علاقة التربية بالمجتمع (٤)

هناك علاقة وثيقة بين التربية والمجتمع، لأن المجتمع هو "الوسط الذي تقوم فيه العملية التربوية"، بما يحتوي من مؤسسات تتولى دور المربي، وبما أن أفراد المجتمع هم الذين تتوجه التربية إلى تنميتهم، سعى الدين الإسلامي إلى تنشئة أفراد صالحين وكلفهم العناية والرعاية بالتربية، قال الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في هذا: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، فهي أمانة في أعناق أفراد المجتمع، قال تعالى: "قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة"، فالمجتمع الذي لا يعني أهله بالتربية يشتعل بنار الجهل والتخلف قبل نار الآخرة، التي تمس الجاهلين المتخلفين فيكونون وقودا لها مع القيادات الفاشلة الفاسدة التي هي حجارة النار.
لهذا كان لزاما على المجتمع أن يتبنى فلسفة صالحة قويمة ليشتق منها أهداف التربية لتكون استجابة لما يشيع احتياجات المجتمع.
فالمجتمع لا تقوم قواعده ولا يُبني صرحه إلا بالنظام التربوي، لتنعكس ثمرات هذا العمل على المجتمع من خلال تطوير قدرات الأفراد على القيام بأدوارهم الاجتماعية كما صنع النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في صناعة رجال المجتمع من خلال تربيته المشرقة من القرآن "يتلو عليهم آياته". فالتربية لا تمارس إلا في وسط اجتماعي، لأن عمليتها لا تتم في فراغ بل في ظروف تقوم على تفاعل اجتماعي.

لأن الأفراد هم المادة الواقعية للمجتمع وليس للأفراد وجود يتصوره الإنسان مستقلا عن علاقات الأفراد بعضهم ببعض، هذه العلاقات في الحقيقة مؤسسات اجتماعية، فأي تربية إنما تعبر عن وجهة نظر اجتماعية لأنها تقوم على: "اعتماد نمط معين من المبادئ والخبرات القائمة في نظام اجتماعي" (د. إبراهيم مطاوع).
ارتباط التربية بالمجتمع
لابد أن ترتبط التربية بالمجتمع وذلك للأسباب الآتية (كما جاء في كتاب "أصول التربية" د. محمد الشبيني):
أ - أن المجتمع هو المكان الذي يعيش فيه الإنسان ويتعايش مع أفراده وجماعاته، ويواكب تقدمه أو تخلفه، ويحقق فيه رغباته وميوله وطموحاته.
ب - إن المجتمع هو البيئة التي تتشكل فيها ذاتية الإنسان وتتكون هويته وتتجدد فيها اتجاهاته السلوكية وتنمو مواهبه.
ج - إن تنمية المجتمع تتطلب المشاركة الإيجابية من فرد يتمتع بصفات المواطن الصالح، ومثل هذا الإنسان لابد أن تكون تربيته متناغمة مع مطالب المجتمع وخطط التنمية فيه.
د - إن مشاركة الفرد في مجتمعه كعضو (باعتباره عضوا ناشطا) تعني - هذه المشاركة - تفاعله مع تاريخ هذا المجتمع وحاضره ومستقبله، لأن هذا المجتمع هو وعاء التراث والثقافة والعلوم والفنون والآداب والقيم والعقائد والتقاليد، التي لا يجد الإنسان نفسه إنسانا إن لم تصبح هذه الأمور شيئا من كيانه".
أقول: إن ما تقدم صحيح لأن حياة الإنسان منوطة بالمجتمع، فالإنسان مدني الطبع كما قالوا على العكس من كل الكائنات الحية، فهو منذ ولادته تبصر عيناه مجتمع الأسرة التي تعنى بالمحافظة عليه وعلى بقائه صحيحا سليما معافى وعلى إشباع حاجاته البيولوجية وعلى تعليمه اللغة والعادات السلوكية والخبرات الكثيرة التي هي مفتاح شخصيته.
فإذا ما تعلم المشي والجري والكلام اتبع مجتمعه فضم رفاق اللعب ثم إذا دخل المدرسة اتسع أكثر فأكثر وتزداد علاقاته تفاعلا وتشابكا وإذا به ينتمي إلى مجتمعات متعددة في آن واحد، مع التلاميذ، مع المعلمين، مع أهله، مع أقاربه، مع الجيران، ويجد نفسه بحاجة إلى أن يقوم بدور التنسيق بين أدواره في هذه المجتمعات وما ينتظره منها، لذا حاول الرسول الكريم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أن يصوغ مجتمعا صالحا يملك معارف و عادات وقيما مفيدة فما استطاع تشكيل هذا المجتمع في مكة فحاول في الطائف فلم يستجيبوا له، فأمره الله بالهجرة إلى المدينة المنورة، فاتسع النطاق وكون مجتمعا فيزيقيا وفكريا أيديولوجيا عالميا.


كلمات دالة: