المرأة البحرينية والعمل السياسي 2/2

ونحن نخطو خطواتنا الأولى للتحول بمجتمعنا إلى مجتمع ديمقراطي قائم على أساس المساواة والعدالة الاجتماعية، فإننا بحاجة ماسة لوضع منهجية واضحة للعمل على دراسة الاعتبارات السابقة وتشخيص جميع الأسباب التي تعيق مشاركة المرأة في العمل السياسي، فضلا عن وضع آليات لمعالجة ما يبدو منها سلبياً.
على المستوى الدولي كما ذكرنا فإن قضية المرأة هي إحدى المحاور الرئيسية الدولية اليوم بين ثلاث محاور وهي محور المرأة ومحور الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحور البيئة. ومن هذا المنطلق أصبح التمييز ضد المرأة والتحيز ضد ممارسة المرأة لحقوقها أمراً مرفوضاً ويعتبر من علامات تخلف الأمم وعدم قدرتها على السير بركب الدول المتحضرة.
في المجتمعات الأكثر تحضراً، تعتبر المشاركة السياسية، لجميع أفراد المجتمع، جوهر الحياة الديمقراطية وطريقا لتحقيق التنمية الشاملة أي التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لذلك احتلت المرأة في دورها كشريك للرجل في التنمية أهمية خاصة.
أما الاعتبار الثاني وهو تاريخ المرأة البحرينية ففيه الكثير من المواقف المضيئة والمشرفة التي تشكل رصيداً قوياً للمرأة البحرينية تستطيع أن تستمد منه قوتها في انطلاقتها الجديدة،،،


يكتب للمرأة البحرينية، رغم كل الظروف التي كانت تحيط بها، تاريخ حافل بالإنجازات، ابتداءً من إصرارها على التعلم منذ وقت مبكر وإصرارها على الحصول على أعلى مستويات التعليم مما دفعها للخروج للتعلم في الجامعات العربية والعالمية، ومن ثم تاريخها الطويل في العمل النقابي في فترة تأسيس ونشاط الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج الذي كان يعد من أنشط الحركات الطلابية العربية نقابياً وسياسياً، وحتى مشاركتها السياسية من خلال التزامها بأفكار وتيارات سياسية وطنية مختلفة والتي وصلت إلى حد مشاركتها في القتال جنباً إلى جنب الرجل في الكفاح العربي ضد المستعمر،،، وانتهاءً بمشاركتها ودورها في الجمعيات الأهلية، والتي تعتبر أقدم شكل من أشكال مؤسسات المجتمع المدني، والتي كان للمرأة دور كبير فيها عندما حرمت من ممارسة الدور السياسي من خلال التنظيمات الحزبية أو النقابية كما حرم الرجل في الفترة الماضية.
أما بالنسبة للاعتبار الثالث وهو دور الخصوصية البحرينية سواء من حيث الموروث الحضاري أو من حيث المرجعيات الثقافية المختلفة ومواقفها من المرأة، فإن حركة تقدم المرأة أصبحت تواجه تحديات وعقبات في العقود الأخيرة وفي محطات مختلفة ومتباينة.

أولاً : دور موروثنا الحضاري والتطورات التي حصلت خلال قرن من الزمان
قديماً، وأعني بالقديم هنا فترة بدايات القرن الماضي وفترة تدني مستوى التعليم في المجتمع، لم يكن للموروث الحضاري البحريني أية نظرة دونية للمرأة رغم ضعف الوعي الثقافي والمستوى التعليمي في المجتمع بشكل عام آنذاك. وأكبر مثال على ذلك ، هو ما كانت تتمتع به النساء البحرينيات من صلاحيات أيام الغوص عندما كانت تعطى مسئولية تدبير شئون عائلتها وإدارة شئون الحي والمجتمع بشكل عام، إثناء غياب رجالهن في البحر لفترات زمنية طويلة كل عام، وكان الرجال يعملون حساب هذا الأداء كي يتفرغوا لأداء أعمالهم، كما كانت المرأة البحرينية في تلك العصور، تشارك الرجل في الريف في أداء أدوار متكاملة معه.
وانطلاقا من هذه العقلية نستطيع أن نقيم كم كان عالياً إيمان الرجل، غير المتعلم البسيط آنذاك، بقدرات المرأة واعتماده على هذه القدرات، وكم كان صادقاً في تقديره لأهمية مشاركتها له في الرأي واتخاذ القرار في جميع مجالات الحياة. وبالتالي ومع تطور المجتمع وانتشار التعليم اصبح خروج الفتاة للتعليم واجباً ومهماً لا يقل أهمية عن تعليم الشاب.

مع انتشار التعليم وانتساب المرأة البحرينية للقوى والتيارات السياسية المختلفة في البحرين وخارج البحرين أثناء فترة النشاط الطلابي الكبير في الفترة الممتدة لثلاثة عقود منذ الخمسينيات إلى نهايات السبعينيات من القرن الماضي، بدأت الظواهر الجديدة بالوضوح وبدا واضحاً التناقض بين طموحات النساء اللواتي كن يعلقن أملاً وأهمية كبيرة على هذه الحركات الوطنية، التي انتسبن لها، لرفع شأن المرأة وإقرارها بممارسة حقوقهن بشكل متساو مع حقوق الرجل وبين تصدي الرجال الذين كانوا، رغم كل هذه الادعاءات الوطنية والتقدمية ، يؤمنون إن السلطة يجب أن تكون ذكورية . أخفقت جميع التنظيمات السياسية الوطنية منذ ذلك الوقت أن تثبت على المستوى العملي اقتناعها بحق المرأة في تكافؤ الفرص في المناصب القيادية لدرجة أن كان يظهر الكثير من الرجال المتدنيي الوعي، في هذه التيارات، في مناصب قيادية يترأسون نساء وصلن إلى درجة عالية من الصدق في التزامهن ودرجة عالية من الوعي والثقافة. وأنا أعتقد بأن التيار الوطني لا زال يشكو، إلى يومنا هذا، من هذا المرض العضال الذي هو بحاجة للعلاج الذي لن يتم قبل أن يتقدم الرجال، بشئ من الصدق والجرأة، بالإعلان عن الإقرار بوجوده، كما هو بحاجة إلى أن ينزل الرجل من برجه العالي ليقر ما هي السلبيات التي تعاني منها هذه الأمة بسبب تخلفها في التعامل بالشأن النسائي بشكل حضاري، بقدر ما تعانيه من التخلف الديمقراطي وعياً وممارسة.

ثانياً : دور المرجعيات الثقافية المختلفة
خلال عقدين من الزمن، ومع بداية العقد الثمانيني، وفدت إلى البحرين عبر الإسلام السياسي وخطابه الديني بعض المرجعيات الثقافية التي أثرت ، سلباً، في مجتمعاتنا. هذه المرجعيات الوافدة لم يكن لها أية جذور أصيلة في البحرين، وإنما وصلت إلى البحرين عبر خطاب ديني غريب على المنطقة، معتمدة مرجعياتها، في نظرتها للمرأة، الغلو الديني والتطرف ونظرة جامدة رافضة التقدم والتحديث والتغيير مما كان لها أكبر الأثر السلبي على انطلاقة المرأة، وعمل على تجهيلها بدورها الحقيقي في المجتمع وتغييب وعيها بحقوقها وترسيخ الموقف الرجعي من هذه الحقوق.
بعد كل ما حققته المرأة البحرينية بعملها الجاد، عبر نضال طويل ومشرف لتحقيق ذاتها وتحقيق الاستقلالية في قراراتها وتكوين شخصيتها المستقلة إذ بنا نرجع، عبر الخطاب الديني الجديد، إلى عصر المرأة الزوجة والأم التابعة للرجل والتي خُلقت لتربية الأطفال والاعتناء بزوجها فقط، ولم تخلق للعمل خارج المنزل لأن هذا العمل يمنعها من أداء وظيفتها الأساسية ويؤدي إلى خلل في بناء الأسرة السعيدة.
كان للخطاب الديني في فترة العقدين الماضيين أسوء تأثير على ثقافة المرأة وحياتها الاجتماعية والسياسية كما بدا واضحاً في نقص ثقافة المرأة ووعيها بذاتها وبحقوقها أي انهزامها أمام قضيتها ورضوخها لرؤى اجتماعية وثقافية ترسخ الموقف الرجعي من حقوقها وبالتالي تغييب وعيها ورأيها في حياتها اليومية وانقيادها بواسطة الرجل.
ونستخلص من ذلك بأن المرأة قد عانت وتعاني منذ العقود الماضية من ثقافات تمارس التطرف الفكري القائم على مفاهيم وأفكار غير عصرية وجامدة تجاه مشاركة المرأة، عملت على تهميشها وحجبها عن مراكز صنع القرار، بواسطة التيارات الإسلامية المختلفة باستخدام مرجعيات دينية انتقائية وتفسيرات خاطئة، كما تم ذلك بشكل أو بآخر بواسطة القوى والتيارات الوطنية التي تدعى مؤسساتها بالديمقراطية والتقدمية.

