التكافل الاجتماعي وأثره في استتباب الأمن (2)

لحظت الشريعة السمحة هذا الجانب من أجل استتباب الأمن واستقرار المجتمع الآمن فأسست نظام (الحقوق الشرعية) نوعا ضريبيا روحه تعني مشاركة (المعوزين) في مال الشخص المؤمن، واعتبرت ذلك (حقا) كما قال تعالى:
 "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم".
 "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم".
 "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم".

يمكن اعتبارها النتيجة والمحصلة النهائية الحتمية لصراع الطبقات في الأزمة الاجتماعية القائمة المسببة لفقدان الأمن، ويستشف من هذا الحكم أن العامل الاقتصادي إحدى الوسائل الأصيلة لتحديد اتجاه التفكير في خلق دنيا من الاستقرار ومجالات المعرفة البشرية المختلفة.
وحينما يجد ( المعوز ) أن له ( حقا ) في مال الموسر، والحق يؤدي على سبيل الإلزام وأن ( بيت المال ) يتكفل بتغطية النفقة له مدة سنة يشعر بالاطمئنان فلا يدور بخلده خرق القانون المسبب لعدم الأمن، وينكشف له وفق معرفته العلاقة المتبادلة بين الاقتصاد والبناء القومي للمجتمع وينأى عن الحركات الثورية غير المشروعة، بل يشترك في بناء حضارة أمن ذات الأصل الجماعي بمقدار درجة القدرة على التلقي التي هي المعيار الذي تقاس به الحضارة، وإن لم يمتلك تفكيرا متميزا صاعدا، فإن حضارة المجتمع هي ( بيئة ) يقدمها التاريخ للتفكير، أما إذا كان الفقير من ذوي التفكير النقدي، إن وجد، فهو من جملة المدنية التي هي المبدأ المتطور الواعي، ومقياس لاستنارة النقدية للوعي الإنساني.
وهذا يتم من همة السلطة في توعية الطبقة ( المعوزة ) وتثقيفها، بالإنفاق عليهم من أحد مصارف (الزكاة) في سبيل الله لتشارك في الوعي الأخلاقي الذي هو معيار التقدم، فإن التطور الاجتماعي ينطوي على نمو الوعي الفردي والتضامن بين الأفراد ليشعر الفقير بذاته، فإن من الإيمان أن تعرف ماهية الإنسان ومعنى حياته، وأن قيمة حياته في توحيد الناس على أساس المحبة، "الناس سواسية كأسنان المشط"، وفي توحيد الناس لخالقهم على أساس تحقيق عبوديتهم لله تعالي.
التربية من أسس الأمن
يقودنا القول المتقدم إلى تربية المجتمع تربية صالحة درءا لكل العوامل المؤدية إلى عدم الأمن، فالتربية الصالحة تحول دون ذلك، ولا شك أن التربية من أهم الجوانب لتشكيل المجتمع الصالح من خلال تطبيقه أحكام الله سبحانه، فهي شق الطريق للحياة والمشاركة في بناء المجتمع المسلم، فهي صهر الإنسان المسلم الكامل صاحب الضمير الحي المتدرب منهجيا على المكارم الخلقية الإسلامية بارتباطه بالحياة اليومية وبالعمل من أجل خير المجتمع في إيجاد موقف إسلامي تجاه أي عمل يقوم به، بما في ذلك تقدير أهميته الاجتماعية العليا وأنه يدرك واجبه تجاه المجتمع لتكون الفضائل الأخلاقية الرفيعة ملامح دائمة لشخصيته وسلوكه، وبهذا ينأى عن أي عمل يوجب الزعزعة ونزع الأمن من المجتمع فإن الإيمان هو مصدر المعرفة، وأن توحيد الناس لا يتحقق إلا بتوحيد العقيدة.
وان التربية الإسلامية تدعو إلى النضال المستمر والمنظم ضد بقايا الجاهلية الجهلاء في وعي الإنسان المسلم، بالتركيز في تأكيد مبادئ الأخلاق القرآنية، والنظام الأخلاقي الذي كان عليه سيد الإسلام باني صرح المسلمين ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) الذي مدحه خالقه بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم".