سياسة إدارة بوش في الشرق الأوسط- مرحلة من استراتيجية الهيمنة الأمريكية على العالم

المتتبع لشئون منطقة الشرق الأوسط ، خلال جيل كامل منذ حرب 1973، يستطيع أن يعطي مؤشرات وأدلة كثيرة على إن الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط اليوم ، ليست وليدة عهد جورج بوش (الإبن)، وإن المؤسسات السياسية الأمريكية لم تبدأ في وضع وتنفيذ مخططاتها للشرق الأوسط ، فقط منذ بداية إدارة بوش (الإبن)، أي منذ ما يقل عن عامين ، إذ إن هذه المخططات والاستراتيجيات التي تم وضعها في وقت سابق بدأت خيوطها العملية تتضح في أزمة الخليج في عام 1990، وبالحرب البشعة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق في عام 1991.

لذلك يمكن أن نؤكد بإن ما يحدث اليوم ، من أحداث خطيرة ، على الساحة العربية وما تنفذه إدارة بوش هي إحدى المراحل المتقدمة للإستراتيجية الموضوعة لهذه المنطقة بهدف السيطرة على منابع النفط في العالم، وتحويل الولايات المتحدة الأمريكية إلى المتنفذ الوحيد في منابع النفط واستخراجه وتصديره وتسعيره وإحتياطيه ، بدون منافس، وبذلك تصبح هي بحق الدولة العظمى والقوة الاقتصادية الأولى والأكبر، حسب النظام العالمي الجديد ذو القطب الواحد ، والأمبراطورية القادرة على التحكم في اقتصاديات العالم شرقاً وغرباً.
أظهرت أغلب الدراسات الوطنية الجادة في العالم العربي، منذ وقت مبكر، المؤشرات الواضحة للإستراتيجية الأمريكية لإحتواء النفط العربي الذي بدأ منذ ما بعد القرار العربي بوقف تصدير النفط للضغط على مواقف دول الغرب لصالح العرب في حربهم ضد إسرائيل سنة 1973، والذي كان له تأثير على بعض القرارات التي لم تكن في صالح الولايات المتحدة وإسرائيل في تلك الحرب ، والذي أيقظ العالم على الأهمية الكبيرة لهذا المصدر الحيوي للطاقة. هذا ما أعلن عنه هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية الاسبق، بعد حرب 1973 عندما كتب عن حيوية وأهمية الطاقة النفطية بالنسبة لإقتصاديات العالم ، وعن القرار العربي بإستعمال النفط كسلاح في المنازعات الإقليمية، الذي أعتبره تهديداً لمصالح العالم ولمصالح الولايات المتحدة بشكل خاص، وقام بوضع تصور للخطة المتكاملة للتدخل العسكري للسيطرة على منابع النفط في العالم بما يخدم المصالح الأمريكية، وبما يمنع تكرار ما حدث في تلك الحرب. وهنا بدأ التداخل الجوهري بين المصالح الأمريكية في النفط العربي مع مصالح الدولة الإسرائيلية في إكمال إحتلالها للأراضي الفلسطينية والإنتهاء من جميع أشكال المعارضة العربية لوجود هذه الدولة المصطنعة في هذه المنطقة ، وذلك بإضعاف الأنظمة العربية والقرار العربي لدرجة القبول بهذا الوضع مع عدم إمتلاك أية قدرة أو سلاح استراتيجي للدفاع عن أنفسهم في مقابل أية قوة خارجية.
كانت تلك الحرب مدخلاً للتوقيع على إتفاقية كامب ديفيد الأولى بين مصر وإسرائيل والتي كانت مجحفة بحق الفلسطينيين والعرب ، والتي ربطت مصر بتطبيع علاقاتها مع الدولة الإسرائيلية، مما حقق لإسرائيل السلام على أحدى أهم جبهاتها وهي الجبهة المصرية ، لتتفرغ لمواجهة الدول العربية الأخرى ، فكانت هذه الإتفاقية سبباً في انشقاق الصف العربي بالنسبة لمواقفهم من القضية الفلسـطينية ، ومن إسرائيل ، وإسـتطاعت الدولة العبرية أن تنتزع الإعتراف العربي الأول بكيانها.
وبعد تلك الحرب تغيرت الأوضاع العربية سلباً، بدءاً بإغراق المنطقة بالعوائد النفطية العالية التي غيرت من نمط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية العربية بشكل جذري، إنتهاءاً بحرب الخليج الأولى والثانية، ومروراً بالحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت لفترة 18 عاما، وإحتلال إسرائيل لجنوب لبنان، ودخولها في مجازر ضد الفلسطينيين في بيروت. كانت هذه المؤشرات بالإضافة إلى الكثير من الأحداث السريعة التي لا يمكن التوقف عندها طويلاً، تدل على دخول هذه المنطقة في دائرة إهتمامات الإدارة الأمريكية، وإلى تلاقي مصالحها مع المصالح الإسرائيلية، فإرتبطت الاستراتيجية الأمريكية لعسكرة وإحتلال منابع النفط مع الرغبة الإسرائيلية بالانتهاء من المقاومة والرفض العربي لإسرائيل بأي شكل من الأشكال . وهنا كانت البداية.

الاستراتيجية الإمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة
وبدون الدخول في تفاصيل أحداث الشرق الأوسط منذ ذلك التاريخ إلى اليوم ، كان يجب التعرف على هذه المقدمة التي تفسر لنا أصل الأحداث التي تمر بها المنطقة حالياً، والتي بدأت تتفاعل سريعاً مع إنتهاء الحرب الباردة بسقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي (سابقاً) في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، واستقلال جمهورياتها الغنية بالنفط مما دفع الإدارة الأمريكية للتوسع السريع في دائرة استراتيجياتها بهدف الدخول إلى هذه الجمهوريات في آسيا الوسطى والسيطرة على منابع النفط قبل أن تفكر أية قوة عالمية أخرى في القيام بهذه المحاولة ، وخصوصاً الصين أو اليابان أو الهند القريبين منها جغرافياً، مما يعني ظهور قوة عالمية أخرى تنافس القطب الأمريكي.
كانت البداية في تصريح جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي في فترة رئاسة جورج بوش (الأب)، بعد الانتهاء من الحرب الباردة مباشرة في بداية التسعينيات عندما قال "إنه قد حان الوقت لتغيير الأوضاع السياسية في المنطقة" ، مشيراً إلى بداية عهد جديد في السياسة الأمريكية كقطب عالمي واحد يملك الإرادة والقوة لتغيير الأوضاع بما يتناسب مع مصالحها في جميع أنحاء العالم ، وخصوصاً فيما يتعلق بالمنطقة العربية والمناطق الغنية بالنفط . ولذلك لم يكن هناك شك في أن القوات الأمريكية التي حشدت في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية في عام 1990 كانت قد جاءت لتبقى‏.‏
أما الحالة الراهنة للسياسة الأمريكية، بإدارة جورج بوش (الإبن)، المصرة على فرض الهيمنة الأمريكية المباشرة على الوطن العربي ما هي إلا مرحلة تثبيت الانفراد الأمريكي بقيادة النظام العالمي بما يحوله من وضع مؤقت إلى بنية مستقرة لعقود قادمة من الزمان‏ ، وليس القرار الأمريكي بضرب العراق واطاحة نظامه سوى حلقة مهمة من حلقات تنفيذ تلك السياسات التي سبقتها حلقات أخرى ، وسوف يتلوها المزيد من الحلقات بعد هزيمة العراق‏.‏

