ملك الوفاء في عيده الملكي...

لطالما كانت الخصال الإنسانية الحميدة من أساسيات تربيتنا العربية في البيت والمدرسة وفي السوق والشارع...
والوفاء هو أحد أهم تلك الخصال التي من دونها يفقد الإنسان جزءا كبيرا من إنسانيته ويتحول إلى ماكينة وأداة تشتغلٌّ وتَستغِل وتُستَغَل...
بالوفاء يكون الإنسان إنساناً، ومن دونه يكون كائناً حياً أجوفاً فاقداً الكثير من المشاعر النبيلة والحس العاطفي الذي يُشبع غريزة إنسانيته...

فالوفاء هو الشفرة التي تُشغَّل باقي سمات الإنسان والإنسانية... وبالوفاء يكون المجتمع قوياً متراصاً يصعب اختراقه...
وعندما يصبح اختراق عقول ونفوس أبنائنا سهلا إلى حد خيانة الوطن والمبادئ حينها نعلم أن مجتمعاتنا أصبحت تفتقد الوفاء كقيمة إنسانية وأخلاقية، لصالح ثقافة المصالح والأنانية...
كل هذه الكلمات كانت تجول بخاطري وأنا أشاهد تلك الصورة التي تنبض بالحياة والوفاء والإنسانية لجلالة الملك في زيارته إلى مفكرنا العظيم الدكتور محمد جابر الأنصاري وهو على سرير المرض...
مفكرنا العربي الجليل الذي عمل على مدار أكثر من ثلاثة عقود مستشاراً ثقافياً لجلالته اعتزل العمل والحياة مبكراً ليبقى بين أفراد عائلته، وبين يدي زوجته العظيمة، التي ترعى ظروف مرضه بكل حنان وحب واحترام... هذا المفكر الكبير يعيش اليوم، كما يعيش أي إنسان عادي، على سرير المرض عاجزاً لربما عن التعرف على زائريه، أو على مَن يسأل عنه، أو لربما على أقرب الناس إلى قلبه... إلا أن هذا لم يمنع جلالته يوما من الاتصال والسؤال عن صديق دربه.. ولم يمنعه من زيارته والاطمئنان على من سار معه في مسيرة عمله، منذ أن كان وليا للعهد حتى جلوسه على كرسي العرش، مرورا بأصعب فترات التأسيس لعهد جديد في الحكم، التي تَوّجَهَا بالإصلاح السياسي الديمقراطي، والتحديث بالإعمار والإنسان...
من المؤكد أن الحديث عن سيرة الدكتور محمد جابر الأنصاري، وقيمته الفكرية الإنسانية، بحاجة إلى صفحات وكتب للسرد والشرح والتوضيح، والذي نؤكد بأنه واجب وطني يجب أن يكون ضمن مناهج التاريخ الوطني والقومي عن أعلام العرب الذي يتعلمه أبناؤنا، والذي نتمنى أن يكون من اهتمامات الدولة والجهات المعنية...إلا أن هذا المقال ما هو إلا عدد محدود من الكلمات التي تدفقت من القلب إلى قلمي تأثراً بفيض من المشاعر في لحظة مشاهدة تلك الصورة الرائعة التي جمعت مليكنا الوفي بالدكتور الأنصاري وعائلته الجميلة الحنونة...
لا يمكن التعبير عن تلك الصورة بكلمة أبلغ من كلمة الوفاء...
إنه الوفاء الصادق، النبيل...
إنه الوفاء للصديق الذي أخذ هذا الملك النبيل، متجرداً من كل الشوائب الأخلاقية، للجلوس بجانب سرير صديقه المفكر، ويقول له وهو ماسك يده «إنني أعرفك رغم أنك اليوم غير قادر على التعرف عليّ... وسأبقى أتذكرك وستتذكرك الأجيال يا صديقي... لقد خلّدت عقلك واسمك وذاتك في سجل التاريخ...»...
هذه الكلمات التي لم أسمعها، إلا أنني أحسستها، قبل أن أتخيلها، عنوان لتلك الزيارة التي لا يمكن أن توصف إلا بالزيارة النبيلة...
إنه الوفاء النبيل الذي يبني به ملكنا مملكته... فيَعِد ويُفِي بوعده... وهو من وعدنا بالأمن والاستقرار وأوفى بوعده...
وبذات الوفاء والنبل يستحق أن نكون صفاً واحداً بجانبه لحماية مملكتنا التي لا أجد لها وصفا وشعارا أجمل من المملكة الحالمة الباسمة دائماً وأبداً...
ولا أملك أكثر من هذه الكلمات النابعة من القلب والعقل، ومن مشاعر فيّاضة تدفقت في تلك اللحظات وستبقى في العقل أبداً... لا أملك أن أقدّم لجلالته أكثر من هذه الكلمات التي لا توازي نبل ما شاهدته في تلك الصورة الرائعة، ومضمونها الإنساني الجليل... الصورة التي أهداها إلى أبناء وأحفاد الدكتور الأنصاري ليضعوها في سجل تاريخ والدهم الذي يستحقه بكل جدارة وتقدير... ولتبقى في سجل تاريخ البحرين... لتُذِّكر أجيالنا أنه كان في مملكة البحرين ملك يحُكى عنه وعن نبل أخلاقه...
لا أملك في عيده الملكي السعيد هذا إلا أن أعطيه هذا الوسام الإنساني الذي يندر وجوده في عصرنا المادي هذا.... فأنت ملك الوفاء يا جلالة الملك.
والوفاء سمة النبلاء يا مليكنا الحبيبب...