إذا أردت أن تعرف ماذا يحدث في البحرين.. فاسأل عما يحدث في لبنان

نعيد اليوم نشر مقال قديم ومهم للكاتبة، والوزيرة حالياً، الأستاذة سميرة رجب، كنا قد نشرناه بهذه الصحيفة سابقاً في 19 ديسمبر 2006، وارتأينا إعادة نشره لارتباطه الشديد بأحداث اليوم كما كانت بالأمس، وتذكيراً بدورنا في إلقاء الضوء على الأخطار التي تمر بها المنطقة، وأسبابها وتداعياتها، وهي أخطار لم تنته، بل بدأت ملامحها تزداد وضوحاً، من اليمن إلى سوريا، من العراق إلى البحرين، ولا تزال تتفاعل مع استمرار القصور في مواجهتها.

«وفيما يلي نقدم النص الكامل للمقال الذي نشر تحت العنوان المشار إليه أعلاه»:
قال الدكتور محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني الأسبق، وبطل تأميم النفط الإيراني، في المحكمة العسكرية التي كانت تحاكمه بعد فشل محاولته الانقلابية على نظام الشاه في عام 1953 «يا حضرات القضاة، إن الفيلق الديني الذي وقف معكم لإسقاط حكومتي، لو تحلقون لحاهم فسترون على رقابهم ختماً يقول (ساخت إنجليز) أي صنع في إنجلترا» (من جلسات المحاكمة العسكرية لمحمد مصدق)... وضجت قاعة المحكمة لهذه المقولة بصرخات ثائر رافض للمحاكمة وساخر مستنفع منها.
وها نحن نعيش أحداثا لا نجد لها تفسيراً لشدة تضاربها مع مصالحنا الوطنية إلا بما قاله هذا الحكيم الإيراني الوطني قبل أكثر من نصف قرن.. ومن هناك ننطلق لنفسر أحداث البحرين المرتبطة بأحداث المنطقة أكثر من علاقتها بأية مصلحة أو هدف وطني أو قومي، وآخرها الحدث الذي خلقته كتلة الوفاق بمقاطعتها جلسة افتتاح المجلس الوطني.. ولشدة إتقان حبكة هذه الأحداث باتت تقنع البسطاء من الشباب المغرر بهم بتوجيه أيديولوجي يعتمد على خواء الوعي الفلسفي والمنطقي وافتقار الخطاب الديني السائد إلى العقلانية.
في منطقتنا العربية تتسلسل الأحداث من دون تدوين، فنفقد طريقنا في مواجهتها.. ولذلك سنبدأ من بعض البدايات التي جاءت إلى المنطقة بحروب ومعارك وخلافات لها أول وليس لها آخر. من المحطة الأولى، هناك حيث بدأت فكرة تصدير الثورة إلى العالم الإسلامي، بدءاً بالمنطقة العربية.. من فكر آية الله الخميني الذي «يرفض أي نوع من أشكال التدخل الخارجي في أي شأن من شئون الدول الأخرى»، وينفي ذلك بمقولة أخرى بقوله إنه «حيثما وجد كفاح ضد المستكبرين فسنكون موجودين، نحن نهدف إلى تصدير ثورتنا إلى كل الدول الإسلامية بل إلى كل الدول حيث يوجد مستكبرون يحكمون مستضعفين.. وفي هذا تقول الدكتورة نيفين مسعد في كتابها «صنع القرار في إيران، ص 63» إن الخميني يميز بين حروب هجومية لا تلجأ إليها إيران لتصدير ثورتها، وحروب دفاعية تضطر إليها اضطرارا، لكن الحدود الفاصلة بين الدفاع والهجوم حدود شديدة الالتباس في واقع الأمر. ولقد عبّر رمضاني، المحلل السياسي الإيراني (المعارض) عن هذا الالتباس بدقة فأشار إلى أنه طالما آمنت إيران بأن حدود الدولة الإسلامية تتجاوز حدودها السياسية كدولة قومية، فإن مؤدى هذا إكسـاب الدفـاع عن النفـس أبعـاداً تتجـاوز الحـدود الفعليـة للجمهوريـة الإسـلامية. ودلّل على سـلامة تحليله بتطـوير إيـران حربهـا في العـراق من الدفـاع إلى الهجـوم
(R.K. Ramazani, “Iran’s Islamic Revolution and the Persian Gulf” /1985)... أما التكتيكات المتبعة في تصدير هذه الثورة فقد أوجز هاشمي رفسنجاني أهم بنودها بقوله «إن دعم الحركات التحررية من دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول يبدو مشكلة، ولكن الفاصل بين الأمرين دقيق جداً. إننا نحاول ألا نتدخل... إننا لا نقوم بالعمل بأنفسنا، إننا لا نقوم بعمل فيزيقي داخل هذه الدول إلى الحد الذي يحسب تدخلاً، ونقوم بالدعم. وهذه المسألة تنطبق على جميع الدول، وإن كل دولة تدعم نوعاً من الأحداث آخر الأمر، وليس معنى هذا الدعم تدخلاً بالضرورة» (د. مسعد «صنع القرار في إيران»).
وضمن هذا المشروع المعلن لتصدير الثورة الخمينية وتكتيكاته، نستذكر حديث حجة الإسلام فخر روحاني، سفير إيران في لبنان في بداية ثمانينيات القرن الماضي، في حوار له مع صحيفة إطلاعات الإيرانية في نـهاية يناير 1984 (بعد انتهاء فترة عمله في لبنان)، بقوله «لبنان يشبه الآن إيران عام 1977، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة، وأحد أهم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية، فسوف يتبعه الباقون».. وروحاني هو أيضاً من صرّح لصحيفة النهار اللبنانية في 11/1/1984بأن «لبنان يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية».
وضمن هذا المشروع تأسس حزب الله اللبناني في عام 1982 ليكون عضواً في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الذي تأسس في طهران عام 1981، ليكون الوعاء الذي يضم هذه المنظمات الخارجية حيث ضم في عضويته أيضاً الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، ومنظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، حزب الدعوة العراقي، وحركة العمل الإسلامي العراقية، وحركة أمل الإسلامية.. ويجتمع هؤلاء بشكل دوري في طهران، وهم يملكون عددا من معسكرات التدريب الموزعة بين إيران وسورية ولبنان.
فنحن إذن أمام تنظيم عالمي بدأ بمباركة ورعاية خاصة من الخميني تؤدي مهام مزدوجة، محلية وعالمية، وقيادتها في طهران.. لها سمة مشتركة وهي تحقيق تكتل الشيعة في بلدانهم وانفصالهم السياسي عن مجتمعاتهم بتمييزهم بحق الشهادة والوطنية، وانفصالهم مجتمعياً بتمييز ظروف حياتهم المعيشية بارتباطهم الشديد بالطقوس الدينية المبالغ بها.