********************

وأخيراً: وبغرض الابتعاد، قدر الإمكان، عن التعبيرات الإنشائية المتكررة، وأكثر اقترابا من الأفكار العملية والقريبة من الواقع، نستخلص مما سبق بعض الأفكار التي يمكن أن تكون محاور رئيسية للنقاش في جلسات أكثر استرسالاً للخروج بقناعات يمكن تطبيقها على أرض الواقع:
• يتوجب على قوى المجتمع بشكل عام دراسة هذا الواقع والإشكاليات التي تعمل على تراجع المرأة في المشاركة السياسية، رغم وجود النصوص القانونية التي تساند هذا الدور. كما على قوى المجتمع بجميع فئاته أيجاد السبل العملية لتغيير هذا الواقع من خلال تشخيص السلبيات المجتمعية التي تعيق هذه المشاركة ومن ثم تعيق المسار الديمقراطي وتخل بالحريات العامة.
• يجب التأكيد على أن هناك ارتباط تام بين مختلف حقوق المرأة لكي يتسنى لها القيام بواجباتها وبدورها في الأسرة والمجتمع، ولا يمكن المطالبة بحق من هذه الحقوق بينما هي غير قادرة على ممارسة حقوقها الأساسية الأخرى، إذ أن الحقوق الاجتماعية هي الطريق إلى بلوغ أهداف المرأة والمجتمع في تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كل المجالات، إضافة إلى كون الحقوق الاجتماعية هذه هي المدخل إلى الحقوق الاقتصادية والسياسية.
• يجب التأكيد على إن تراجع المرأة عن المشاركة في العمل السياسي يرتبط بشكل أساسي بالمناخ الثقافي وبما يمارسه البعض من إرهاب فكري قائم على أفكار ومفاهيم جامدة ورجعية.
• يجب الاعتراف بالتأثير المجتمعي بشتى قواه السلبية في تقييد تمتّع المرأة بحقوقها الأساسية، إذ تتقمّص هذه القوى المؤثرة شكل الأنماط المُقَوْلَبة، والعادات والأعراف التي تُحدثُ عدداً وافراً من القيود الاقتصادية والسياسية والقانونية على حرية المرأة، مما يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة. ولذلك فإننا جميعاً ملزمين بالعمل نحو تعديل الأنماط الثقافية والاجتماعية لسلوك الأفراد لأجل القضاء على التحيّزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوّق أحد الجنسين أو على أدوار نمطية مُقَوْلَبة للرجل والمرأة.
• كما يجب التركيز باستمرار بأن الديمقراطية تعتبر، أساساً، نمط حياة اجتماعي لا يمكن أن يتوفر لنا إلا عندما نتمسك كأفراد بممارسة هذا النمط بمنهج تفكير وسلوك يتواءم والديمقراطية، وأول ما يبدأ به هذا المنهج هو قبول الآخر، الإنسان لإنسانيته وليس على أساس جنس أو عرق أو مذهب، وإلا فإنها ستصبح مجموعة جامدة من التشريعات التي لا تغنى ولا تسمن من جوع.


كلمات دالة: