المرأة والانتخابات . . .

لا ديمقراطية بدون التعددية وبدون حقوق المواطنة الكاملة، والتي من أهم ركائزها المساواة في ممارسة الحقوق السياسية وغيرها من الحقوق مقابل الالتزام بجميع واجبات المواطنة لجميع أبناء الوطن نساءً ورجالا، بما يعني ان الانحياز لطرف دون الطرف الآخر في ممارسة الحق السياسي أو أي حق من حقوق المواطنة لهو بالتأكيد تغييب للديمقراطية وانحياز للتعصب ولتمييز فلا يمكن أن تتحقق الديمقراطية في عدم وجود تمثيل مناسب لجميع أطراف المجتمع، سواء المرأة أو الرجل أو الأحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة الممثلة لجميع فئات المجتمع، في مختلف مؤسساتها. من هذا المبدأ نقيُم تجربتنا الديمقراطية الأولى في انتخابات المجالس البلدية على أنها تجربة غير معبرة ديمقراطياً عن المجتمع بجميع فئاته وقطاعاته وإنها تجربة انتقصت من حقوق المرأة كمواطنة لتمثيل

نفسها في هذه المجالس، كمواقع لصنع القرار وكإحدى قنوات صياغة المستقبل، كما انتقصت من حقوق التنظيمات السياسية الممثلة لقطاعات مختلفة في المجتمع.
كما أن هذه التجربة الديمقراطية الناقصة هي مؤشر لأمور كثيرة، من أهمها أن التيار الذي عمل على الاستفراد بعضوية المجالس البلدية يملك مفهومه الخاص للديمقراطية التي كان يطالب بها لفترة من الزمن قبل أن تسنح له الفرصة لممارستها، وإن هذا التيار يمارس تمييزاً شديداً ضد المرأة في المشاركة السياسية بوضعها تحت الوصاية الذكورية باستمرار وعدم الاعتراف بقدراتها ولا بحقها كمواطنة لها كامل الحقوق والواجبات (حتى لو عمل مستقبلاً على إدخالها في مجالس منتخبة قادمة حيث سوف تكون تابعة للقرار الذكوري باستمرار).

إذن هذه التجربة الأولى التي تشارك فيها المرأة البحرينية بكامل حقوقها الدستورية تعتبر تعبيراً حقيقاً عن التمييز ضد ممارستها لحقوقها السياسية والذي سوف يظل علامة واضحة على التخلف الاجتماعي والسياسي للمجتمع وعلامة واضحة على مفاهيم المواطنة الناقصة والمفاهيم المغلوطة للمشاركة السياسية الشكلية حيث أن المواطنة الكاملة يجب أن تشمل المرأة والرجل على قدم المساواة. كما أثبتت هذه التجربة في نفس الوقت بأن التيارات الأخرى، التي لم تسنح لها الفرصة بالفوز حتى بمقعد واحد في هذه المجالس البلدية، لا تملك مفهوماً واقعياً للتغيير الجذري الذي ساد ثقافة المجتمع البحريني، هذه الثقافة الجديدة التي تحمل مفاهيم مغلوطة للديمقراطية وآلياتها. وإن هذه التيارات نفسها لم تكن تملك فهماً حقيقياً لواقع المرأة البحرينية بعيداً عن حساباتها الحزبية، بل كانت معتمدة بشكل كامل في ذلك على ما تعبر عنه الجمعيات النسائية الموالية لها في وضع تصوراتها عن واقع المرأة في المجتمع البحريني.
منذ إعلان نتائج الانتخابات البلدية والنيابية وحتى اليوم، لم يتوفر لنا أي تحليل أو دراسة واقعية ولو بسيطة، حول الأسباب والظروف التي أدت إلى أن تستفرد قوة سياسية واحدة، والمتمثلة في التيار الديني، والأسباب والظروف التي أدت إلى عدم نجاح أي تمثل نسائي للوصول إلى المجالس البلدية والنيابية، على أن تكون دراسات بحثية جادة، تهدف إلى إيجاد العلاقة الجدلية بين هاتين الحالتين كظاهرتين سلبيتين وبين أسس الديمقراطية والتنمية في مجتمعاتنا، في الوقت الذي نعمل جميعاً لتحقيق مجتمع ديمقراطي لكل مواطن فيه حق المواطنة الكاملة للدفع بعجلة التنمية إلى الأمام وعلى أسس علمية سليمة.