي تمثلت في الميثاق الوطني وإرادة الأمير.
2- شرط الدستور والقانون اللذين أعطيا المرأة المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات مع الرجل.
ولكن، رغم توفر هذين الشرطين ورغم كل ما تمتاز به المرأة البحرينية من قدرات وكفاءات عالية، إضافة إلى ما تمتلكه من تاريخ ثقافي ونضالي طويل، لم يتوافر في مجتمعنا الشرط الثالث وهو الشرط العملي والأهم لممارسة أي حق من الحقوق في المجتمعات المتحضرة، وهو:
3- شرط وجود الآليات والممارسة الحية، لهذه الحقوق على أرض الواقع، سواء من قبل المجتمع بشكل عام أو من قبل المؤسسات والقوى والتيارات السياسية المختلفة.
يعد هذا الشرط المحرك الرئيسي لتفعيل الشرطين الأوليين من أجل تحقيق نتائج إيجابية في مجال مشاركة المرأة في الحياة العامة وفي صنع القرار السياسي. ومن أجل تحقيق هذا الشرط، يتوجب على القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني إضافة إلى مؤسسات الدولة تفهم ودراسة وضع المرأة وتصميم برامج ووضع آليات فاعلة لردم الفجوة بين القانون وشرائعه والواقع المعاش.

******************

كان لغياب الديمقراطية والحريات العامة خلال المرحلة الماضية الأثر الكبير في نمو المخيلة التسلطية لدى الرجل تحت التأثير النفسي الضاغط لغياب الديمقراطية مما كان له مردود سلبي على دور المرأة في المجتمع بشكل عام حيث تعتبر المرأة في مجتمعاتنا هي العنصر الأكثر تأثراً بسلبيات الموروث الثقافي والتنشئة الاجتماعية مما يكون له انعكاس مباشر على مسار مشاركتها السياسية.
بالرجوع إلى الخلف قليلاً، إلى فترة السستينيات والسبعينيات أي في أواخر فترة الاستعمار وبداية عهد الاستقلال، نرى كم كان طموح المرأة البحرينية كبيراً. عملت المرأة البحرينية بشكل جماعي وبتكاتف الأمهات مع بناتهن وبموافقة ومساندة من جميع فئات المجتمع، عملت وخطت خطوات واسعة نحو إثبات دورها وإمكانياتها العالية في مسيرة التنمية البشرية والاقتصادية في فترة قصيرة من الزمن جنباً إلى جنب الرجل فكان تحررها وتمسكها بسلوكياتها الملتزمة وعزمها على الوصول إلى أهدافها مضرباً للأمثال في جميع التجمعات التي تواجدت فيها في داخل الوطن وخارجه.
ورغم مشاركتها الفعالة هذه، ورغم وجودها في جميع مواقع العمل، حتى العمل السياسي الوطني، إلا أنها كانت مغيبة عن مواقع صنع القرار، ولم يتوفر للمرأة في ذلك الوقت ما هو متوفر لها اليوم من نصوص قانونية وإرادة سياسية تدعم وتسند مشاركتها في الحياة السياسية واستحقاقها للمناصب السياسية القيادية.
لم تعطى المرأة المجال لممارسة حقها في الترشيح والانتخاب في التجربة البرلمانية السابقة رغم أن الدستور نص على هذين الحقين، ورغم ذلك لم تستسلم، وواصلت العمل والنجاح في جميع مواقع العمل وكان لها دور رئيسي في التنمية البشرية وفي تمثيل المرأة البحرينية والمجتمع البحريني أحسن تمثيل في المحافل الدولية.
ولكن رغم كل ما حققته المرأة من نجاحات إلا أن مجتمعاتنا لم تستطع أن تبقى بعيدة، في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، عن تأثير قوى اجتماعية متطرفة عملت بشكل دؤوب ومبرمج على تغييب دور المرأة حتى في المجالات التي كانت تمارس دورها فيها بكل جدارة. عملت هذه القوى الجديدة على تكريس ثقافات وسلوكيات جديدة قائمة على العزل بين المرأة والرجل في جميع مستويات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كما تم اضطهاد المرأة وإسناد الأدوار الثانوية لها وحرمانها من أهم حقوقها لدرجة تجهيلها بهذه الحقوق.
خلال عقدين من الزمن بدأت مع بدايات العقد الثمانيني ومع بدايات مد الإسلام السياسي تم نشر ثقافة جديدة بتركيز شديد على سلب المرأة جميع حقوقها وإرجاعها إلى المنزل أو إلى بعض الأعمال التي تجنبها من الاختلاط بالرجل تحت شعار أن دور المرأة المرسوم لها في الإسلام هو دور البنت أو الأخت أو الزوجة أو الأم التي تبقى طوال حياتها تحت سلطة ورعاية كاملة من الرجل ، والمنزل هو المكان الأنسب لها ، وبدأت سياسة العزل بين الرجل والمرأة.
كان أهم نتائج هذه الثقافة الجديدة تدني شديد في وعي وثقافة المرأة وبالذات وعيها بذاتها وبحقوقها وبقضيتها، وتغييب شديد لدورها في المجتمع داخل وخارج المنزل وتبعيتها الشديدة للرجل.
أستسلم جيل كامل من النساء في منطقتنا، خلال الفترة الأكثر حركة وتحرراً في العالم ، لبيئة ثقافية تمارس التطرف الفكري القائم على مفاهيم وأفكار غير عصرية وجامدة تجاه مشاركة المرأة بهدف حجبها عن مراكز صنع القرار، سواء على المستوى العائلي أو الاجتماعي أو السياسي، باستخدام مرجعيات دينية انتقائية وتفسيرات خاطئة.
وإذ بنا نفاجأ بين ليلة وضحاها بمبادرة سمو الأمير التي يدعو فيها جميع فئات وقطاعات المجتمع للمشاركة بالعمل نحو تحقيق أهداف وقيم حضارية راقية، من أجل بناء دولة حديثة تقوم على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات وعلى كل فرد فيها أن يمارس دوره للحاق بركب العالم المتحضر من بوابة الديمقراطية.

*********************

في هذه المرحلة التاريخية والمفصلية في مسيرتنا نحو التحول الديمقراطي علينا الاختيار إما الاتجاه نحو اللحاق بركب التقدم والأمم المتحضرة المعاصرة أو التخلف مع القوى الرجعية والبقاء في مواقعنا بكل ضعف ، مرهونة إرادتنا بشتى القوى المتخلفة التي لن تكون في صالحنا في أي وقت من الأوقات.
من أجل تحقيق الخيار الأول على المجتمع بأكمله أن يقتنع بأن قضية المرأة هي إحدى المحاور الرئيسية في هذا الاتجاه بين ثلاث قضايا رئيسية وهي قضايا المرأة، الديمقراطية وحقوق الإنسان، والبيئة. فإن توصلنا إلى عقد اتفاق بأن هذا هو اختيارنا إذن علينا أن نسخر إراداتنا جميعاً لتفعيل ممارسة فعلية منصفة لحقوق المرأة وإلا فإن كل ما يقال سوف يكون في موقع المزايدة وتدمير الذات.
بالمنهج الديمقراطي القائم على العدالة الاجتماعية والمساواة على أساس المواطنة تحصل المرأة على جميع حقوقها، إذ إن التمييز ضد المرأة يعد من المؤشرات الرئيسية على تخلف المجتمع، كما تعد المرأة من أكثر فئات المجتمع استفادة من الديمقراطية عندما تكون هي نفسها مدركة لحقوقها وواجباتها خير إدراك.
إن ضعف الوعي الديمقراطي، في المجتمع، أو تشتت هذا الوعي وعدم اتساقه نتيجة فقر الثقافة السياسية وفرض الحصار الفكري الدائم عليها، إضافة إلى ضعف الوعي لمفهوم حقوق الإنسان عموما هما من الأسباب التي تعطي دوراً أكبر للعقليات التسلطية لممارسة دورها التسلطي وتساعد على هيمنة الوعي التقليدي أو المخيلة الاستبدادية المستمرة لبعض القوى في بعض الأوساط الفكرية المتطرفة.
من هذا المنطلق علينا القيام بمراجعة أساسية وجوهرية لتقييم وضع المرأة البحرينية ووضع الحلول العملية لرفع جميع مظاهر التمييز ضد ممارسة حقوقها كاملة.
إن قضية المرأة البحرينية وطموحها محكومان بالاعتبارات الأساسية التالية:
أولاً: التطورات العالمية الخاصة بأوضاع المرأة وقضاياها.
ثانياً: تاريخ الحركة النسائية والمرأة البحرينية.
ثالثاً: الخصوصية البحرينية وربما الخليجية سواء من حيث الموروث الحضاري أو من حيث المرجعيات الثقافية المختلفة ومواقفها من المرأة.


كلمات دالة: