القمة الخليجية الرابعة والعشرين في الكويت

من الواضح إننا على المستوى الإقليمي الخليجي، كما على المستوى القومي العربي، بحاجة ماسة للخروج برؤى وآراء حول ما يدور حولنا من أحداث كبرى أصبحت تتفاعل بتسارع شديد وتختلط لدرجة يصعب فرزها وملاحقتها إن لم يتم ربطها منذ البداية بمقدماتها ونتائجها المستقبلية. ولكوني أحد الإعلاميين الذين حضروا القمة الخليجية الرابعة والعشرين، ومن شهود العيان المراقبين لسياسات وأحداث المنطقة، أتناول، في هذه المساحة الكتابية، وبشيء من التحليل، أحداث تلك القمة الخليجية في ثلاثة محاور رئيسية، من حيث إنها من أهم المحاور السياسة في هذه المنطقة، في الوقت الراهن، وهي: محور المظاهر الأمنية وظاهرة الإرهاب – محور الإعلام والمعلومة – محور البيان الختامي للقمة.

أولاً - المظاهر الأمنية وظاهرة الإرهاب
الكلام عن القمة الخليجية الرابعة والعشرين المنعقدة في الكويت في الفترة 21-22 ديسمبر 2003، لا يمكن إلا أن يبدأ بوصف المظاهر الأمنية التي أحاطتها بذلك الشكل المبالغ به لدرجة منتقدة ومستفزة لبعض الحضور، وأحياناً مضحكة لآخرين، لما كان يتخلل ذلك من فكاهات تشير بوضوح لأسباب هذه المبالغة التي لم تعد تنطلي على العقول، وخصوصاً إن بين الإعلاميين الحاضرين من عملوا، بطريقة أو بأخرى، وبالتعاون مع أطراف معينة، وبأساليب مختلفة، ولأهداف مدروسة،في حبك قصة الإرهاب ونشرها بالطريقة المطلوبة منهم، كمن يقول لنفسه "كذّبنا على أنفسنا وصدّقنا الكذبة" ...


وهذا ما سوف نتناوله في نهاية هذا المحور بعد التعرف على ما أعنيه بالمظاهر المبالغ بها ... في تلك الإجراءات الأمنية ... تلك المظاهر التي بدأت تبدو بوضوح عند مداخل المنطقة التي بها فندق الماريوت والشيراتون في وسط مدينة الكويت، حيث مركز الوفود الإعلامية والرسمية لهذا المؤتمر:
1- الحواجز الخرسانية موزعة عند مداخل الشوارع المؤدية إلى الفنادق ...
2- الأسلاك الشائكة تمتد على جانبي الرصيفين بدءاً من مداخل الشوارع لتلف هذه الأسلاك بالفندقين وبجميع المنافذ المؤدية إليهما.
3- على طرف الرصيف المحاذي لفندق الماريوت، الذي نزلتُ فيه، وخلف الأسلاك الشائكة، أصطفت أنواع من السيارات والآليات لتشكل سداً يمنع وقوف أي نوع من السـيارات الأخرى بجانب الفندق، وتتنوع هذه السيارات ما بين سيارات عسكرية للجيش وللأمن وسيارات إسعاف وشاحنات .
4- أعداد من رجال الأمن والجيش بأسلحتهم موزعين مع الكلاب البوليسية على امتداد هذه الشـوارع وفيما حول الفندق بشكل دقيق.
5- بسبب الظلام الذي حل عند وصولنا، لم أتمكن من التأكد من أعالي البنايات المحيطة بالفندق لمعرفة مدى انتشار هذه التحصينات في تلك المواقع ... ولكنني تمكنت من ذلك صباح اليوم التالي من الطابق الرابع عشر في الفندق الذي نزلت به ... حيث كان المسلحين مسيطرين على اسطح تلك البنايات.
6- إزدحام على المدخل الرئيسي والمنفذ الوحيد إلى داخل الفندق بسبب التفتيش الدقيق الذي يتعرض له كل الداخلين إلى الفندق بدءاً بالتفتيش الآلي للحقائب المحمولة باليد وانتهاءاً بالتفتيش اليدوي الدقيق لكل أطراف الجسم بواسطة قوات الأمن.
7- في بهو الفندق إختلط الإعلاميون بالعسكر (من الجيش والأمن) بملابسهم الرسمية وأسلحتهم، وأعداد من الهيئة الطبية بزيهم الأبيض، إشارة للاستعدادات الكاملة لمواجهة أي طارئ.
8- جميع سائقي السيارات الناقلة للوفود وغالبية المرافقين الكويتيين من أفراد الأمن ووزارة الداخلية، والفنادق المخصصة للوفود منعت من استضافة أفراد آخرين لحين الإنتهاء من المؤتمر.
في اليوم التالي (20 ديسمبر)
• لا زال الفندق يعج بالإعلاميين والأمن والعسكر.
• 300 إعلامي في فندق ماريوت الكويت لتغطية أخبار القمة الخليجية الرابعة والعشرين، ولكن دون أن يتمكن الإعلاميون من الالتقاء بأي مسؤول.
• الإجراءات الأمنية المشددة، وفقر التنظيم، يشكلان حاجزاً وعائقاً قوياً تحد من الحركة والاتصال.
• إلغاء الندوتين المقررتين لهذا اليوم السبت، وهما ندوة للدكتور أحمد الربعي، بعنوان "الخليج بعد سقوط صدام"، وندوة أخرى للدكتور أنس الرشيد، بعنوان "الصحافة الخليجية إلى أين ..؟"، وكان سبب الإلغاء، حسب ما أعلن، هو مشاكل مرورية بسبب الإجراءات الأمنية، رغم أن القاعة كانت في نفس الفندق الذي يجتمع بداخله جميع الوفود الإعلامية (يعني كل الحضور موجودين في الفندق ولم يكونوا بحاجة للتعرض للمشاكل المرورية والأمنية)، مما يعني إن الإلغاء كان بسبب عدم تواجد الحد الأدنى من الحضور.
• وعند سؤالي لبعض الإعلاميين العرب عما إذا كانوا يملكون أي مبرر لكل هذه الإجراءات الأمنية، كانت الإجابة إننا لا نجد أي تبرير لذلك إلا إذا كان الأخوة الكويتيون لديهم معلومات لا نملكها نحن.
• رغم اكتمال جميع هذه المظاهر الأمنية إلا أن القاعة المخصصة للإعلاميين ومراسلاتهم واتصالاتهم لم تكن مجهزة حتى مساء ذلك اليوم، وكان الفنيون يعملون على الانتهاء من تركيبات أجهزة الكمبيوتر والطابعات والفاكسات وغيرها ...
إنتهى ذلك اليوم والكل يبحث عن معلومات حول مضمون القمة التي سوف تبدأ أولى جلساتها مساء اليوم التالي .... وإنتهى اليوم دون الحصول على أية معلومة جديدة ... وكل ما تداولته الرسائل الإعلامية كان يدور حول هذه المظاهر المبالغ بها في الإجراءات الأمنية .... وهذا ما تم نشره في اليوم التالي في جميع وسائل الإعلام ...
هذه المظاهر طبعاً استمرت إلى مساء 22 ديسمبر، إي إلى حين انتهاء القمة وسفر الزعماء ومعظم رؤساء الوفود ... وما يهمني من كل هذا ... وقبل الإنتقال إلى المحور التالي في هذه الورقة ... هو أن أطرح رؤيتي ورأيي الخاص في كل هذه المشاهد السينمائية التي وصفتها أعلاه ... والتي يبدو لي أنها نسـخة من الأفلام الأمريكـية التي كثيراً ما تعرض على شاشات التلفزيون والسينما خلال السنوات الأخيرة ...
في كل تلك الإجراءات الأمنية، لم أستطع أن أرى إلا غلافاً واقعياً ونقلاً حياً، وليس سينمائياً أو إعلامياً، لإكذوبة نعيشها جميعاً منذ 11 سبتمبر عام 2001 ... غلافاً واقعياً لأكذوبة "شبح الإرهاب" ... ذلك الشبح الذي فرض علينا جميعاً أن نصدّق ونؤمن بوجوده بالصورة التي تُعرَض علينا وترسل لنا عبر المحيط ... وهي صورة الإرهابي العربي المسلم القبيح والبشع والمتجرد من كل أنواع العطف والإنسانية ولا يعرف شيئ غير القتل والتدمير ... صورة الإرهاب الذي يجب أن نشغل كل تفكيرنا وجهودنا في كيفية حماية أرواحنا منه دون أن نُعطَى الفرصة والمجال للسـؤال عما يعني هذا الإرهاب، وكيف وأين ولماذا هذا الإرهاب ؟؟ ... ولماذا فقط إرهاب عربي إسلامي ... لماذا فقط العرب هم المتهمون بالإرهاب ... ما الهدف من ذلك ... وهل هذا حقيقة ... أم محض افتراء ... وإن كان حقيقة لماذا ؟ .. وإن كان إفتراء فما الهدف منه ؟ .. وأسئلة كثيرة ... أسئلة لم يعمل مثقفينا أو إعلامنا العربي أو أنظمتنا العربية، على التصدي إليها بصورة منصفة للحق العربي أو الإجابة عليها بمنطق العلوم السياسية التي تعلمناها من الغرب نفسه ... أو الإجابة عليها على أسس بحثية بالتعاون مع تلك المصادر البحثية المتعددة التي حاولت جاهدة فضح تلك الأكاذيب الأمريكية لحكاية العصر "الإرهاب والعرب"، دون أن تلقى آذان صاغية من العرب أنفسهم .... لم يحاول أحد منا حتى الآن اختراق تلك الغيمة السوداء التي بدأت تغلف واقعنا العربي الراهن ومستقبل أجيالنا القادمة ...
كلنا أصبحنا منتشين بتداول أكذوبة 11 سبتمبر ... وكلنا أصبحنا منغمسين في تناول الموضوع كيفما يتم توجيهنا له ... وكلنا استسلمنا بأن هناك إرهاب ... وإن الإرهاب يعني العرب، والإرهابي يعني العربي ... وإن التعاليم الإسلامية الداعية للجهاد ورفض الهيمنة هي أحد أكبر مسببات الإرهاب وخلق الإرهابيين ... وكلنا اقتنعنا بأن أنظمتنا العربية غير العادلة وغير الديمقراطية خلقت إرهابيين يذهبون لقتل الأبرياء في بلدانهم انتقاماً من أنظمتنا ....
أليست كل هذه الإدعاءات هي التي بثتها وسائل الإعلام الإمريكية قبل إنتهاء 24 ساعة من التحقيق في أحداث 11 سبتمبر ... ومسكنا نحن ببداية ذلك الخيط وتلك المقولات وأكملنا مشوار ذلك الإعلام الموجه ضدنا ... وأصبحنا نمارس الدور نيابة عنه بشكل ببغائي، عقيم، وكأننا نملك كل الحقيقة ... وننتظر أن يسعفنا ذلك الإعلام الأمريكي "المتلاعب بالعقول"، بأكاذيب جديدة لنصدقها ونتداولها ...
ضمن هذه الرؤية أرى إن ذلك الشبح الذي خلقه النظام العالمي الجديد ... ليحل محل شبح الشيوعية في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة ... وتلك التهمة الكبرى التي ألصقت بالعرب والإسلام ... وتلك الادعاءات التي اتخذت ذريعة كبرى في إنهاء الحق الفلسطيني في فلسطين، وذريعة مثلى لاحتلال العراق، وذريعة قبيحة للقضاء على الثقافة العربية الرافضة للاستسلام للمغتصب والمحتل والثقافة الداعية للحرية والاستقلال ... ذلك الشبح الذي أعطي لقب الإرهاب ... بحاجة ماسة للدراسة المعمقة ... وبحاجة للمراجعة والمواجهة الشريفة والصادقة ... مواجهة تبدأ ببث ثقافة وطنية ترفض تلك الادعاءات وتفضح ذلك الدور الاستعماري الجديد الرافع لعصا الإرهاب بيد وعصا الديمقراطية باليد الأخرى ... لأننا لسنا شعب إرهاب ولا ديننا دين إرهاب ولا نملك ثقافة الإرهاب ...
هذا ما كان يعني، بالنسبة لي، ذلك التشديد المنقطع النظير في إجراءات السلامة والأمن في الكويت بمناسبة انعقاد القمة الخليجية الرابعة والعشرين ... والذي بإختصار كانت عبارة عن محاولات جادة وعملية لإثبات مصداقية "حكاية الإرهاب" أولاً، ومصداقية تهمة "الإرهاب العربي" ثانياً ...

ثانياً – الإعلام والمعلومات
أما هذا المحور فإنه ينحصر في موضوع الإعلام والمعلومات وحق المواطن في المعرفة وأهمية الإعلام في استشراف إرادة الشعوب ...
في الكويت إجتمع أكثر من 300 إعلامي لمدة أربعة أيام لتغطية أخبار القمة الخليجية الرابعة والعشرين التي أعطيت الكثير من التسميات ورفع لها بعض الإعلام الخليجي أنواع من الشعارات مثل "قمة ما بعد الغمة" و"قمة القرارات الهامة" و"قمة التحول" وغيرها من تسميات ... لكونها القمة الخليجية الأولى بعد إحتلال العراق ... ودخول المنطقة عصر إحتلالي واستعماري جديد ... ولكون الأمة تقف اليوم في منعطف تاريخي خطير جداً ... ولكونها القمة الخليجية الأولى بعد ما جاء على لسان كولن باول، وزير الخارجية الأمريكية، فيما يخص إعادة صياغة المنطقة، وما يعنيه هذا التصريح المدعوم باستراتيجيات، قيد التنفيذ، من مخططات تفتيتية سوف تعيشها المنطقة في المستقبل القريب ...
خلال أربعة أيام لم يتمكن الإعلاميون من الإتصال بشكل مباشر بأحد المسئولين ذوي العلاقة بقرارات ومناقشات تلك القمة ... فلم يحصل أي من الإعلاميين على أكثر من فرصة التصوير والمراقبة عن بعد لأحداث هذه القمة ... فلم يكن هناك ما يُكتب عن القمة وقراراتها، حتى إستشرافاً ... وخصوصاً إن المسافة بين قصر البيان، الذي يتم فيه جميع الاجتماعات، وبين الفنادق التي يقيم فيها الإعلاميون تزيد على 15 كيلومتراً مما لم يُمَكّن كل هذا العدد من الإعلاميين المتلهفين لسماع أي خبر أو معلومة من الوصول إلى تلك القاعات إلا بعد فك الحصار عنهم في صبيحة إعلان البيان الختامي ... أي بعد الانتهاء التام من رسم آخر كلمات ذلك البيان وفي وقت إعلانه الرسمي ...
حتى تلك الساعات الأخيرة لم يُوَفّر للإعلام أية فرصة للاتصال مع القادة أو الوفود المرافقة لمعرفة أية معلومة، عن مضمون تلك القمة ... أية معلومة يمكن أن ينقلها الإعلاميون للتداول على مستوى الشارع العربي قبل إعلان البيان الختامي، لذلك استمر التساؤل حول مضمون جدول الأعمال الذي سوف يناقش في هذه القمة، غير تلك البنود التي وردت على هذا الجدول في كل قمة سابقة، مثل بند توحيد التعرفة الجمركية الخليجية، وبند حرية الانتقال بين دول مجلس التعاون بالهوية ... إلخ، والتي لم يتم الإنتهاء منها حتى يومنا هذا.
المكان والزمان كانا يحملان جميع المظاهر الإعلامية. فهناك عشرات الفضائيات التلفزيونية والمصورين ووكالات الأنباء وما لا يقل عن 300 صحفي وإعلامي، إضافة إلى ما يحملونه معهم من أجهزة تصوير وتسجيل وتوثيق ... ولكن كل تلك المظاهر الإعلامية كانت تفتقد المضمون الإعلامي وهو المعلومات ... فكان حجباً تاماً للمعلومات وقصوراً في توفر مصادر وثيقة الصلة بالمعلومات يمكن التعامل معها ... فكان حجباً يفرض تساؤلاً قسرياً ... وهو ... لماذا هذا الحجب ؟ ... ولماذا هذا القصور الشديد في التعامل مع الإعلام على أسس علمية سليمة في استشراف إرادة الشعوب ؟ ... وأخيراً، لماذا إذن كل هذا الزخم الإعلامي المدعو لحضور هذه المناسبة ؟ ...
كانت الإجابة على هذه التساؤلات، في ذهني، تنحصر في واحدة من فرضيتين ... فعدم توفر المعلومة في مناسبة كهذه تدل على أحد الفرضيتين، الفرضية الأولى تقول إن السبب هو عدم وجود تلك المعلومة الجديدة الخاصة بهذه القمة ... أي عدم توفر أي إنجاز لا على المجال السياسي ولا الإقتصادي ولا التنموي، ولا على مستوى القرارات المستقبلية، مما يلبي تطلعات شعوب المنطقة، ومما يستحق النشر والتقصي ... ومما يجدر الإعلان عنه ونشره لكسب الرأي العام ... إما الفرضية الثانية فترشّح عدم محاولة تسريب بعض المعلومات عن مضمون هذه القمة إلى إحتمال إصدار قرارات حاسمة لا يريد صانعيها نشرها قبل الإعلان النهائي عنها ... تحاشياً لردود الفعل المختلفة ضدها ... أو (حفاظاً على الأمن القومي) ... ولا يمكن وصف تلك القرارات إلى بالقرارات الفوقية ...
وأعتقد بأن حدسي كان مصيباً ... في الفرضية الأولى ... فالبيان الختامي أثبت إن حجب المعلومات كان بسبب عدم وجود المعلومات ... وهذا ما سوف نرجع إليه في المحور الأخير حول البيان الختامي.
أما هذه الصورة الواقعية التي حاولت إيصالها بشكل مبسط للقارئ والمثقف العربي تعد مثالاً عملياً وحياً عن واقع الإعلام العربي، ومثال واقعي وحي حول التعامل غير المهني مع الإعلام وحجب المعلومة خوفاً من دور الإعلام في التأثير على الشارع العربي، علماً بأنها ممارسات لا تتم إعتباطاً وإنما تمارس برؤى مدروسة في مختلف المجالات الرسمية وغير الرسمية.
وهذه الصورة الواقعية التي نقلتها لكم، أيضاً، حول أزمة الإعلام العربي والمعلومة لهي إحدى المعضلات العربية التي تدعونا جميعاً للدراسة والبحث والتقصي لاكتشاف مكامن وأسباب قصور وسلبيات منظومتنا المعرفية في مجال الإعلام وحق الشعوب في الحصول على المعلومة في الوقت المناسب وبالوسائل المناسبة، وكل ما يتبع هذا القصور المعرفي من تخلف في الأداء على المستويين الرسمي والمدني في جميع المجالات.

المحور الثالث والأخير - البيان الختامي
رغم انعقاد القمة الخليجية الرابعة والعشرين في أقسى الفترات العربية وأكثرها خطورة، إلا إن البيان الختامي لهذه القمة لم يلبي الجزء اليسير من الطموح العربي في التصدي لذلك الواقع الجديد الذي لم يعد عبارة عن سيناريوهات أو توقعات بل أصبح حقيقة نعيشها ونتداول تطوراتها بشكل يومي ...
