«كيف يسهم أو يخذل المجتمع تبوؤ المرأة مركزًا قياديا.. سياسيا أو وظيفيا»

يعد موضوع المرأة العربية أحد المرتكزات المستخدمة في تشويه صورة العرب الحضارية عبر التاريخ، وكثر استخدامه بتطرف مع بدء تنفيذ مشروع التغيير الجيواستراتيجي القسري الدموي في الشرق الأوسط، الذي تزامن مع بداية الألفية الجديدة، ليصبح أحد المواضيع الأكثر تطرفًا وخطرًا للتأكيد على ادعاءات لاديمقراطية العرب وعدم التزامهم بمبادئ حقوق الإنسان بما فيها حقوق المرأة.

بينما تعاني المرأة في مجتمعات غربية متقدمة من التمييز والإجحاف بحقوقها، استفردت المنظمات الحقوقية ومراكز دراسات غربية أمريكية بالضغط على النظام العربي في شؤون المرأة، ليس لمصلحة نساء بلادي، وإنما ضمن خطة محكمة لتشويه الصورة وخلق الصراعات، وتعميق الفجوة بين الأنظمة العربية وشعوبها، خدمة لمشروع التغيير القسري الذي يستهدف المنطقة.
من وجهة نظري المتواضعة كان لمناهج التعليم وسياسات الإعلام العربيين دور ممنهج وكان للجمعيات والمنظمات النسائية دور، غير متعمد غالبًا، في خلق تلك الصورة النمطية للمرأة العربية المضطهدة، المقهورة، فلم تتمكن من أن تتناول قضايا المرأة بموضوعية وإنصاف مقارنة بقضاياها في المجتمعات الأخرى في نفس الفترة الزمنية، من جهة، كما لم تحاول تغيير، أو تطوير، مواقفها في هذا الشأن رغم أن المرأة العربية باتت تسير نحو التمكين بخطى ثابتة مع التطور الحضاري والتعليمي الذي دخلت فيه مجتمعاتنا العربية طوال القرن العشرين من جهة أخرى.
وإشارة إلى الموضوعية التي كانت ومازالت ضرورية في قراءة وتفسير قضايا المرأة في مجتمعاتنا، يمكننا الاستعانة بالمثال التالي..
لقد أعطيت المرأة في المملكة المتحدة الحق السياسي في عام 1920، وفي ذات العام كانت المرأة البحرينية تمارس حقها بانتخاب المجالس البلدية في البحرين، الجزيرة الصغيرة الحالمة في أقصى شرق الوطن العربي.
أما ما حدث بعد ذلك التاريخ من حرمان المرأة البحرينية على سبيل المثال من حقها السياسي في الانتخابات التشريعية عام 1975، فكان بسبب تعنت شيوخ الإسلام السياسي في تفسير نص دستوري يعطي «المواطن البحريني حق الترشيح والانتخاب»، ففسره الإسلاميون بأن المواطن (المذكور في الدستور) هو الرجل ولم يرد ذكر المواطنة (المرأة).... وهذا ما تم استدراكه في أول تعديل على الدستور البحريني عام 2002 عندما نص الدستور حرفيًّا على الحق السياسي لكل مواطن بحريني «الرجل والمرأة»... هذا واقع عشناه ونحن شهود أحياء عليه، ورغم ذلك لم يكن يومًا في تداول المنظمات الحقوقية والنسائية بموضوعية منصفة كان من شأنها تحقيق المزيد من الحقوق مبكرًا.
ومقارنتي الثانية تنجلي فيما تتمتع به المرأة العربية من مساواة مع الرجل في الأجور والرواتب، بينما تفتقد المرأة الأمريكية، وبعض الدول الأوروبية -على سبيل المثال- هذا الحق الإنساني الرئيسي، وسنأتي على ذكر هذه المقارنة بالأرقام الموثقة في هذا المقال.
ونتوقف هنا عن المقارنات التي أتمنى أن تكون قد أوضحت مدى سوء جلد الذات التي نمارسه نحن العرب ضد مصالحنا عمومًا، علمًا بأن التطرف في تشخيص مشاكلنا لا يعني أننا سنجد لها حلولاً مثالية.
وهنا استدرك للتأكيد أيضًا أن المرأة العربية، عمومًا، تعيش حالة لا تختلف كثيرًا عن أحوال باقي نساء العالم اللاتي يعشن تحت التسلط الذكوري في القيادة والإدارة. ورغم رفضي التام لهذا التسلط، إلا أنني أكرر بأننا لسنا الأمة الوحيدة في هذا الشأن، بل لربما نحن متقدمون إنسانيا على أمم كثيرة تدعي احترامها لحقوق المرأة... ومن هنا أجيب عن السؤال حول «كيف يسهم أو يخذل المجتمع تبوؤ المرأة مركزًا قياديا سواء كان سياسيا أو وظيفيا». والمجتمع المقصود هنا هو المجتمع العربي.
المرأة العربية في القرن الواحد والعشرين
في تقديري أن المرأة العربية تعيش منذ بداية الألفية الجديدة، وما تميزت به هذه الألفية من دعوات الدمقرطة، وانتشار الإصلاحات السياسية، على امتداد الوطن العربي، تعيش مجموعة من التناقضات، بما فيها حالة الازدواج والتناقض بين الاعراف المجتمعية والإرادة السياسية الرسمية فيما يتعلق بحقوق المرأة، ومدى قبول المجتمع بأحقية المرأة في ممارسة حقوقها، وبين النصوص الدستورية التي تفرض هذه الحقوق على المجتمع، وبين مظاهر الممارسة المجتمعية لهذه الحقوق، والخلفية الذهنية المتشككة في قدرات المرأة، الناعمة منها والصلبة... وما بين المصداقية والزيف في مجمل الرؤية المجتمعية والإنسانية للمرأة.
لن استرسل في الجانب السلبي من هذه التناقضات التي تعيشها مجتمعاتنا العربية والتي تعطل نصف قوة المجتمع في التخطيط والبناء التنموي السليم،، ولكن سأوجز الحديث حول بعض أسبابها ومظاهرها وسبل معالجتها (الطويلة الأمد).
التسلط والطبيعة البشرية...
تقول علوم الانثروبولوجيا ما معناه أن الإنسان الذي يقع تحت الضغوط والسلطة الفوقية، التي تصل إلى حد المساس بكرامته وإنسانيته، هو أكثر الناس الذين يمكن أن يمارسوا ذات الإذلال والتسلط على من هم تحت مسؤوليتهم أو أقل منهم قوةً، ولطالما كان هذا هو المقياس الذي أقيّم به مستوى العلاقة بين الرجل والمرأة، وأيضًا العلاقة الإنسانية بين الرجل والرجل، وبين المرأة والمرأة، ليس على العرب فقط، بل على مختلف أنواع الأمم والمجتمعات. وفي هذا تؤكد الإحصائيات مثلاً أن في الولايات المتحدة الأمريكية كل امرأة من بين 5 نساء تغتصب، وأن كل امرأة من بين 4 نساء تعنّف من قبل زوجها أو صديقها (http://www.monde-diplomatique.fr/2016/11/BEAUGE/56756).
هذه الإحصائيات لها مدلولات كثيرة أهمها هو مدى سوء قيَم النظام الرأسمالي عمومًا في التسلط على الإنسان الأمريكي الذي يمكن أن يتحول تدريجيا إلى حيوان، والمجتمع إلى غابة، يأكل فيها القوي الضعيف، في سلسلة لا متناهية من التدرج في السلوك الخالي من الإدراك العقلي والعاطفي والمشاعر الإنسانية.
وإذا عكسنا هذه الرؤية الأنثروبولوجية على جميع المتناقضات التي تعيشها مجتمعاتنا نكتشف أيضًا تفاوتات وتناقضات عديدة في مدى مساهمة أو خذلان المجتمع للمرأة في تبوأ المراكز القيادية والإدارية، سواء في البيت أو العمل... متناقضات تتفاوت مثلاً ما بين رجل الإسلام السياسي الذي يدفع بالمرأة في التنظيم الحزبي إلى قيادة المظاهرات، وفي ذات الوقت يفتي بضرورة بقائها في البيت كآلة للإنجاب، ثم استغلالها في التنظيم لتربية الصغار على التطرف والعنف، ورفضه لها أن تكون شخصية عامة ورقمًا قياديا صعبًا في البرلمان، خوفًا من أن يفقد هو الفرصة في هذا المنصب... والأكثر قبحًا هنا هو عندما يكون هذا التنظيم مضطرًا إلى التظاهر بالديمقراطية فإنه يقدّم أسوأ النماذج النسائية للواجهة القيادية في السلطة التنفيذية أو التشريعية، مما سيترتب عليه آثار سلبية قادمة وطويلة الأمد، في تقدير قدرات المرأة التي يمكن أن تكون أكثر رقيا من الرجل في ظروف مختلفة.
وفي الجانب الآخر لطالما كان هناك ليبراليون في مجتمعاتنا يحاربون المرأة التي تنافسهم بقدراتها القيادية وكفاءتها الثقافية والعلمية، من خلال التهميش واستغلال نوع الجنس، أي بالطعن في قدراتها كامرأة، أو بممارسة دور التشويه في السمعة والأخلاقيات، وهي الأكثر حساسية في مجتمعاتنا.
وبين هذا وذاك، هناك فئات من الرجال المتحررين من السلطة الفوقية، مؤمنين بالمرأة وقدراتها القيادية ويسهمون بمصداقية وبفكر ووعي حضاري راق في دعمها عندما توجد أمامهم المرأة المتميزة بهذه القدرات دون زيف أو مظاهر خادعة.
كما تحاول بعض الحكومات العربية اليوم دفع المرأة إلى القيادة، تارة بفعل الضغط الدولي بدعاوى الدمقرطة، وتارة بقناعة تامة تجاه الشخصية القيادية التي تبرهن على قدراتها.
في نهاية الأمر تحتاج المرأة العربية إلى جهود مضاعفة لاكتساب المعرفة والوعي وأهم السمات الشخصية القيادية، التي لربما تفتقدها الأغلبية من القيادات الرجالية، إلا أن المرأة من دون هذه المواصفات لن تتمكن من الوصول أو الاستمرار في موقع القيادة، سواء داخل إدارة السلطة والدولة أو خارجها.
ولن أدخل في موضوع أهمية تحرير الرجل في هذا الشأن، بالمقاييس الانثروبولوجية.
ولربما يكون هذا إحدى المعالجات لقضية عَجَزَ العرب عن حلها على مدار قرون، رغم كل الظروف السلبية والخطيرة التي تحيط بالأمة اليوم... وأخطر هذه الظروف هو أن المجتمع الدولي الذي ينادي بدمقرطة العالم العربي، هو من يسيء لقضايا المرأة العربية ويسلبها حقوقها كاملة بمنهجية خطيرة وتعمد وسبق إصرار، والشواهد على ذلك كثيرة، ولكن أخطرها هو ما حصل للمرأة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي، والذي وصل إلى حد إلغاء أرقى قانون أحوال شخصية عربي كان يحمي المرأة والأسرة العراقية من تغول السلطة الذكورية عليها، واستبدل هذا القانون بعد الاحتلال بقانون مبتذل يعطي الحق لزواج القاصرات.
في الجانب الآخر، ندعو هذا الحارس الأمريكي الحريص على مصالح المرأة العربية، والذي يعقد من أجلها منتديات ومؤتمرات من أجل حقوق متساوية مع الرجل العربي «المتسلط»، ندعوه أن يناضل قليلاً من أجل حقوق المرأة الأمريكية المنتهكة إذ تؤكد الإحصائيات التالي:
‭}‬ الدستور الأمريكي لا ينص بصورة واضحة على المساواة بين المرأة والرجل، فلم تصادق الولايات المتحدة على معاهدة التمييز ضد المرأة، بجانب 4 بلدان أخرى هي: إيران، الصومال، السودان، وجزر تونغا.
‭}‬ في أمريكا نسبة الوفيات عند الولادة هو الأعلى في العالم، بحسب منظمة Black Women’s Roundtable، إذ تقدّر نسب الوفيات عند الولادة بالنسبة للأمريكيات من أصل إفريقي بـ 42.8 لكل 100000 ولادة، و12.5 لكل 100000 بالنسبة إلى الأمريكيات البيض، لعدم توفر الرعاية الصحية (تمييز حقوقي وعنصري).
‭}‬ لا تحصل المرأة الأمريكية على إجازة ولادة براتب، والإلزام الوحيد بالنسبة للشركات على المستوى الفيدرالي هو إجازة من دون راتب لمدة 12 أسبوعا... وتشترك الولايات المتحدة في هذا مع 3 بلدان أخرى لا تعترف بحق المرأة عند الولادة في إجازة براتب هي: سوازيلاند، ليزوتو، بابوازي -غينيا الجديدة (دول إفريقية).
‭}‬ بحسب مكتب الإحصائيات، سنة 2014، راتب المرأة الأمريكية بصورة عامة أقل معدل بمقدار 21% من راتب الرجل، والمرأة السوداء راتبها أقل بمعدل 36%، المرأة من أصل لاتيني راتبها أقل بمعدل 44% (انتهاك حقوقي وتمييز عنصري)
‭}‬ في الولايات المتحدة 46% فقط من الأطفال يعيشون مع الأب والأم معا.
(المصدر http://www.monde-diplomatique.fr/2016/11/BEAUGE/56756)
هذه الانتهاكات في الحقوق والتمييز العنصري هي واقع حال المرأة الأمريكية (المتمكنة)، ولكن المرأة البحرينية (المضطهدة) فتتمتع بكامل حقوقها على طبق من ذهب.
لذلك لا نطلب أكثر من الموضوعية في مناقشة قضايانا العربية أولاً لكي نحقق المزيد من التقدم، وثانيًا لكي لا نصبح هدفًا سهلاً لمن لا يريدون لنا التقدم.