تداخل المصالح الإمريكية والإسرائيلية
إن سياسة إدارة بوش (الإبن)، المكشوفة تماماً، في خلق أزمة الإرهاب الدولي (والتي تعد أحداث 11 سبتمبر 2000 إحدى حلقاتها)، ليحل محل الشبح الشيوعي القديم ، لتنفيذ مخططاتها بشن حربها البشعة على الأفغان ، كانت لتأمين طرق نقل النفط الذي تمت سـيطرة شركات البترول الأمريكية العملاقة على منابعه في جمهوريات آسيا الوسطى الغنية. كما إن استغلال ذلك الشبح الجديد في خلق الوضع الخطير المتمثل في المواجهة الأمريكية العراقية من جهة والمواجهة الإسرائيلية الفلسطينية من جهة أخرى، ومحاولة خلق أزمة حقيقية لتغيير النظام القائم في العراق بأية وسيلة وتسليم العراق وثرواتها النفطية بيد الإدارة الأمريكية ، ما هي إلا محاولة للسيطرة على الأرض العراقية كأهم منطقة استراتيجية، جغرافياً واقتصادياً، في الشرق الأوسط، كقاعدة إنطلاق للسيطرة على باقي المنطقة في الخليج وإيران، ومن جهة أخرى على تركيا، وجميع القوى المقاومة للإحتلال الإسرائيلي من خلال سوريا. وهنا تتلاقى المصالح الإسرائيلية مع المصالح الأمريكية في القضاء على جميع أنواع المقاومة للوجود الصهيوني في المنطقة ، وإنهاء قضية فلسطين بالوسائل التي ترتئيها مصالح إسرائيل.
ومن هنا أيضاً يمكننا أن نؤكد بأن جورج بوش (الإبن) كمرشح للحزب الجمهوري، والمعروف بتدني ذكاءه وثقافته السياسية بشكل عام، جاء ليكمل حلقة في مسلسل السياسة الأمريكية للسيطرة على منابع النفط عسكرياً ، والذي أدار والده (جورج بوش الأب) أهم حلقاته المفصلية في عام 1990، في حرب الخليج الثانية، التي لا تزال المنطقة العربية عموماً تعاني من آثارها السلبية اقتصادياً وبيئياً وصحياً وسياسياً.

استراتيجية إحتلال العراق
حققت حرب الخليج الثانية أهم أجزاء المخطط الأمريكي بفرض وإحكام السيطرة والحصار على العراق الذي كان في ذلك الوقت الدولة العربية الوحيدة التي تعارض علناً وسراً الوجود الإسرائيلي في فلسطين، كما ترفض جميع أشكال الهيمنة الأمريكية على مصالح وموارد وسياسات وأنظمة المنطقة العربية. إضافة إلى أن هذه الدولة العراقية كانت قد خرجت من حربها ضد إيران التي دامت ثمان سنوات ، لتصبح دولة صناعية قوية، وتتمكن من الدخول في دائرة الدول المتقدمة تكنولوجياً ونووياً، ودخولها في دائرة التسلح والتصنيع المحرمتان على دول المنطقة.
كان لهذه العزلة والحصار التاريخي الذي فرض على العراق منذ عام 1990 وحتى اليوم، الدور الكبير في إضطرار القيادات الفلسطينية للدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل، والقبول بالكثير من الشروط التي لم تكن هذه القيادات ستوافق عليها لو كانت هناك دولة عربية واحدة تدعم دورها في مقاومة الإحتلال اليهودي لأراضيها ، فجاءت اتفاقيات أوسلو ومدريد والقضاء على الانتفاضة الأولى التي بدأت في الثمانينات وانتهت بالتوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1992.
ولكن بعد كل ما حدث، منذ تلك الإتفاقية من مواقف إسرائيلية غير ملتزمة بتنفيذ الحد الأدنى من بنود السلام المتفق عليها ، وإضطرار إسرائيل للإنسحاب من الجنوب اللبناني تحت ضغط المقاومة ، وقيام الإنتفاضة الثانية في الأراضي الفلسطينية وإرتفاع وتيرة العمليات الاستشهادية في الأراضي المحتلة وتأثيرها العميق على الأوضاع داخل إسرائيل رغم كل المذابح التي قام بها شارون ضد الفلسطينيين، كل تلك الأحداث أوصلت الوضع الفلسطيني لمرحلة حساسة تستوجب وضع حلول نهائية للقضية كاملة . من الناحية الأخرى كان لعدم قدرة الإدارات الأمريكية المتلاحقة منذ عام 1990 وحتى اليوم على استقطاب الدول العربية فرادا للدخول في اتفاقيات تطبيع واعتراف علني بالكيان الصهويني ، بسبب عدم إنهاء القضية العراقية واستمرار وجود النظام العراقي القادر على فضح الأنظمة العربية أمام شعوبها ، كل ذلك خلق لدى الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية المرتبطة مصالحهما ببعض ، فكراً استراتيجاً جديداً في أن القضية الفلسطينية يجب أن توضع على الرف حاليا لإقتناعها بأن الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط وإنهاء جميع أنواع الرفض العربي ضد إسرائيل يبدأ من بغداد وليس من رام الله أو القدس؟
ولعل أقوى دليل على الفكر الاستراتيجي السائد والمعدل تكتيكيا الذي يعتبر ضرب بغداد الطريق إلى تحقيق السلام في القدس هو إن مشروع القرار الأصلي الذي عرضه بوش على الكونجرس وكان يصر على إصداره كان يتضمن فقرة حذفت حتى يحصل على قرار ترضى عنه الأغلبية ويظهر الكونجرس وكأنه متحد في توجهه وراء الرئيس ، وهي الفقرة التي كان يريد منها بوش إعطاءه سلطة استخدام القوة لحفظ السلام في منطقة الشرق الأوسط والسلام العالمي.

أهداف الإمبراطورية الأمريكية العظمى في العالم
بعد انتهاء الجيش الأمريكي من حربها في أفغانستان وإحكام سيطرتها الكاملة على نفط آسيا الوسطى ومنافذه، كان من الواضح تماماً بأن هناك قوى داخلية في الولايات المتحدة تدفع إدارة بوش إلى اتباع الخيار العسكري ضد العراق لتحقيق السيطرة على منابع النفط الغنية هناك ، بحجة أنه يتيح لأمريكا مركزا استراتيجيا في الشرق الأوسط ، إذ إنها سوف تتمكن أن تحصر إيران بين وجودها في أفغانستان ووجودها المتوقع في العراق ، وفي نفس الوقت تعطي شيئ من الشرعية لسياساتها في ردع الجماعات الإرهابية التي يحاولون أن يثبتوا للعالم إنها تنبع من الشرق الأوسط ومن المنطقة العربية، كما إنها سوف تتمكن من حل مشـكلة الشرق الأوسط التي حان وقت إنهاؤها بإعتراف جميع الدول العربية بالدولة العبرية . وبعد تحقيق كل ذلك تتربع الولايات المتحدة على عرش العالم في نظامها الامبراطوري الجديد.

نتائج الإستيلاء على منابع النفط في العراق
العراق هي المنتج الثاني للنفط في الشرق الأوسط بعد السعودية التي تتبوأ المركز الأول ، وأمريكا تعد المستهلك الأول في العالم للنفط حيث تستهلك وحدها ربع إنتاج العالم من النفط. بجانب ذلك تدار الولايات المتحدة حالياً من قبل رجلان، الرئيس ونائبه المحنك واللذان يشتركان في الولع بصناعة النفط وفي إحساسهما بالأحقية في احتياطيات النفط في العالم بصرف النظر عن الدولة التي تتمتع بهذا الاحتياطي.
وتتوافق رؤية عائلة بوش، كأصحاب شركات نفطية عاملة في الخليج ومناطق أخرى ، تماماً مع السياسة الأمريكية في إن أهم سلاح للدمار الشامل يمتلكه الرئيس العراقي هو التهديد بالسيطرة على "حنفية البترول" في الخليج العربي ، ويعد ذلك اتفاقاً تاريخياً بين الاستراتيجية الأمريكية والمصالح الشخصية للإدارة الحاكمة حالياً . إذن هذه هي المرحلة التاريخية المناسبة لتحقيق السيطرة الأمريكية على منابع النفط والتي قد لا تتوفر فرصة تاريخية أخرى مثلها لعقود طويلة قادمة ، مما يدفع بهذه الإدارة للإصرار على إستغلالها وتنفيذ الإستراتيجية النظرية على أرض الواقع.
في نفس الوقت، لم تحاول هذه الإدارة أن تخفي رؤيتها المستقبلية في رسم خريطة جديدة للمنطقة على أنقاض النظام العربي الراهن بعد الانتهاء من القضية العراقية ، وهذا ما دفع ببعض الأنظمة العربية لرفض الحرب‏، وسقوط الموارد العراقية لحساب الهيمنة الأمريكية ، التي سوف تعيد العرب إلى الوراء قرابة القرن‏ . وهذا أيضاً ما دفع ببعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا لرفض هذه الحرب التي إن تمت حسب التوجه الأمريكي فسوف يكتمل الجزء الأكبر من الأمبراطورية الأمريكية التي سوف يكون لها دور رئيسي في التحكم في اقتصاديات العالم ومنها الدول الأوروبية الغربية والشرقية بالإضافة إلى الصين واليابان وشرق وجنوب آسيا، والتي تشكل جميعها تحد بالنسبة للقوة الأمريكية الحالية . وهنا نصل إلى ضرورة التفكير في السؤال‏:‏ ما العمل؟، وما هي الوسائل الرادعة للقوة الأمريكية المتنامية.

وسائل الردع
منذ انتهاء الحرب الباردة ، وسطوع نجم الولايات المتحدة كقوة أولى في العالم ، أصبحت السياسة الأمريكية مكشوفة تماماً لجميع دول العالم. لم تعد استراتيجية الهيمنة الأمريكية على مصادر الطاقة قضية إقليمية ضد العرب وحدهم، بل هي في طريقها لتتحول إلى أزمة عالمية وعلنية بدون شك، والدليل على ذلك معارضة فرنسا وألمانيا، أكبر دولتين أوروبيتين، بالإضافة للمعارضة الصينية والروسية لحرب الولايات المتحدة على العراق ، مما يدل على بروز قناعة واضحة لدى مختلف الأطراف بجسامة خطورة السياسات الأمريكية على مصالحهم الاقتصادية مستقبلاً، رغم ما يمكن أن يحققوه من خلال بعض التحالفات والاتفاقيات للحفاظ على بعض الحقوق أو الحصص بعد الانتهاء من هذه الحرب.
على هذه الأسس يمكن وضع تصور لبعض الأطراف الدولية التي يمكن أن تشكل قوة رادعة في وجه الأحلام الأمريكية التي بدأت بتحقيقها منذ أكثر من عقد من الزمان بالحروب والمنازعات العسكرية والقتل والدمار، والتي سوف تدفع باتجاه خلق إرهاب عالمي حقيقي (وليس ذلك الشبح الوهمي الذي تلوّح به الإدارة الأمريكية وتستغله بطريقتها الخاصة) ، وإلى هزات اقتصادية عالمية واتساع فجوة الفقر العالمي. هذه الأطراف بكل تأكيد بإمكانها أن تكون الوسيلة الرادعة إن هي بدأت بالعمل قبل فوات الأوان وكان هناك عزم حقيقي للقيام بهذا الدور:
أولاً: دول الفيتو الرافضة للدور الأمريكي مثل روسيا والصين وبقيادة فرنسا الطرف الأكبر في هذه المعادلة، مع أهمية كسب دعم الاتحاد الأوروبي، مستفيدة من تجربة الحروب العالمية الأولى والثانية وما يمكن أن تولده الحروب من حروب جديدة، على أن تتخطى نظرتهم موضوع توزيع الحصص والمصالح على حساب الدول الأضعف ، لأن الغول الأمريكي لا يعرف الأصدقاء في حسابات المصالح.
ثانياً: الدول الصناعية الكبرى، مثل المانيا واليابان ودول شرق آسيا والهند والتي يطالب بعضها بحقوق جديدة في التنظيمات المستقبلية للأمم المتحدة ومنها حق الفيتو . لهذه الدول دور كبير عند اتفاقها على أهمية مواجهة هذا التحدي الذي، بكل تأكيد ، سوف يكون في صالحها على المدى الطويل.
ثالثاً: الدول العربية، ذات الشأن المباشر في هذه الاستراتيجيات الأمريكية، التي يجب عليها رفض الضغوط الأمريكية المنتقصة لسيادتها والتي سوف تدفع الثمن غالياً بعد الحرب مباشرة ، وسوف تشهد أوضاعاً سياسية واقتصادية مفروضة عليها بدون أية قدرة على المعارضة أو الرفض بعد الحرب على العراق . هذا الدور العربي لكي يكتسب قوة وفعالية يلزمها انفتاح الأنظمة على شعوبها بالديمقراطية التي كانت ولا زالت المطلب الرئيسي لهذه الشعوب، والتي سوف تدفع الشعوب للوقوف في صف أنظمتها ضد أية ممارسات ترفضها الشعوب، إضافة إلى أن هذا الدور العربي سوف يدفع الكتلتين السابقتي الذكر بالتفكير الجاد في الوقوف في مواجهة هذا التحدي الأمريكي ، المرفوض من الشعوب والحكومات.


* نشر هذا المقال في مجلة معهد أبحاث الشرق الأوسط في اليابان _ عدد مارس 2003