فكما ذكرنا في المحور السابق، فإن حجب المعلومة في هذه القمة كان سببه عدم وجود المعلومة، فقد كان البيان الختامي، كما تم نشره، عبارة عن نصوص فيها الكثير من العمومية والتكرار لمحتويات البيانات السابقة... والقرارات التي لم يتم تنفيذها أو إكمال تنفيذها خلال 24 عاماً ... فيما عدا ذلك، جاء ولأول مرة ذلك النص المبتور الخاص بحقوق المرأة الإجتماعية والاقتصادية والتنموية، مع التغاضي الفاضح عن حقوقها السياسية، وتلك الفقرات المطولة عن أهمية مكافحة الإرهاب والتوقيع على الإتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب وتغيير المناهج المدرسية بغرض مكافحة الإرهاب، دون أن نعرف ما المعني بذلك الإرهاب، وكان الله غفور رحيم ... فكان جلياً من أسئلة الصحفيين العرب في المؤتمر الصحفي الذي لحق القمة، إن البيان لم يُفَصّل الكثير من الأمور الداخلية كما لم يحاول التطرق إلى بعض القضايا العربية التي هي قيد التفاعل والتأثير على المنطقة بشكل عام مثال قضايا السودان وليبيا ... وغير ذلك.
هناك أمرين هامين يطرحان نفسيهما على هذه القمة وهذا البيان، الأمر الأول يدور حول : لماذا لم يتم طرح مبادرة الامير عبدالله بن عبدالعزيز حول "إصلاح البيت العربي"، الذي طرح على القمة العربية الأخيرة ... والذي يثير ذلك تساؤلاً مهماً، وهو، أليس الأجدى أن تطرح تلك المبادرة على هذا التكتل الأصغر، حيث تكون إمكانية تنفيذها أقرب للواقع، وخصوصاً إن المبادرة جاءت من أكبر دولة خليجية في هذا التكتل الخليجي ... فالأجدى الأخذ بها وتحقيقها في إطار البيت الخليجي سواء أخذ أو لم يؤخذ بها في الإطار العربي الأكبر ... إلا إذا كان القادة الخليجيون لا يرون أية حاجة للإصلاح في بيتنا الخليجي، حيث جميع الأمور مستتبة وتحت السيطرة.
أما الأمر الثاني فهو يدور حول رؤية في جدوى وجود هذا المجلس، وخصوصاً بعد التغييرات السياسية المهولة التي حصلت والتي يمكن أن تحصل في المنطقة، وبعد حوالي ربع قرن من العمل غير الملبي لطموحات أبناء المنطقة، والذي هو دليل قاطع على إن هذا المجلس تم تشكيله دون امتلاك أي أفق سياسي حول رؤية وحدوية أو تكاملية لدول المنطقة، واستمر على هذا النحو طوال سنوات وجوده.
ويمكن أن أعرض رؤيتي في هذا المجال، بإختصار شديد، بإننا اليوم، كأمة واقعة في مركز الأطماع والأهداف الدولية، ومشلولة الطاقات والإمكانيات الدفاعية إقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، فإننا بحاجة ماسة، وأكثر من أي وقت مضى، لهذه التجمعات والتكتلات الخليجية والعربية الرسمية، على أن يعاد صياغتها برؤى سياسية متفهمة ومحققة لمصالحنا العربية، وعلى أن تقابلها في الطرف الآخر، بنفس الحجم والقوة، تكتلات شعبية تملك زمام المحاسبة والتخطيط والتشريع، لتسير جميعها ضمن استراتيجيات على مستوى الأحداث الدولية، وأن تملك رؤية واقعية في مراجعتها للوضع العربي في ظل الأنظمة القائمة والأوضاع السياسية المتخلفة والمتحكمة في تخلف هذه الأمة.


كلمات دالة: