قوى العولمة ومؤسساتها

من أهم معالم تطور النظام الإقتصادي العولمي هو إقامة العلاقة الجديدة بين الدولة والشركات، أي بين السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية، بما يضمن للشركات المتعددة الجنسيات الصلاحيات الكاملة في رسم السياسات المتعلقة بصياغة المستقبل على المستويات الوطنية ، ويمكن أن نُعَرّف هذا التطور على أنه "عملية تحول الشركات الكبرى إلى مؤسسات تتحكم في التكنولوجيا والاقتصاد العالميين في شكل دول عالمية من دون مسؤوليات"، بما يضمن شكلاً من أشكال تسلط السلطة الاقتصادية العالمية على السيادة والسلطة الوطنية.


رافق هذا التطور الاقتصادي ظهور منظمات وهياكل دولية تعمل على بلورة هذا الواقع الجديد، وتنظم إجراءاته العملية بما يضمن تسلط النموذج الرأسمالي الغربي على العالم أجمع. ونورد هنا بشكل مختصر أهم المعلومات الخاصة بهذه المنظمات والهياكل الدولية في النظام الإقتصادي العالمي الجديد:

أولاً: الشركات متعددة الجنسيات
وهي الشركات الكبرى التي تصعد بقوة من خلال عمليات الدمج والتمركز في مجالات الصناعة والخدمات المالية من أجل توحيد المجال العالمي، وعزل دور الدولة تدريجياً، في التنظيم الاقتصادي والإجتماعي البسيط أو المحلي.
1- تضمن هذه الشركات مكانة كونية مسيطرة على الموارد البيئية في العالم دون أية رقابة من طرف المواطنين.
2- تطورت ظاهرة هذه الشركات في العقود الأخيرة من القرن الماضي بعمليات الدمج لتتحول مع بداية الألفية الثالثة إلى 40,000 شركة، لها 170,000 فرع تهيمن بشدة في الاقتصاد العالمي.
3- تتمركز 172 من أصل 200 شركة من هذه الشركات التي تعد من أكبر الشركات المتعددة الجنسية في مجموعة محدودة من الدول وهي (الولايات المتحدة، اليابان، فرنسا، المانيا، بريطانيا) .
4- كنموذج لحجم موارد هذه الشركات، فقد تزايدت مبيعات هذه الشركات في الفترة بين 1982 إلى 1992 (وهي فترة انخفاض معدلات النمو الاقتصادي العالمي) من 3000 مليار دولار إلى 5900 مليار دولار.
5- هذه الشركات متفاوتة في استراتيجياتها وأحجامها وهياكلها المالية ، ويتمركز ثلث رأسمالها في 10 شركات من أصل 200 أكبر شركة متعددة الجنسيات.
6- بإستثناء الوجود المتواضع لكوريا الجنوبية والبرازيل والطموحات المتواصلة للصين ، إلا أن هناك غياب تام لدول العالم الثالث في هذه المنظومة لأسباب متعددة، من أهمها تفكك المنظومة الاشتراكية في العالم، وإخضاع الاقتصادات العمومية مثل الكهرباء والغاز والمعادن والنقل والاتصالات وغيرها إلى الخصخصة، ومنها أيضاً إضعاف الحركات العمالية في العالم. ومن تلك الأسباب أيضاً، تمركز عمليات الإندماج الاقتصادي والمالي العالمي في معظمه بين الاقطاب الثلاثة وهم (الولايات المتحدة، المجموعة الأوروبية، واليابان)، التي تطمح للسيطرة على السوق العالمية في كل القطاعات.
7- تحقق هذه الثلاثية تكاملاً متوازناً مما يجعلها مضطرة بقبول السلطة المشتركة فيما بينها في ظل المنافسة والسوق الحرة ، وتقبل عدم فرض إحداها السيطرة الشاملة مهما كانت قوتها . ويتوزع هذا التكامل المتوازن كالتالي : الولايات المتحدة تملك الهيمنة العسكرية، واليابان تملك الهيمنة على القطاعات التكنولوجية الحساسة، بينما تدل المؤشرات أن المجموعة الأوروبية سوف تبقى القوة التجارية الأولى في العالم خلال العقدين القادمين.

ثانياً: صندوق النقد الدولي
1- أدى تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي المتمثلة في خطط التقشف المالي وفتح الحدود وعمليات الخصخصة في أكثر من 70 دولة مدينة في العالم الثالث وأوروبا الشرقية إلى فقد هذه الدول لسيادتها الاقتصادية والرقابية والضريبية والمالية، أي أنها أصبحت تحت وصاية اقتصادية وسياسية دولية بإشراف صندوق النقد.
2- بالتنسيق مع المصالح القوية لنادي باريس ولندن ومجموعة السبع يعمل صندوق النقد مع البنك الدولي على تطبيق برامج إعادة هيكلة الاقتصادات المختلفة لعولمة السياسات الاقتصادية الكلية تحت رقابتها المباشرة، علماً بأن إعادة الهيكلة هذه أدت في أغلبها إلى تقليص المداخيل الحقيقية ، ودعم نظام التصدير المعتمد على اليد العاملة الرخيصة ، مما كان سبباً مباشراً في عولمة ظاهرة الفقر. ويدعى هذا النظام بإسم (إستعمار السوق) القائم على تطويع وإخضاع الشعوب والحكومات لتفاعلات السوق المجحفة والتي تدل عليها الأرقام التالية:
أ‌- 6 مليارات نسمة – تعداد العالم في نهاية القرن الماضي.
ب‌- 5 مليارات نسمة – من تعداد العالم يعيشون في الدول الفقيرة.
ج- 15% أي (90 مليون نسمة) من تعداد العالم يحصلون على 80% من الدخل العالمي.
د- 56% أي (336 مليون نسمة) من تعداد العالم يعيشون في دول فقيرة جداً.
هـ- 3 مليارات نسمة من تعداد العالم يحصلون على 5,4% من الدخل الإجمالي للعالم (أي أقل من الدخل القومي لفرنسا) .
و- 450 مليون نسمة في أفريقيا يحصلون على 1% من الدخل الإجمالي العالمي (أي ما يعادل دخل ولاية تكساس) .

ثالثاً: منظمة التجارة العالمية
تشكل هذه المنظمة سلطة مدنية من إنتاج الدول الصناعية الكبرى بهدف عولمة وتطبيق أيديولوجية واضحة على جميع دول العالم تتلخص في إعتبار "حرية التجارة كمقياس يعلو فوق كل الاعتبارات الاجتماعية أو الثقافية أو البيئية".
1- تضم المنظمة 123 دولة موقعة على البيان الختامي في اجتماع مراكش في أبريل 1994 (البيان الختامي مكون من 24 ألف صفحة من الإلتزامات الخاصة بالدخول إلى السوق)، وهو يعد بيان مؤسس للآليات الهائلة التي تشتغل على المستوى العالمي، بجانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لإنتاج اقتصاد السوق، المتمثل في تسلط النموذج الرأسمالي الغربي على العالم أجمع .
2- تعمل المنظمة، بموجب إتفاقية مراكش، على إنجاز برنامج طويل في اتجاه تحرير التجارة الدولية ، ويتضمن بشكل خاص على "قواعد المنافسة ، وتحرير الصفقات العامة والاستثمار من خلال تفكيك المؤسسات الوطنية القائمة على أساس القطاع" مثال على ذلك قرار المنظمة في فبراير 1997 بفتح قطاع الاتصالات للمنافسة، والتنافس على الصفقات العامة التي غالباً ما تمثل ما بين 10% إلى 15% من الدخل القومي.
3- تتوافر هذه المؤسسة على ترسانة من القواعد والعقوبات المُنَظِمة للأولويات الإلزامية للتحكم في السياسات الوطنية ولا سيما في الدول الصغيرة والضعيفة المجبرة على التكيّف مع هذه القواعد والتخلص من أي إجراء حمائي لإقتصادياتها الوطنية.

رابعاً: المنظمات غير الحكومية
وتتمثل هذه المنظمات في ما يزيد على 1000 منظمة غير حكومية على مستوى المجموعة الأوروبية فقط، موجهة أنشطتها (على) دول العالم الثالث . أدت كثافة هذه المنظمات للدفع باتجاه تحولات ذات أبعاد عالمية مما يعطيها قوة مؤثرة على المستوى الكوني في ترسيخ وعولمة ثقافات معينة حول الكثير من القضايا الإنسانية ولا سيما قضايا حقوق الإنسان ، والديمقراطية، وفي مجملها تكاد أن تكون منظمات تدعو لحق يراد به باطل بالنسبة للعلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية مع دول العالم الثالث والتي هي اليوم مركّزة بشكل مفتعل وبقوة على الدول العربية بشكل خاص.


كلمات دالة: