النظام الديني وأثره (٦)

النظام الديني وعلى رأسه الإسلام الحنيف يتطلع إلى آفاق حياته الروحية وفي ضوء هذا كان يتولى توجيه عواطف الناس وفق شعائر معينة كما ذكرنا مأخوذة من الكتاب والسنة اللذين حددا التعدد ضمن شروط العدالة الاجتماعية ضمن نظام تربوي يقوم بتنشئة الأفراد في ضوء تراث ثقافي مشترك وإكساب النشء المعارف وطرائق العمل، والخبرة في التعامل مع تقنيات العصر والمساهمة في تطويرها.
أولى مؤسسات النظام التربوي:
1- معروف أنها "الأسرة" فهي تمثل النظام الأسري.
2 - النظام الاقتصادي بما يقوم به من انفاق في هذا المجال.
3 - النظام الديني بما يقوم به من توجيه وإرشاد للنشء وفق معالم الدين والعشرة والحقوق والواجبات.
4 - المدرسية وهي تلي الأسرة في القيام بوظيفة هذا النظام.

والمدرسة هنا بأدوارها الأولية والابتدائية والثانوية والجامعية والمعهدية، مع الفارق بين البيت والمدرسة، فالأسرة تقوم بواجبها وفق قواعد شفوية، وتربية كلامية، يقوم بهما الأب والأم أو غيرهما، أما المدرسة بكل مراحلها فتقوم بالدور وفق شروط وأسس وقواعد وخطط ومناهج معتمدة كتابيا ومدروسة دراسة دقيقة.
5 - الأجهزة الإعلامية والمكتبات ودور النشر، والأندية والجمعيات.
كل ما تقدم من الأنظمة يقوم بدور تقويم عمله ووضع الترتيبات اللازمة للإصلاح والتطوير كلما اقتضت الظروف، فلكل زمان دولة ورجال، وقد وضع الإسلام لهذه المؤسسات أنظمة محددة للجوانب الأخلاقية والأدبية من أجل أن يبقى المجتمع دائما في تقدم مطرد، ليسير الناس منتظمين باتجاه تحقيق أهداف سامية، تكون في خدمة الأفراد باعتبارهم أعضاء في مجتمع وتكون في خدمة المجتمع باعتباره نظاما عاما له مؤسساته وثقافته وحاجاته ومشكلاته.
شروط التربية الاجتماعية:
ضرورة التربية للمجتمعات والأهداف الاجتماعية للتربية.
ما هي الأهداف والوظائف؟
1 - الوظيفة الأولى: إن التربية ضرورة لبقاء حضارة المجتمعات ودوامها. فهناك ارتباط بين ازدهار التربية والعلوم والفنون والآداب والفلسفة، وشموخ الحضارات القديمة عند البابليين والفراعنة والإغريق والرومان والصينيين.
فلو لم يكن أولئك المساهمون فيما ابتدعته الحضارات مؤهلين لدور فاعل بسبب أنظمة تربوية خلفت أجيالا مؤثرة لما توصلوا إلى كل ذلك الإبداع، ولكانوا أضعف من أن يشرفوا سمعة تلك الحضارات، ولتوارت بالحجاب ولم يكن لها أي ذكر أو اسم أن تترك تراثا ثقافيا مميزا.
فمثلا: اندثار كل الأنظمة الاجتماعية في أوروبا في العصور الوسطى من دون أن تترك أثرا ثقافيا يخلدها بسبب سيطرة الجهل وتفشي الأمية، وضيق أفق الأنظمة التربوية في حين كانت الحضارة الإسلامية المعاصرة لها، التي حثت على التعليم والتربية وجعلتهما مبثوثين في كل أوساط المجتمع قد خلدت تراثا لايزال ينظر إليه بتقدير بالغ بعد كل الفترات الزمنية التي مرت علي خمود جذوتها.
2 - التربية هي ضرورة لبقاء المجتمع واستمراره: "وإنما الأمم الأخلاق"، والأخلاق أساس التربية، فأساليب حياة المجتمعات وأنماط تفكيرها وقيمها وعاداتها ومعارفها لا تنتقل من جيل إلى أخر بيولوجيا، وإنما تكتسبها الأجيال المتعاقبة عن طريق التربية والتعليم والمشاركة في الخبرات، ومهما تكن بساطة التراث الاجتماعي في فترة ما، فإن المعادل السلوكي لهذا التراث لا ينشأ مع الأطفال بولادتهم فيه وإنما بتعلمهم إياه.
3 - التربية ضرورة للتطبيع الاجتماعي للأفراد: فعمليات الاندماج والتكيف، والتفاعل، والتوافق الاجتماعي كلها تقوم على اكتساب معارف، وعادات، وأنماط سلوكية، ونشوء عواطف وقيم تستمد بفعل العمل التربوي الذي تتولاه الأسرة، والمدرسة، والنادي، ووسائل الإعلام، والتنظيمات الاجتماعية الأخرى.
4 - التربية ضرورة لتعليم الأفراد أدوارهم التي تقتضيها مراكزهم الاجتماعية: فإن التربية بمختلف مؤسساتها تساعد الأفراد على تعرف حقوقهم وواجباتهم التي تترتب عليهم بحكم انتمائهم إلى مجتمعهم، ولذلك نجد المؤسسات التربوية تزود الأفراد بالمعلومات والمعارف والخبرات، وتكسبهم العادات والاتجاهات، والوسائل التي يلجأون إليها في أداء أدوارهم التي تقتضيها مراكزهم الاجتماعية خصوصا عندما يكون على الفرد القيام بأدوار تخصص في مجتمعه يصعب على من لم يتلق تعليما مباشرا متصلا بذلك الدور أن يقوم بها، فقد يقوم الفرد بدور الابن أو الأخ أو الزوج من دون تعليم مخصوص وموجه، ولكنه لن يستطيع القيام بدور الطبيب المجرب العصري أو المعلم من دون إعداد مركز ومميز يخص المهنة التي سيلتحق بها.
5 - التربية ضرورة للحفاظ على هوية المجتمع: إن هوية المجتمع إنما تتشكل عبر تاريخه مع الأحداث والأفكار والعقائد والتصورات والانفعالات والعواطف وتتمثل في حضارته وفي مدنيته وثقافته وعاداته وقيمه وفنونه وآدابه وعلومه.
إن الإنسان لا يأتي إلى الحياة جاعلا هوية مجتمعة ولا يستطيع هو بنفسه أن يتقمصها، لأن صورتها القائمة في وقت ما تمثل آخر ما تطورت إليه هذه الهوية ولذلك تكون بمثابة مجموعة من الرموز الاصطلاحية يصعب إدراك ما ترمز إليه، إن لم تتول المؤسسات التربوية تحديد جوانب ومضمون هذه الهوية، وتكييف المناهج والخطط لعمليات تطبيع النشء وفقا لدلالات الهوية المجتمعية ثم اتخاذ الوسائل والطرائق المناسبة للتدرج مع النشء في إكسابهم هذه الهوية، وأخيرا تبادل صور التعاون والتنسيق مع أنظمة المجتمع الأخرى لضمان عدم إيقاع النشء في التناقض وهم يتعاملون مع رؤى الأنظمة المختلفة لمضمون هويتهم وشكلها، فينحرفون نحو السلوك المعوج الذي يقود إلى العنف، فالإرهاب، فزعزعة الأمن والانضمام إلى المنظمات التخريبية والضالة التي تصب جام إجرامها على الآمنين فتقلب جنة المجتمع إلى جحيم


كلمات دالة: