حرب لبنان، لمصلحة من؟

من المؤكد أن أية معركة تحقق، كحد أدنى، خسائر للكيان الصهيوني، حتى لو لم تحقق نصراً عربياً، تعد من البشائر السارة على نفوس العرب، من شأنها، وكحد أدنى، أن تذيب شيئاً من الإحباط النفسي العربي وتعلو بالمعنويات والآمال الوطنية والقومية العربية بما يمَكّنها من الاستمرار في مسيرة النضال التحرري الطويلة... وتعد تلك المعارك الجانبية وعمليات المقاومة، عموماً، ضد الكيان الصهيوني بمثابة شموع منيرة تضيء طريق النصر والتحرير، لتبقى قضية فلسطين ويبقى الشعب الفلسطيني متمسكاً بحقوقه الكاملة على أرضه، ويبقى عدم الشرعية من أهم سمات الكيان الصهيوني المصطنع، مع استمرار حالة عدم الاستقرار والأمان في داخل مجتمعاته.
ولكن عندما تتحول حالة المواجهة مع الكيان الصهيوني إلى لعبة تحقيق مصالح إقليمية خارج إطار المصالح الفلسطينية والعربية، وخارج دائرة حسابات القوة وتوازناتها، أو عندما تفرض الحروب المدمرة على المنطقة بهدف تحريك القضية ليس إلا او غطاء لمشروع آخر غير عربي، فمن المؤكد إن الخاسر الأكبر في هذه المواجهة والحروب سيكون العرب عموماً والشعب الفلسطيني خصوصاً.
وفي منحى الخسائر والانكسارات، ورغم إن التاريخ الاستعماري في منطقتنا قد خط لنا الدروس والعبر التي كان يجب أن تخلق شيئاً من الوعي والإدراك للتحصين ضد تكرارها، إلا إن ردود الأفعال العفوية التي نتعامل بها كشعوب وأنظمة عربية باتجاه كل حدث جلل يحل على المنطقة، تشير إلى إننا لم نستوعب كل تلك الدروس المكررة، ولم نفهم الصيرورة الموحدة لحركة الأحداث الكبرى التي تحل علينا، في غفلة من الزمن، فينقسم الناس بين التأييد والمعارضة، والحماس والإحباط، وينشغلون بالانقسام ورفض كل فريق للآخر، عن البحث عن الحقيقة ومواجهتها والتصدي لها.

الكذب الغربي مقابل قصور الوعي العربي، منذ البداية
ولربما تعد أحداث القرن العشرين من أكبر الشواهد والأدلة على سذاجة أو قصور الوعي السياسي العربي... تلك السذاجة التي تم التعامل معها لتمرير كافة الخطط الاستعمارية في المنطقة دون أن تواجه بحد أدنى من المعارضة أو الخلاف الذي قد يدفع المستعمر بإعادة التفكير في سياساته قبل تنفيذها. فلم يكن الوعي العربي هماً يقلق الدوائر الاستعمارية عند رسم مخططاتها لهذه المنطقة، وهو ذلك الوعي الذي أدار الخلافات العربية العربية لتكون أحد أهم أسباب نجاح الاستعمار، الذي كان يزيدها وقوداً حتى أضعفت نيرانها كل مفاصل القوة في الأمة.
أما أهم أحداث القرن العشرين، الشاهدة على سذاجة الوعي السياسي العربي، فهو الطريقة التي تعامل بها العرب مع اتفاقية سايكس بيكو وما جاءت به هذه الاتفاقية من تقسيم وانتداب وتدويل واحتلال وتنصيب ملوك ورؤساء ومختلف الأساليب والخدع الاستعمارية للوصول إلى هدف تغيير أوضاع الجزيرة العربية، وبالأخص شمالها، مع قيام النظام الدولي الجديد في بداية القرن.
خلال عام 1916 تم التفاهم بين فرنسا وبريطانيا على اتفاقية سايكس بيكو؛ واتفقتا بموجبها على تقسيم منطقة بلاد الشام والعراق إلى أربعة مناطق.. لبنان وسوريا، أو منطقة شرق المتوسط، لفرنسا.. بغداد والبصرة لبريطانيا.. تدويل فلسطين.. وتحويل المنطقة التي تقع بين هذه المناطق الثلاث "الأردن" إلى كونفيدرالية عربية؛
وفي نوفمبر 1917 تعهدت الحكومة البريطانية بشخص وزير خارجيتها، السير آرثر بلفور، بدعم مشاريع الحركة الصهيونية وإقامة دولة قومية لليهود في فلسطين، رغم تعارض هذا الوعد مع قرار تدويل المنطقة الفلسطينية في اتفاقية سايكس بيكو؛
ولكن في الفترة نفسها التي كانت بريطانيا وفرنسا تخط هذه الوعود والاتفاقيات فيما بينها، كانت تدير في الجانب الآخر مفاوضات من خلال شخص السير هنري مكماهون مع العرب، متمثلين في الشريف الحسين بن علي، شريف مكة من جهة، والقوميين العرب، من جهة أخرى، "حول انضمام العرب إلى المجهود الحربي ضد الأتراك العثمانيين لقاء دعم بريطانيا لمشروع قيام دولة عربية مستقلة بزعامة الشريف تضم الولايات العربية العثمانية في وسط الجزيرة وشمالها..." (رغيد الصلح، "حربا بريطانيا والعراق 1941-1991"/ المطبوعات للتوزيع والنشر 1994).
ووافق العرب على تلك المقايضة بدون ضمانات، تحت شعار الاستقواء بالخارج الذي رفعه القوميون العرب منذ مؤتمرهم الأول في باريس في يونيو/حزيران 1913، والذي صاغه حينها رئيس مؤتمرهم "عبدالحميد الزهراوي" بعبارته الشهيرة "الغرب اليوم مقتدى الشرق" (المصدر السابق). ولم يعلم العرب بأمر اتفاقية سايكس بيكو حتى كشفها الشيوعيون بعد تسلّمهم السلطة في روسيا. وعندما أبدا العرب قلقهم حينها، ردت عليهم الخارجية البريطانية برسالة أعربت فيها عن التزام حكومتها "بدعم المطلب العربي في الاستقلال الكامل للأقطار التي حررها العرب بأنفسهم، وفي تطبيق مبدأ الحق في تقرير المصير في الأقطار التي دخلتها جيوش الحلفاء".. وأصدرت الحكومتان البريطانية والفرنسية بياناً في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، أكدتا فيه التزامهما بتلك التعهدات وبـ"تحرير الشعوب التي تعرضت زمناً طويلاً للاضطهاد على يد الأتراك تحريراً نهائياً" (المصدر السابق)، وتم النكوص بكل تلك الوعود، عدا وعد بلفور لليهود.. ونتوقف عند هذا الحد عن السرد التاريخي الفاضح للأكاذيب الغربية التي تكررت في عشرات أو مئات المعاهدات والاتفاقيات والوعود، ومن ثم النكوص بها جميعاً، بسبق الإصرار، في ظل القصور الشديد في الوعي السياسي العربي، منذ 1916 إلى 2006، ولا نعلم إلى متى سيستمر هذا النمط من العلاقات الفوقية والدونية بين الغرب الاستعماري والشرق العربي، والذي يربطنا مع واقع التخلف باستمرار.
وهكذا باتت ممارسات الكذب والتحايل المرافقة لاتفاقية سايكس بيكو وإجراءاته التنفيذية، التي لا زالت مستمرة، من تقاليد العلاقات الغربية المتسمة بالاستعلاء على العرب الذين أمعنوا بالتقدير الدوني لأنفسهم. وفي ظل هذه العلاقات غير السويّة، التي تكشف عن الهوة الواسعة بين نمط التفكير الغربي عن مثيلها العربي عموماً، يمكننا قياس أسباب ونتائج كل الحروب والمعارك التي خاضتها الأمة العربية خلال آخر مائة عام من عمرها. فاستمر تكرار هذا النمط من الأحداث المنسوخة من بداية القرن العشرين (سايكس بيكو)، لتبدأ كلها بالأكاذيب والوعود وتنتهي بالحروب والأزمات والصراعات التي غيّرت خريطة الوطن العربي، وخريطة مجتمعاته التي عانت طوال القرن من تخلف تنموي على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية وغيرها، وأبقت المنطقة في حالة من عدم الاستقرار على مدى قرن واحد.
وأهم تلك الحروب والصراعات التي تكشف عن مدى استغلال السياسات الغربية لقصور الوعي العربي هو حرب 1973. فتلك الحرب التاريخية بين العرب والكيان الصهيوني لا يزال يدور الحديث على أنها حققت انتصارات رغم إنها كانت هي الحرب المفصلية التي زادت القضية الفلسطينية تعقيداً وخسرت فيها مصر، من ضمن ما خسرت، ما يقارب 200 كيلومتر من مساحة سيناء لتصبح ضمن حدود إسرائيل السياسية الآمنة، كما خسرت سوريا مرتفعات الجولان بشعبها وخيراتها. وفي المحصلة تؤكد حيثيات وتفاصيل تلك الحرب وتبعاتها ومن ضمنها اتفاقية كامب ديفيد المشئومة، إن قيامها وانتهائها كان باتفاق الأطراف المعنية بها، ولم يحقق العرب منها سوى الهزائم والخسائر رغم بطولة القوات العربية التي حاربت بوفاء ووطنية مخلصة. فتوزع الوعي العربي بعدها، أيضاً، ما بين مناصر ومعارض دون أن يتمعّن هذا الوعي في كشف أسرارها الواضحة الخفية.

بعد مائة عام من الهزائم، بدأ قرن جديد أكثر سوداوية
وبعد قرن كامل تخللته حربين شاملتين بين العرب والعدو الصهيوني وحرب أهلية في لبنان استمرت ما يقارب 18 عاماً لم يحقق فيها الشعب اللبناني سوى الخسائر، وحرب تحالف العرب فيها مع كل قوى الاستعمار ضد العراق في عام 1991، وخلافات حدودية بين كل دولتين عربيتين، وألوان من المشاكل الداخلية في كل دولة عربية، بعد كل تلك الأحداث الجسام، والمآسي التي عاشتها الأجيال العربية المتتالية في علاقاتها مع الخارج، ترى الأمة نفسها اليوم، في مدخل القرن الميلادي الثالث، واقفة في نفس الموقف والموقع، ليأتي المحتلون من ما وراء المحيط ويحتلوا العراق دون أن يهتز كيان الأنظمة العربية ومجتمعاتها، وليبرهن أن كل الدروس الاستعمارية السابقة قد مرت على هذه المنطقة دون أن تخلق نتائج إيجابية في تطوير الوعي العربي الذي أثبت أنه لازال يراوح في محله...
ومع بداية هذا القرن الجديد، ولِما وصلت إليه حال الأمة من ضعف وهزال شديدين، بدأت سماء العرب تتلبد بسحب سوداء جديدة، محملة بأعداد أخرى من الطامعين المتكالبين عليها، لتبدو من خلالها الجارة المسلمة إيران المتربصة للفرصة المواتية لتحقيق حلمها الإمبراطوري التاريخي في المنطقة العربية. وهكذا بدأت مشاريع الأحلام الإمبراطورية، الجديدة والقديمة، من الشرق والغرب، ترنو إلى منطقتنا كمركز حيوي تعتمد عليها مشاريعهم، فكان لابد لتلك المشاريع أن تتكامل وتتقاطع وتتنافس في هدف واحد وهو السيطرة والهيمنة على ثروات الأمة العربية ومجتمعاتها.. ومع بدء انكشاف الخطوط الأولى من مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي، بدأت المجتمعات الطائفية، التي أسستها مبكراً مؤسسات الإسلام السياسي الإيرانية، تتبلور وتعلن عن نفسها على الأرض العربية، ليسير مشروعي الهيمنة على المنطقة في خطين متوازيين، نحو تقسيم المنطقة من الداخل والخارج، ضمن حدود طائفية وأثنية مدمّرة لكل الأمة.
وعلى أرض العراق ظهرت تلك المشاريع واضحة للمراقبين، فتزامن الإعلان عن المشروعين الإيراني والأمريكي معاً، وبدا واضحاً تكامل أدوارهما الاحتلالية الذي دمّر العراق ونهضته الحديثة، تدميراً تاماً، خلال أقل من ثلاث سنوات، فتلازم الدور الأمريكي بإعادة رسم خريطة العراق من "الخارج"، مع الدور الإيراني في تقسيم المجتمع العراقي من "الداخل" في عمل حثيث ومجازر مرعبة وقتل ودمار يومي... أما الجانب التنافسي بين هذين المشروعين فيقول عنه مامون فندي بأنه "تنافس قديم وليس وليد اليوم. في التاريخ القريب يستطيع الإنسان أن يقول إن قمة هذا التنافس كانت في أكبر دولة عربية وهي مصر مع بداية ثورة الخميني الإسلامية، حيث تولّد في الشارع المصري مشروع إيراني يهدف إلى تقويض الدولة المصرية من الداخل، كان السادات بالنسبة لهؤلاء يمثل المشروع الأمريكي ورمزه الأوحد..." (فندي)، وعن أداء هذا المشروع يقول "كانت رموزه الجماعات الأصولية ومثقفي الأصولية وأبواق دعايتها في الصحافة القومية المصرية، وكذلك في صحافة المعارضة أو المنابر آنذاك. تصارع الطرفان السادات ممثل المشروع الأمريكي، والأصوليون الذين يمثلون المشروع الإيراني، وانتصر المشروع الإيراني على المشروع الأمريكي عندما قام خالد الإسلامبولي باغتيال السادات في السادس من أكتوبر عام 1981" (فندي). وتمكنت مصر في الثمانينيات من التصدي بشدة لهذا المشرع، رغم ما تكبدتها الدولة من خسائر في "مواجهة اللوبي الإيراني وجيوشه وحملة السلاح والقنابل في شوارع القاهرة" (فندي)... ورغم ذلك بقي الوعي العربي مخدّراً، منقسماً، لامبالياً، وأكثر سلبيةً..
وإذا بقي المشروع الإيراني سراً خلال العقدين الأخيرين منذ العام 1979، إلا إنه مع ما حققه مشروع تصدير الثورة الخمينية من نجاحات على الأرض العربية من "لبنان إلى البحرين مروراً بالقاهرة وعواصم أخرى" لم تعد السرية مجدية، فأصبح أكثر ميلاً للعلانية منه للسرية، إلا إن إلباسه بالدعوة الإسلامية كان ولايزال صمام الأمان الذي استُخدِم لحماية هذا المشروع ولتجنب مقاومته ولتكفير كل من يتجرأ بالكتابة أو الحديث ضده.. والأهم من كل ذلك كوسيلة للتحايل على وعي الشارع العربي واستمرار تخديره.

بعد تدمير العراق، حان دور لبنان
أما في لبنان فقد تجلى المشروع الإيراني في حزب الله، المرتبط بشكل مباشر بالقيادة الإيرانية، والذي كان تأسيسه في العام 1982 جاء بهدف إخراج التكتّل الشيعي، الذي أسسه السيد موسى الصدر، في لبنان من حالة السلم والسكون إلى حالة العسكرة والتجييش التي عاشتها هذه الطائفة منذ بداية الثمانينيات حتى يومنا هذا، فشكّل هذا الحزب دولة داخل الدولة اللبنانية. وإذا تجاوزنا ظروف تأسيس هذا الحزب ودوره في لبنان والمنطقة العربية خلال ربع قرن، هو عمره الزمني (وهي بحاجة لصفحات خاصة بها)، فإننا نرى ضرورة الحديث عن حالة الحرب التي تعيشها لبنان تحت القصف والتدمير الإسرائيلي، بدعوى مطالبات إسرائيل بالإفراج عن أسير من جنوده لدى حركة "حماس" في غزة، وأسيرين خطفهما "حزب الله" في تصعيد مفاجئ وخطير في جنوب لبنان، بدعوى تخفيف الضغط على الشعب الفلسطيني، والتي أعلن حزب الله على لسان أمينه العام، السيد حسن نصرالله، يوم 14 يوليو/حزيران 2006، بأنها حرب مفتوحة ضد الكيان الصهيوني... وعلاقة كل ذلك بالوعي العربي البائس.
وفي ظل صمت عربي مطبق، وحرب إعلامية شرسة لا يجيد العرب إدارتها لصالحهم حتى نسبياً، نتساءل، يا ترى ما هي الأهداف التي رسمها حزب الله، قبل دخوله في هذه المواجهة المفتوحة؟!.. وهل كان يملك هدفاً استراتيجياً لتحرير فلسطين؟، ويملك خطة متكاملة عدةً وعتاداً لتحقيق ذلك الهدف؟. واليوم وبعد مراقبتنا للعمليات اليومية للطرفين، لا نتوقع جواباً إيجابياً على هذه الأسئلة، وعلى أقل تقدير، وبتحليل كاتب ليس بخبير في الشئون العسكرية، يمكن أن نشير إلى إن عتاد حزب الله لا يؤهله لخوض حرب مع أي جيش نظامي، وعلى سبيل المثال، كيف نفسر امتلاك حزب الله لصواريخ بعيدة المدى، قصفَ بها حيفا، في الوقت الذي لا يملك صواريخ محمولة على الكتف لتحييد الطائرات وغاراتها الوحشية!!...
وإن كانت هذه الحرب بدعوى الضغط لمبادلة ثلاثة أسرى بآلاف المعتقلين اللبنانيين والفلسطينيين في سجون العدو؛ ومقارنة بحجم هذا التبادل، نتساءل هل توقّع حزب الله هذا البعد الذي ذهب له العدو الصهيوني في حربه المدمرة التي خسرت بها لبنان وفلسطين بُنيتهما التحتية في ظل أسوأ وضع اقتصادي تعيشانه؟، وهل لدى حزب الله أو حماس مراكز دراسات اعتمدت على تقاريرها في خوض هذه المعركة؟، أم إن هذا العمل كان عفوياً ولم يكن في تقدير مخططيه هذا الكم من الضحايا والدمار الذي سيلحق بلبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين، مقابل أضرار لا تستحق الذكر في الطرف اليهودي... وإذا كان تعويض الخسائر اليهودية وفي زمن قياسي مضموناً، نتساءل ياترى من سيعوض خسائر لبنان؟.
وفي النهاية نتساءل، يا ترى لصالح من قامت هذه الحرب إذن؟؟؟..
نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (قبل الحرب على لبنان) مقالاً تذكر فيه ظروف المواجهة القائمة بينهم وبين الفلسطينيين بأن هناك فريق ثالث "لا يعنيه لماذا يُدمر الإسرائيليون والفلسطينيون حياة بعضهم بعضاً، بل يرضيه الدور الذي يؤديه الطرفان في مأساة يونانية على الطريقة الشرق أوسطية، وعلى رأس هذا الفريق محمود أحمدي نجاد، (الرئيس الإيراني)". ويفسر المقال أسباب هذا الموقف قائلاً "يعلم الرئيس الإيراني إن قصف إسرائيل غزة يجعل صعباً على المجتمع الدولي حمل بلاده على الرضوخ للإنذار. ولم تغب عن أصحاب القرار في القدس الصلة بين إيران وبين التوتر في المناطق الفلسطينية، فقبل أسبوعين على حادثة كرم شاليم، شهد مسؤول جهاز الشاباك، يوفال ديكسين، أمام لجنة الخارجية والأمن، ونبه إلى تَدَخّل إيراني خفي في أعمال العنف ضد إسرائيل، وقال إن حزب الله، ذراع إيران العسكرية، زاد تحويل الأموال إلى منظمات الرفض أضعافاً"... وعن الطرف الفلسطيني يقول "أما خالد مشعل، زعيم حماس في الخارج، وزائر طهران الدائم، فصب حممه على أي ناطق في الداخل بإسم حماس تجرأ على الحديث عن وقف إطلاق النار". وأخيراً تستهزئ الصحيفة الإسرائيلية بقولها "والتظاهرات (العفوية) في شوارع إيران –المعروفة بحرية التعبير- ليس حافزها الخوف على مصير الأقرباء العرب البعيدين. وضجة إيران تبرر صمت الولايات المتحدة وأوروبا، وتثبت ازدواجية العالم في تعاطيه مسألتي الاحتلال الإسرائيلي والسياسة النووية الإيرانية...".
ورغم إنني لست ممن يستشهد بالرأي الإسرائيلي في قضايانا العربية، إلا إن الرأي المذكور أعلاه يشير إلى حقائق ومعلومات كثيرة، نادراً ما يكشفها إعلامنا العربي في ظل الخلط المعقّد لأوراق الأزمة الحالية وامتداداتها الباطنية والخفية، ونادراً ما ترضى أنظمتنا العربية الإعلان عنها في ظل الخوف من تشويه المواقف المبدئية، أو المزيفة، المساندة للمقاومة ضد المحتل مهما كان أداء هذه المقاومة ونتائجها.
ولكن مراقبتنا لآلة الحرب الصهيونية التي عملت على حصار وتدمير غزة وتجويع شعبها وقتل العشرات من أبنائها؛ وتعمل منذ 12 يوليو/تموز 2006 على فرض حصار شامل على لبنان، براً وبحراً وجواً، وتدمير كل ما بناه اللبنانيون منذ ما بعد حربهم الأهلية المدمرة التي استمرت لأكثر من عقد ونصف من الزمان، تلك الآلة الحربية المدمّرة، التي عاثت في البلدين قصفاً وتدميراً وتجويعاً وقتلاً وإذلالاً، دون أن تُواجَه بأدنى أنواع الردع والمقاومة، كل ذلك أثار التساؤل حول جدوى دخول حماس وحزب الله في هذه المعركة غير المتكافئة حتى بمفاهيم المقاومة... وبقراءة يظللها الشك والحزن والألم، نكرر تساؤلات جاءت من أقلام عربية مراقبة لدور حزب الله في الأحداث اللبنانية والفلسطينية المؤسفة، لفتح آفاق تفكير جاد في جزء من الوعي العربي، لربما يفيدنا في خوض معاركنا على أسس أكثر جدوى وجدية، ونتساءل:
1- لماذا التزم حزب الله الهدوء على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة منذ ما يدعى بالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني؟!، والذي تم عبر اتفاقية "تفاهم نيسان" عام 2000، التي عقدت بينه وبين العدو.. ويُذكر أن حزب الله صفى أفراد من المقاومة الفلسطينية لدى عودتهم من عمليات عبر تلك الحدود، كما لايزال يقبع في سجونه بعض منهم. ولربما الجواب على هذا السؤال هو ما جاء على لسان الشيخ صبحي الطفيلي، مؤسس حزب الله وأول أمين عام له، عندما قال: "حينما أسسنا المقاومة أسسناها على هذا المنطلق، شعاراتها كانت تحرير القدس، وبدأنا هذه المقاومة ويجب أن تستمر، اليوم هي ليست مقاومة، اليوم هي مجرد حرس حدود" (حوار في فضائية "العربية" 4/5/2005)...
2- واليوم عندما عاد الحزب لهذه العمليات، ياترى لماذا تزامنت عمليتهم هذه لتأتي بعد ساعات من فشل محادثات الملف النووي الإيراني بين لاريجاني وسولانا في بروكسل، وقبل ساعات من اجتماع وزراء خارجية الدول الكبرى في باريس لمناقشة إحالة ملف البرنامج إلى مجلس الأمن الدولي؟؟!!.
3- ويا ترى ألم يكن بالإمكان تقديم أو تأجيل موضوع الأسرى في السجون الصهيونية لفترة ما قبل بدء أو ما بعد انتهاء فترة السياحة التي تعد "نفط" الاقتصاد اللبناني، في ظل الظروف الاقتصادية البالغة السوء التي يعيشها اللبنانيون؟... أم إن حركة عمليات حزب الله مرتبطة بحاجة إيران لها، ولا علاقة لها بالأهداف الوطنية التي يرفع الحزب شعاراتها، ويرددها أمينه العام في كل المحافل والمناسبات؟...
4- وأخيراً وبعد أن بدأت المواجهة المفتوحة، وبعد أسبوع من التدمير والقتل المستمرين في لبنان، وفي انتظار أسبوع قادم أعلن العدو الإسرائيلي إنه سيواصل به الحرب والقصف، إلى أن تتهيأ الظروف الدولية لوقف إطلاق النار، ياترى، ماذا حقق حزب الله للبنان وفلسطين؟... يمكن أن نجيب على هذا السؤال من تحليلنا للأخبار المتداولة، بأن ما سيتحقق في نهاية هذه المعركة، هو تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559، بدءاً من إلغاء سلاح حزب الله، والتحول إلى العمل السياسي... وفي الجانب الآخر، اقتطاع ما لا يقل عن 50 كيلومتراً من الجنوب اللبناني لترسم بعده الحدود السياسية الآمنة "لإسرائيل"، تحت حماية قوات الأمن الدولية (وارتماء لبنان في الحضن الأمريكي)... وهذا بالضبط ما حققته حرب 73 لإسرائيل... دون أن ننسى النصر الإعلامي الذي حققته هذه المعارك للمشروع الإيراني في وعي الشارع العربي الغائب، ببطولات انتصاره لقضايا العرب في ظل أنظمة عربية نائمة..
أما الحكام العرب الذين اكتفوا بمبادرة الصلح التي قدّموها إلى "إسرائيل" في مؤتمر بيروت، والذين نددوا بـ"مغامرة" فتح جبهة القتال ضد العدو الصهيوني في لبنان، وحملّوا حزب الله الموالي لإيران المسؤولية كاملة، يا ترى ألا يراقبون الدور الإيراني في العراق، الذي وصل إلى عتبة حدودهم؟.. وألا يملكون مراكز دراسات، أو حتى أجهزة أمنية، توفر لهم المعلومات عن الهلال الإيراني الذي أصبح مطبقاً على شمال الجزيرة العربية؟.. ناهيك عن الحركة الطائفية القبيحة التي تعيشه مجتمعاتنا بشكل عام، دون أن تخلق هذه الأنظمة والحكومات حلول ناجحة وسليمة للقضاء عليها، قبل أن تخسر شعوب المنطقة هويتها وأرضها وتاريخها...
وإلى حرب أخرى، تحددها لنا أهداف إسرائيل والطامعين والمحتلين في المنطقة، نتساءل، أين الوعي العربي، الرسمي والشعبي، في تحديد مصير المنطقة والأمة العربية؟... وإلى متى سيبقى الوعي العربي تابعاً!!، وكلٍ يغني على ليلاه...


كلمات دالة: