أثر الثقافة في التربية (3)

نقل التراث الثقافي له أثر في تحديد وظيفة التربية من جيل إلى جيل فالتاريخ يعيد نفسه، وهو لا يعني حصر وظيفة التربية بعملية الناقل، كما توهمها البعض وادعى أنها تحجب وظائف التربية في تجديد المجتمع، واستثمار ذكاء الأفراد وتنمية أوجه الكمال عندهم، فإن التراث الثقافي ونقله وظيفة مهمة لا تعني ما توهموا لأنه ثمرة جهود مشتركة عبر حقب تاريخية، وهذا يعني أن هذا التراث يخضع للتجربة والفحص والنقد والتنقية.
وهذا لا يعني مخالفة التجديد فإن التجديد لا يتجاهله أحد فإن الثقافة التي لا تتطور لا وجود لها.

تعريف الثقافة 
علينا أن نضع اللمسات في تعريف الثقافة لترى أثرها الواضح في التربية التي هي الأساس في البحث.
قالوا في الثقافة الكثير ويمكن أن نستخلص أمرا جامعا هو أنها
• أي الثقافة - تعنى أسلوب الحياة في مجتمع ما، تعني الوسائل والأدوات والأفكار والعقائد والقيم والعادات التي يتم الرجوع إليها في ممارسة الناس حياتهم وفق ما يرونه من أسلوب.
• وإذا راجعنا لغتنا العربية رأينا أن مادة ثقف تعني الاستقامة، وثقف الرجل ثقافة صار حاذقا، وغلام ثقف أي ذو فطنة وذكاء.
• والثقافة لها معنى خاص ومعنى عام:
  - المعنى الخاص يعني تنمية بعض الملكات العقلية أو تسوية بعض الوظائف البدنية.
  - والمعنى العام هو ما يتصف به الرجل الحاذق المتعلم من ذوق وحس انتقادي وحكم صحيح.
• أو هي التربية التي تؤدي إلى إكساب الإنسان هذه الصفات.
• وبعبارة الثقافة تتشكل في الإطار الاجتماعي من خلال حياة أفراد المجتمع في داخل مجتمعاتهم، وتلاقح ثقافتهم مع الثقافات في المجتمعات الأخرى التي يرتبطون معها بعلاقات ما، حتى لو كانت علاقات سلبية: أي نزاع أو اقتتال.
والعلم ؟ ما هو تأثيره في الثقافة ؟
لا شك أن العلم شرط ضروري في الثقافة - كما يقول روستن - ولكنه ليس شرطا كافيا "إنما يطلق لفظ الثقافة على المزايا العقلية التي أكسبنا إياها العلم حتى جعل أحكامنا صادقة وعواطفنا مهذبة".
ومن شرط الثقافة بهذا المعنى أن تؤدي إلى:
  - الملاءمة بين الإنسان والطبيعة.
  - بينه وبين المجتمع.
  - بينه وبين القيم الروحية والإنسانية.
• يقول ( نيلز ) : أن الثقافة هي أسلوب الإنسان في ممارسته الحياة في مجتمعه.
• وقال ( كلكهون ): الثقافة وسائل الحياة المختلفة التي توصل إليها الإنسان عبر تاريخه الطويل، السافر منها والضمني والعقلي واللاعقلي والتي توجه سلوك الناس في وقت معين، وترشيد خطواتهم في مجتمعهم.
• وقوله ( في وقت معين ) يعني أن الثقافة لا تبقى على حالها بل تتغير مع الزمن.
• وعرف ( كلباترك ) الثقافة بأنها: كل ما صنعته يد الإنسان وعقله من اشياء ومظاهر في البيئة الاجتماعية فهي ليست مقصورة على الجانب المعنوي بل تشمل ما صنعته يد الإنسان حتى المعدن والفخار والأسلحة بل الشوكة والملعقة كل ذلك من جوهر ثقافة الإنسان.
• أما تايلور فقد قال: "إن الثقافة ذاك الكل المعقد الذي يشمل المعارف والمبادئ والقوانين والأعراف والأخلاق والعادات والفنون التي يكتسبها الإنسان من عضويته بجماعة معينة".
ونرى أن الرجل خص الثقافة بالجانب المعنوي، ولم يتعرض للجانب المادي، ولعله اختص ذلك بالمدنية مفرقا بينها وبين الثقافة، على أن بعضهم قد جعل للمدنية جانبا ثقافيا وبعضهم يرى أنها (المدنية) خرجت عن الثقافة بما لها من حدود، فالمدنية تتصل غالبا بالجانب التكنولوجي وهو "ما تتبادل الشعوب خبراتها فيه أكثر من تبادلها الخبرات المتصلة بالجانب المعنوي للثقافة"، كما وصفها (ابن خلدون) بالعمران، وأنها ثمرة جهد الإنسان ونشاطه الفكري يسد بها نقص طبيعته على الفطرة فيحيا من خلال العمران البشري حياة زاخرة بالصنائع. وبهذا نراه يؤكد أن الثقافة لأي أمة من الأمم ليست بالأمر المتوارث بل هي مكتسب ومتعلم، فالثقافة تمثل الجهد البشري الهادف إلى التطوير والتغيير على الفطرة كما قال.
الخلاصة:
1 - أن الثقافة لا يكتسبها الفرد لو بقي منفردا، وإنما يكتسبها بحكم انتمائه كعضو في جماعة.
2 - إن الثقافة تظهر لدى الأفراد في المجتمع ولكنها مستقلة عن وجود الأفراد كأفراد، فمثلا اللغة الفرنسية تظهر بوضوح حين يتحدث الفرنسيون مع بعضهم ولكن لهذه اللغة وجودا مستقلا بدلالة أن بعض شعوب إفريقيا تستخدم الفرنسية وسيلة اتصال وتفاعل اجتماعي.
3 - ان الثقافة يعكسها الجانب المعنوي مثلما يعكسها الجانب المادي لحياة الناس كما يظهر في لباسهم أو طعامهم أو وسائل المواصلات عندهم.
• اللباس الأبيض ثقافة إسلامية.
• غسل اليدين قبل وبعد الطعام.
• عدم ( التمندل ) بعد الوضوء.
• بدء صاحب الدار بالطعام قبل الضيف وغسل اليدين من بعد الضيف.
• إن الثقافة هي المجمل الكلي الذي يتجاوز حده وعناصره مجتمعة.
( يتبع)


كلمات دالة: