المبادئ الإسلامية لتحقيق الأمن الاجتماعي « ۱ »

ديننا في أعمالنا الفكرية أن نضع لكل مادة مبحوثة تعريفا مستمداً من اللغة العربية والمصطلح العلمي، لكنا وجدنا أنفسنا غير قادرين على وضع تعريف للأمن، على الرغم مما قالوا فيه من شروح تكاد تكون لفظية أكثر منها علمية، تلك بسبب وضوح المعني، فالأمن قائم بالذات، كأنه من الوجدانيات التي يشعر ويحس بها العاقل وإن لم يلتفت لها إلى تعريف.
ولا غرو فالأمن روح الوجود وجوهره، فكما أن الوجود لا يعرف إذ هو الواقع في تعريف الأشياء فكذا روحه - أي الأمن - الذي كان في الأزل ركيزة الحياة للإنسان الأول، منذ البدء، على هذا الكوكب إذ أهبط بالأسرة الأولى للإنسان (أدم وزوجه) من السماء بعد إجراء اختبار تكويني عليهما لإثبات صفة الحرية والاختيار الذاتي فيهما، وإجراء ذلك في السماء دون الأرض لعدم صلاحية الأولى للتكاليف المولوية كما في الأرض، فيكون التكليف فيها إرشاديا، ولو أجري الاختبار على أدم في الأرض التي هي ظرف للتكاليف المولوية لكانت المخالفة منه لسيادة القانون مانعة من خليفة لتحقق المعصية المانعة من الاستخلاف الذي أثبت الحرية للنوع البشري.
في قصة الأكل من الشجرة حيث لا عهدة تكليفية مولوية هناك، لقد أخبر الرب أدم وزوجه بأن الحياة على الأرض ستحاط بالأمن والأمان، أخبروا بأن الحياة على الأرض مكتنفه بالأمن والأمان: "لكم فيها مستقر ومتاع إلى حين".

والمستقر والاستقرار ثمرة الأمن والأمان، فلولا الأمان لما حصل استقرار، فالأمن غاية والاستقرار المغيي، فإذا فقد الأمن حل ما يزعزع الوضع في خلق حياة قلقة مضطربة، وإذا فقد الاستقرار فقد الاستقلال وحل الاستغلال والقمع والاحتلال. فالاستقرار يوجب الحياة الناعمة المطمئنة والرفاه ويعمل قدما على شق الطريق نحو الأفضل من العلم والعمل، ويستفاد من قوله تعالى: "ولكم فيها مستقر ومتاع"، أن المتاع ما يستمتع به الإنسان في حياته المعاشية والمعادية وله ارتباط بالأمن والاستقرار.
فانظر كيف ربط الاستمتاع في متع الحياة بالأمن والاستقرار؟ ولعل أوضح من ذلك قوله تعال : وضرب الله مثلا قرية "كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان".
إن الأمن علة وسبب لإتيان الرزق من كل مكان، وهذا غاية الحياة الرافهة الفارهة المطلوبة، وفيها إشارة إلى استمرارية الحياة الاقتصادية في ظل الاستقرار والأمن، فالاقتصاد وليد الأمن إذ لا اقتصاد في ظل الزعزعة الاجتماعية والاضطراب.
ومن الآيتين السابقتين نستنبط أن مركز الجاذبية في بناء أي مجتمع يتحول إلى تنظيم الاقتصاد، إذ الاقتصاد المشار إليه بالمتاع في الآية الأولى وبالرزق في الآية الأخرى يحتل مكان الأولوية إذ كان يسير بشكل مدروس وفق مخطط يقوم على أساس من التطبيق الواعي للقوانين الشرعية في هذا المجال من الملكية الفردية، "الناس مسلطون على أموالهم"، وحرية التجارة والمكاسب تحت رقابة الدولة والقانون مع حظرها ما يضر بالمجتمع، وهذا من مهام الدولة الإسلامية في مضمار التنظيم الاقتصادي، والترقي الثقافي، والسمو التربوي، بنماء مطرد مع سير البناء المنشود في الإسلام الحنيف.
ولعل ما يفيدنا في الموضوع الحديث المعروف: "حصنوا أموالكم بالزكاة".
فالزكاة، وهي الضريبة المفروضة في النظام الاقتصادي الإسلامي غايتها التكافل الاجتماعي الذي ينفي الثورة أو التحرك أو الاعتداء من العفاة والمعوزين على أرباب الأموال، مما له الأثر الكبير في استتباب الأمن الاجتماعي في الوسط المسلم فأداء الزكاة يبدأ على الفور في إيجاد المتطلبات اللازمة لإزالة الشحناء الموجبة للقلق وعدم الأمن، فيصبح شرطا لازما لاطراد نمو الإنتاج الاجتماعي والتقدم المتناغم والشامل لجميع الأفراد ولانتصار قانون الإسلام الحنيف من تحرير الأغنياء من المصلحة الخاصة في أي نوع من أنواع العمل وهو يرتبط ارتباطا لا ينفصم بزوال الطبقية المنبوذة والتفاوت الاجتماعي فكلكم من آدم وآدم من تراب.