الثورة الإيرانية . . بين الحقيقة والإدعاء !

نشرت صحيفة "أخبار الخليج" في عدد يوم السبت 3 سبتمبر 2009 حديثا دار في المجلس الرمضاني للسفارة السعودية، لدى مملكة البحرين، وكان الأستاذ أنور عبد الرحمن، رئيس تحرير "أخبار الخليج" بناقش في هذا الحوار دور الملالي في اختطاف الثورة الإيرانية التي اشعلها الليبراليون في عام 1977-1978، وكيف تسلم الخميني هذه الثورة على طبق من ذهب ليصبح قائدها ويبدأ بعد ذلك مسلسلاً طويلاً لتصفية واغتيال قادة الثورة الحقيقيين الذين شارك بعضهم في السلطة في البداية، وتمكّن البعض الآخر من الهروب واللجوء إلى المنفي قبل وصول أيادي الغدر إليه.
والجدير بالذكر هنا أن الدكتور أبوالحسن بني صدر، مفكر الثورة كما وصفه الخميني، وأول رئيس للجمهورية الإسلامية، كان من بين أوائل الفارين من جحيم الاغتيالات ... وقد ذكر الإعلام حينها أن بني صدر، رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران، هرب متنكراً في ملابس النساء كي يضمن سلامته، إشارة إلى قسوة الملاحقة التي تعرّض لها بهدف اغتياله.
بعد مضي ما يقرب من عشرين عاماً على تلك الأحداث وهرب رئيس الجمهورية، كتب الدكتور بني صدر مذكراته، باللغة الفرنسية، وسرد فيها الكثير من تفاصيل الثورة وما بعدها، وناقش صاحب الكتاب بعض ما جاء فيه عبر الصحافة والفضائيات . .

ورغم التعتيم الشديد حول هذه المذكرات التي لم تتم ترجمتها حتى الآن، وتلك الحوارات التي خرجت في فترة محدودة وتم السكوت عنها، فإنني، ولحسن الحظ تمكنت من الاحتفاظ، في أرشيفي، بالنسخة الأصلية لحوار مباشر أجرته معه فضائية الجزيرة عام 2005، في برنامج حوار خاص، ويسعدني انشره اليوم لدعم ما جاء على لسان الأستاذ أنور عبد الرحمن في المجلس المذكور حول موضوع الثورة الإيرانية، مستشهدين بهذا النص الحواري كمرجع ووثيقة تاريخية يؤكدها أحد مفكري وقادة الثورة الحقيقيين، ممن احتفظوا بتاريخهم الوطني والأخلاقي بعيدا عن المساومات.

وننشر هنا نص الحوار مع الدكتور أبو الحسن بني صدر كما جاء على الموقع التالي: http://www.aljazeera.net.

تأخر الخميني عن الثورة وليس هو صانعها
س (مقدم البرنامج): كيف وجدت شخصية الخميني؟
بني صدر: وجدت نفسي أمام شخص غريب لا يعطي رأيه، يومئ بالإيجاب أو النفي فقط.
س: تقول في إحدى مقابلاتك إن الإمام الخميني جاء إلى الثورة متأخراً بل انه لم يكن مشجعاً لها إلا بعد أن حصلت أحدث قم، فهل فعلا جاء الخميني متاخراً؟
بني صدر: لقد كانت إيران يومها في غليان، وهو لم يُصدق ذلك، لقد أرسلتُ له عدة رسائل، واتصلت به حتى هاتفياً وقد كان متردداً دائماً وينتظر، ولما تأكد أن الشعب الإيراني قد هب الثورة تحرك عندها، إذ لم يأت قرار الثورة من الخميني بل أتي من الشعب، وهو لم يكن طوال حياته صاحب مبادرة ولكنه رجل ردود أفعال، بعدها استوعبت ما حدث معنا في النجف وفهمت معنى صمته.
س: حين تقول هو تأخر عن الثورة وليس هو صانعها، إذن لماذا تمسكتم به؟ هل لأنه يمثل طبقة أو شريحة اجتماعية كبيرة في إيران أو أنه يمثل الرغبة الدينية في إيران؟
بني صدر: كنا بحاجة إلى الخميني لسببين بسيطين، أولاً لأنه رجل دين له تأثيره الكبير في إيران، ثانيا لأن حركة الشعب الإيراني يومها كانت بدون عنف، كانت كالزهرة في مواجهة البندقية، إذا فالخميني كان يمثل القيادة الروحية لإيصال الشعب الإيراني إلى الانتصار.
س: إذن أنتم في البداية حاولتم استخدام الخميني ثم عاد الخميني واستخدمكم كمثقفين إيرانيين؟
بني صدر: لا . . لا، نحن لم نستخدم الخميني ولا هو استخدمنا، كنا بصدد بلورة وجهة نظر جديدة للإسلام، هذا هو المهم.
س: معه؟
-نعم معه، وهنا تكمن أهمية عملنا، إن المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي لا يثقون بالمثقفين ويعتقدون أنهم يبتدعون أي شئ، كانت ثقتهم عمياء في رجال الدين، هذا هو الذي قَلَبَ الأوضاع في إيران، إن كل هده الدكتاتوريات الحاصلة اليوم إلى زوال والباقي هو الإسلام، والإسلام يحث المسلمين على التغيير. اليوم في إيران لا أحد يخاف من التغيير، إذا لم نستغل الخميني وهو لم يقم باستغلالنا وكل ما في الأمر في إيران، أن الخميني كان تواقاً للسلطة وسعى للوصول إليها مع كل أولئك العاملين لأجلها.
س: سيادة الرئيس دائما تستخدم عبارة كان خائفاً، هل فعلا كان الخميني يخاف؟ وهل لديك دلائل فعلا أنه كان يخاف؟
بني صدر: يوميا تقريبا كان يأتي إلى أحمد (ابن خميني) يسألني: بتقديراتكم هل يرحل الشاه؟ وهل أنتم واثقون من ذلك؟
س: كان يتردد في الذهاب إلى إيران وتلقف الثورة؟
بني صدر: كان خائفا من ذلك، افتراضاً لو توقف الشعب الإيراني ماذا سيكون مصيره؟! لا شيء، نتيجة لتردده هذا قمت بتحضير لائحة من الأسئلة والأجوبة، قلت له فيها أن هذه اللائحة سوف تساعدك في حال بقيت في المنفى أو عدت منتصراً إلى إيران، طلبت منه أن يقرأها جيداً ويجيب عنها لنستطيع فهم مقصده.
س: ما هي أبرز هذه الأسئلة؟
بنى صدر: بعض الأسئلة كانت تتعلق بالإسلام والسلطة، الإسلام والعنصرية، والإسلام والعنف . . الأجوبة كانت ألا تدخل الرجال الدين في أعمال السلطة، وأن التعددية السياسية ضرورية، وأن الدولة الإسلامية المنشودة ستكون ديمقراطية يحكمها الشعب، أي ولاية الجمهور وهي تختلف عن المفهوم السياسي في الغرب، والسيادة هنا تعني الحاكمية، أي السلطة، فالولاية تعنى الصداقة، صداقة الشخص مع الآخر واستشارته له.
س: بعد ذلك ذهبتم إلي إيران وترشحت للرئاسة وطلبت من الإمام الخميني ألا يدعمك وأن يبقى محايداً في المعركة الرئاسية، ثم تحدثت عن الانقلاب من طرف الخميني عليك وعلى الأفكار التي نادى بها في باريس، ما هي أسباب هذا الانقلاب؟ ولماذا طلبت منه أن يبقى محايداً؟
بني صدر: لقد طلبت منه أن يكون حيادياً بيني وبين الآخرين، ولكنه بعد تسلمه السلطة مباشره بدا يخرق الدستور، أخذ إقراراً بتعيين رئيس ومدع عام لمحكمة التمييز العليا وللمجلس الأعلى للقضاء، كان هذا هو أول خرق للدستور، وبعدها وفي خطب الجمعة شجع رجال الدين على تزوير الانتخابات للوصول إلى البرلمان، وذهبت إليه وقلت له: إن هذا الأمر مرفوض، أجابني أن لا كلمة للشعب، الكلمة لرجال الدين، هذا الأشياء الظاهرية، لماذا إذاً الاقتراع في موضوع الرهائن وفي موضوع الحريات.
س: لكنه لم يمنعك من أن تصبح رئيساً؟
بني صدر: بالنسبة إلى الشعب لم يستطع ذلك ولم يستطع الادعاء أني ضد الثورة لأنه يتناقض مع كلامه بأنني كنت مفكر الثورة، لم يستطع تكذيب نفسه أمام الرأي العام وكان مستحيلاً عليه، ولم يكن بإمكان الخميني التبرير أو التوضيح.
س: ولذا قلت سيادة الرئيس أنه كان يستخدمك؟ . .
بني صدر: لا، لا، كان يعلم أني لا أحب الخضوع.
س: إذا كان يريدك رئيساً صورياً.
بني صدر: نعم كان ذلك في نيته لكنني لم أكن الرئيس الذي يريد.

بدايات العلاقة مع الشيطان الأكبر
س: سيادة الرئيس في مراحل معينة نلاحظ أنك كنت تتجابه مع الخميني على الرغم من أنه قد منع اللقاء بك ورفض اللقاء.
بني صدر: آخر مرة التقيته قبل ثلاثة أيام من الانقلاب ضدي في بيته، كان لائقاً بالاستقبال يومها، وقد تحدثنا في مواضيع الساعة، ودخل عنده أحمد فجأة وقال: عندك سيئات، قلت: كل إنسان عنده سيئات فماذا تقصد: قال: إنكم تلحون كثيرا ولا تتراجعون، تتكلمون كثيراً عن تعامل بعض المسئولين الإسلاميين مع الأمريكيين وإنهم يعدون تسوية سرية معهم وتكررونها دائماً، إن المسألة قد انتهت الآن وعاد الرهائن إلى بلادهم فعليكم أن تتعاونوا مع هؤلاء المسئولين، إن الإمام يطلب منكم ذلك . .، عندها وجهت حديثي إلى الخميني وقلت له أذاك صحيح، ألستم القائلين ان أمريكا هي الشيطان الأكبر وأن الاستقلال هو الأساس، فكيف تطلبون مني التعامل مع هؤلاء الناس الذين تأمروا وعملوا مع الشيطان الأكبر!! عندها خرجت من بيته ومن دون أن أسمع كلمة واحدة، ولا كلمة، كان ينظر ولا يتكلم، تحدثت في وجهه وقلت في نفسي هذا هو إمامي لا مجال أبداً للشك.
س: إذن تقول في كتاباتك السابقة أن الخميني انتظر ما يقارب التسعة الأشهر قبل أن يأخذ موقفا حاسماً من الأمريكيين، كان يعلق أهمية على العلاقة المقبلة معهم أم كان هناك اتصالات شبه سرية بين الولايات المتحدة والخميني؟ . .
بني صدر: لم تكن هناك علاقات مشينة بل كان هناك اتفاقات!
س: كيف؟
بني صدر: جاء موفدون من البيت الأبيض إلى "توغل لوشاتو" في فرنسا واستقبلهم آنذاك إبراهيم يزدي، الذي كان وزيراً للخارجية لحكومة بازركان في طهران، عقد اجتماعا ضم مهدي بازركان، الذي أصبح رئيسا للوزراء، وموسوي اردبيلي، أحد الملالي الذي أصبح بدوره رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، خرج المجتمعون باتفاق يقضي أن يتحالف رجال الدين والجيش على إقامة نظام سياسي مستقر في طهران.
(ثم يعرض التلفزيون فيلماً عن أول مؤتمر صحفي عقد بعد انتخاب بني صدر للرئاسة وقد مُنع عرضه في طهران، ويعرض البرنامج صورة مستشار سياسي شاب، وكان يعرف كثيراً عن علاقات الآيات والملالي بالمخابرات الأمريكية، ثم اغتيل هذا الشاب).
س: علاقات الملالي والأمريكيين السرية؟
بني صدر: نعم . . نعم كان هناك لقاءات كثيرة أشهرها لقاء أكتوبر الذي جرى في ضواحي باريس ووقعت فيه اتفاقات بين جماعة ريجان وبوش وجماعة الخميني.
س: لديك وثائق حول هذا الموضوع؟
بني صدر: إذن لماذا أنا هنا؟ هنا لأنني رفضت هذه الاتفاقات، الخميني حاول إقناعي بجدوى التعاون مع الأمريكيين ولكني رفضت ذلك، لماذا؟ لأننا شاركنا بالثورة طلباً للاستقلال وليس للتبعية كما كان الحال في زمن الشاه، لقد شاركنا بالثورة من أجل حريتنا واستقلالنا وازدهار بلادنا.

مخطط أمريكا في مسرحية الرهائن
س: السيد الرئيس، في موضوع الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية في إيران تقول إن الخميني لم يصدر الأمر بأخذ الرهائن، وأنت قمت بضد كل هذه العملية من أخذ أمر اعتقال الرهائن، فمتى تدخل الخميني بالضبط في هذه العملية؟
بني صدر: الدراسات الأمريكية تؤكد أن موضوع خطف الرهائن مسرحية أمريكية نفذت في إيران ولم يُكتشف بعد الشخص الذي نفذت من خلاله العملية.
س: إذا تعتقد أن خطف الرهائن في السفارة الأمريكية كان مشروعا أمريكيا؟
بني صدر: نعم، نعم . . كان مشروعا أمريكيا، حتى أن الحرب كانت مخططاً أمريكيا، قلت يومها أن أمريكا شجعت صدام على ضرب إيران... وكشفت يومها عن زيارة السفير السعودي في الأمم المتحدة للسفير الأمريكي في بغداد لتشجيعه على ضربنا.
س: نقول ان قضية الرهائن كانت مخططاً أمريكياً هل لديك بعض المعلومات التي لم تنشر؟.. وماذا حصل بينك وبين الخميني من الأحاديث؟
بني صدر: بيني وبين الخميني كان يحصل أشياء كثيرة . . بعد خطف الرهائن مباشرة ذهبت إلى لقاء الخميني وانتقدته على هذا التصرف السيئ، وقلت له: كيف باستطاعتكم القول ان خطف بعض الأمريكيين كرهائن هو عمل أكبر من ثورة الشعب، وقلت له: أيضاً: ليس من الشجاعة أخذ سفارة في بلدكم وأخذ الأمريكيين كرهائن... الحجة كانت يومها احتجازهم بضعة أيام وعندما تسلمون شاه إيران نسلمكم الرهائن، كان هذا الاتفاق مع الأمريكيين، وقبلت ذلك يومها والتقيت وزير الخارجية يومها لذلك السبب، كانت هذه الحجة وكان هناك الكثير من ردود الفعل، وبعدها أصبحت رئيساً جاءني أحدهم لزيارتي وأعطاني شريطا مسجلا، كان السيد بهشتي يتكلم في الفيلم مع المقربين له حول القصة بأن عملية الرهائن كانت موجهة ضد الرئيس بني صدر وضد الرئيس كارتر، ذهبت لاطلاع الخميني على ذلك وأخبرته عن قصة رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي عينه وقد كان على حق بأن تصفية الرهائن كانت لتقوية سلطة رجال الدين أكثر فأكثر لهذا السبب استخدموا الرهائن.
س: من جهة تقول ان الأمريكيين هم رواد القضية ومن جهة تقول من أجل أن تعزز وضع الملالي في إيران.
بني صدر: نعم حصل ذلك لأجل خدمة مصالح الفريقين لخدمة الملالي في إيران، وأيضا لخدمة الجمهوريين في أمريكا الذين كانوا يريدون تغيير نفسية الأمريكيين الذين استكانوا للسلام بعد حرب فيتنام، حتى إنهم عادوا إلى عزلتهم المعروفة، لهذا كان يجب إيقاظ الروح العدائية عنهم باستغلال موضوع الرهائن، والنتيجة كانت وصول الجمهوريين إلى السلطة، وقيل كثيراً أن الخطة كانت من إعداد هنري كسنجر والسيد روكفلر ولم تكن بالتأكيد من إعداد الطلبة الثوار، لم تجد طالباً واحداً يحدثنا عن مخطط العملية حتى الآن . . لا نعرف في إيران حتى اليوم من الذي خطط لعملية الرهائن.
س: تحليلك الشخصي؟...
بني صدر: تحليلي أن الخطة لم تكن خطة إيرانية بل كانت خطة خارجية أمريكية.
س: حين تقول خلك سيادة الرئيس هل لديك معطيات ثابتة؟
بني صدر: بالتأكيد، مثلاً، الأول: كان رضا بسنديده ابن أخ الخميني، جاء إلى مدريد ثم عاد إلى إيران، وطلب مقابلتي وقال إنه كان في مدريد، وطلب الأمريكان لقاءه، أعطوه اقتراحات جماعة ريجان وبوش، وقال لي: إذا قبلتها سوف يلبي ريجان جميع طلبات إيران عندما يصل إلى السلطة، وهددني إذا رفضتها بالتعامل مع خصومي السياسيين . . هل تتصورون أن ابن أخ الخميني يخرج من إيران من دون إذن عمه، لم يقل إنه خرج من إيران للقائهم، قلت ربما كان في زيارة لأوروبا وبعدها قرأنا في الكتاب أنه كان مدعواً لذلك . . . ثانيا: كان لدي أحد المعاونين في ألمانيا اتصل به جماعة من حلف ريجان وبوش وعرضت عليه نفس الاقتراحات . . ثالثا: العراق كان قد بدأ حربه معنا، وكنا بحاجة إلى ماذا؟ كنا بحاجة إلى قطع الغيار وإلى الذخيرة والسلاح . . السيد رفسنجاني، رئيس البرلمان، والسيد رجائي جاءاني يومها وعقدا اجتماعاً وأكدا أننا لسنا بحاجة إلى الأسلحة الأمريكية، كنا حينها بحاجة إلى كل شيء، إلا أن الرهائن بقوا حينها في ضيافتنا حتى موعد الانتخابات الأمريكية، كتبت حينها رسالة إلى الخميني لاطلاعه على هذه المعلومات، وبعد هذه التصريحات عُقِدَ اجتماع بين جماعة ريجان وبوش وجماعة الخميني، كان ذلك في باريس وكان هناك اتفاق، وفي مذكراتي اليومية أدون ذلك ليكون الشعب على اطلاع، بعدها كتبت للخميني لإطلاعه على هذه المعلومات، ولم أكن أصدق أنه على علم بذلك، كنت أظن أنه خارج اللعبة، إذن كيف تفسرون إطلاقه الرهائن عشية أداء الرئيس ريجان اليمين الدستوري؟!
س: تحدثنا عن موضوع الحرب الإيرانية العراقية ومررت إلى إسرائيل، هل كنت على علم بوجود علاقات معينة مع إسرائيل لأجل الحصول على السلاح؟
بني صدر: في المجلس العسكري أعلمنا وزير الدفاع أننا بصدد شراء سلاح من إسرائيل، عجبنا كيف يفعل ذلك، قلت: من سمح لك بذلك، قال: الإمام الخميني، قلت هذا مستحيل! قال: أنا لا أجرؤ على عمل ذلك لوحدي . . سارعت للقاء الخميني وسألته: هل سمحت بذلك؟ قال: نعم إن الإسلام يسمح بذلك، وإن الحرب هي الحرب، صعقت لذلك، صحيح أن الحرب هي الحرب، ولكنني أعتقد أن حربنا نظيفة، والجهاد هو أن نقنع الآخرين بوقف الحرب والتوق إلى السلام، نعم هذا الذي يجب عمله وليس الذهاب إلى إسرائيل وشراء السلاح منها لحرب العرب، لا لن ارضي بذلك أبداً، حينها قال لي: إنك ضد الحرب، وكان عليك أن تقويها لأنك في موقع الرئاسة.

التعامل مع إسرائيل في الحرب ضد العراق
س: السيد الرئيس السؤال فعلاً محرج، كيف أن الخميني الذي قاد كل هذه الثورة الإسلامية، ووضع القدس واستعادتها وحماية فلسطين في أولوياته، كيف يمكن أن يشتري السلاح من إسرائيل؟! حين نسمع منك هذا الكلام لا نستطيع أن نصدق شيئا مماثلاً.
بني صدر: حتى اليوم وقبل ستة أشهر كان الإسرائيليون قد ألقوا القبض على بعض المواطنين المتورطين في بيع الأسلحة لإيران، لقد حاولت منع ذلك -شراء الأسلحة من إسرائيل- خلال وجودي في السلطة وبعدها كانت إيران -جيت، ما معني إيران- جيت إنها فضيحة شراء الأسلحة الأمريكية عبر إسرائيل.
س: قلت إن الخميني قال لك: إذا لم ترد أسلحة عبر إسرائيل فتش عن دولة أخرى، من هي الدول التي أعطتكم السلاح في بداية الحرب؟
بني صدر: بالنسبة للخميني كان شراء الأسلحة مسموحاً به من كل مكان حتى من إسرائيل، شكلت آنذاك لجانا ذهبت إلى أوروبا وإلى مصر لأن هناك عقوداً بينهم وبين الشاه.
س: اشتريتم السلاح من مصر ضد العراق؟
بني صدر: نعم.. نعم من مصر ضد العراق.
س: السيد الرئيس تتحدث قبلاً عن بداية الحرب العراقية الإيرانية، تقول في كتاباتك انك قلت لياسر عرفات ليقول لصدام حسين لا نصنع الحرب قد الثورة، أولا: هل تجربة الاتصالات بينكم وبين صدام حسين عير ياسر عرفك وعبر آخرين، وكيف كانت تجربة الاتصالات وما هو الدور الذي قمت به من اجل منع نشوب هذه الحرب فعلاً.
بني صدر: طلبت من السيد ياسر عرفت لذهاب إلى بغداد وإفهام صدام حسين أن كل دولة تشن حرباً ضد أي ثورة فمصيرها الفشل وليستفيد من التاريخ، حتى الدول العظمي لم تستطع القضاء على المجموعات الصغيرة الثائرة، ولن يستطيع اليوم الانتصار علي شعب إيران الثائر وكان الفشل للأسف بعد مكوث ياسر عرفات عدة أيام عاد ليخبرنا أن صدام طاووس مصمم على مواصلة الحرب، وأنه قادر على حسمها في ثلاثة أو أربعة أيام.
س: هل حصلت اتصالات أخرى مع صدام حسين؟
بني صدر: بعد فشل مفارضات ياسر عرفات وصدام حسين كانت هناك محاولات أخرى لوقف الحرب منها ما قام به حفيد أحد رجال الدين المجاهدين في العراق، وهو أبو الحسن الأصفهاني، أرسله صدام حسين للمفاوضات من أجل السلام يومها لكن الخميني رفض.
س: كيف؟
بني صدر: قال لنا يومها مبعوث صدام: ها قد انتصرت الثورة الإسلامية وتخلصتم من الشاه دعونا نشيد السلام بين بلدينا، قلت للخميني: لنقبل اقتراحاته، أجاب: لا إن نظام صدام حسين محكوم عليه بالسقوط، وسيسقط خلال ستة أشهر على الأكثر، ولكي نعفو عنه أرسل مبعوثه هذا!!! إذن رفض ذلك.
س: هل كنت ضد الحرب وأشرفت عليها لكونك رئيسا للجمهورية؟ . .
بني صدر: لأن صدام فرض علينا هذه الحرب ولقد أصبت بمرض على جبهة القتال لأنني لم أتحمل هذه الحرب الغبية، حاولت كثيرا إيقافها، والشاهد على ذلك أنه بعد مؤتمر عدم الانحياز كانت الحرب ستتوقف لأنني وافقت على مشروع لأربعة وزراء خارجية جاءوا إلى إيران بعد موافقة صدام حسين على ذلك ولكن رجال الدين في إيران كانوا يريدون استمرار الحرب.
س: هل الإمام الخميني كان يحدثك عن العلاقة مع الجوار العربي، مع دول الخليج، هل كانت لديه أطماع في التقدم عسكريا باتجاه الدول من اجل تصدير الثورة مثلاً؟
بني صدر: لم يحدثني بهذا الموضوع ولكن كان هناك مشروع آخر، كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج الفارسي للسيطرة على بقية العالم الإسلامي، كان الخميني مقتنعا بان الأمريكيين سيسمحون له بتنفيذ ذلك، قلت له أن الأمريكيين يخدعونك، ورغم نصائحي ونصائح ياسر عرفات الذي جاء ليحذره من نوايا الأمريكيين فإنه لم يكن يريد الاقتناع.
س: الرجال الذين كان لهم تأثير على الخميني، قلت إن رفسنجاني كان يُضحكه، كان له تأثير عليه، من الذي كان يدفعه أكثر باتجاه الحرب، وهل كنتم فعلا تخشون الخسارة في الحرب مع العراق؟
بني صدر: الخسارة في أول الحرب كانت ممكنة، لكن بعد احتدامها استطعنا إيقاف تقدم القوات العراقية، وكنا نعرف أن الوقت كان إلى جانبنا، ولكن ليس لأمد طويل، بعد الانقلاب ضدي وبعد وصولي إلى باريس قلت له انه إذا استمر الملالي في الحرب فإنهم سوف يخسرونها حتما وهذا ما حصل . . رفسنجاني كان له أثر كبير في البلاد وكان يدير شؤون الحرب بالتعاون الوثيق مع أحمد الخميني، ولأنه كان يدير شؤون هذه الحرب فقد كان رفسنجاني يخيفني، لأنه أراد مواصلة الحرب واحتلال البصرة، وباحتلالها يسقط صدام حسين، كان هذا مشروعه وكل قيادة الجيش كانوا يعارضون ذلك وقالوا إن احتلال البصرة سيطيل أمد الحرب.
س: التفكير في تأسيس حزب الله اللبناني، طبعا أنت كنت تركت السلطة ولكن كنت في ذلك الوقت تحدثت مع الإمام الخميني أو مع محيطيه في تأسيس حزب شيعي في لبنان لأجل مقالة إسرائيل أو لأهداف أخرى.
بني صدر: بالنسبة إلى موضوع لبنان كنت مع دعم الشعب اللبناني وليس دعم منظمة على حساب الشعب، عندما كنت في السلطة لم يكن هناك وجود لحزب الله في لبنان، بعد تنفيذ الانقلاب ضدي وجد السفير الإيراني في سوريا الفرصة سانحة لتأسيس هذا الحزب.
س: هل حاول العراق الاتصال بك بعد الانقلاب الذي حصل ضدك؟
بني صدر: بالطبع، آخرها كان بعد عاصفة الصحراء حتى دعوني إلى زيارة العراق.
س: كيف حصل اللقاء؟
بني صدر: جاء شخصان لزيارتي أحدهما لبناني وآخر فرنسي.
س: هل يمكن أن نعرف الأسماء؟
بني صدر: لا يريدون كشف الأسماء، عرضوا علي هذه الدعوة لكنني رفضتها، عرضوا على استقبال نواب عراقيين من قبل صدام، أجبتهم بوضوح: يريد صدام استخدام اسمي لتخليصه من الورطة التي وقع فيها مع الأمريكيين واقترح إلغاء الدكتاتورية في بلاده وتنفيذ الديمقراطية، كي أقوم بمساندتكم.


كلمات دالة: