«اعرِف عدوك.. وإن جَنَحتَ للسلم معه»

يعيش عرب المشرق والمغرب العربي اليوم حالة غليان في العلاقات مع الجارة الشرقية المسلمة إيران، ورغم أن العلاقات العربية الإيرانية لم تكن دائماً جيدة على مدار التاريخ، فإن إيران منذ عام 1979 لم تحاول قط أن تغيّر مواقفها العدائية المعلنة والمبطنة ضد العرب عموماً، بل هي تعيش منذ ذلك الحين في حالة استنفار مستمرة، من دون هوادة، للانقضاض على كل بقعة أرض عربية تصاب بحالة ضعف ووهن أو انهيار، بذريعة تصدير ثورتها البائسة «لتحرير رقاب المسلمين من حكوماتهم الظالمة والمغتصِبَة لخلافة آل البيت».

ولكي نكون أكثر دقة، فقد كانت هناك محاولة لتحسين علاقات بين الطرفين، بعد هزيمة إيران في حرب الثماني سنوات ضد العراق، والاجتياح العراقي للكويت، بمبادرة ما يُدعى بـ«حوار الحضارات» للرئيس خاتمي، في فترة ولايته، ولم تنجح المحاولة لأسباب عديدة، أهمها أنها لم تكن بنوايا إيرانية صادقة.
والجدير بالذكر هنا أنه خلال فترة ولاية خاتمي (1997-2005)، والتي كانت فيها العلاقات الإيرانية الخليجية توصف بالإيجابية، كانت الخلايا النائمة الإيرانية في بلادنا تعمل بنشاط مكثف على المستوى التثقيفي العقائدي، والتنظيمي الحزبي، إضافة إلى التدريب المليشياوي للتنظيمات الإرهابية التي أعلنت تشكيلاتها فيما بعد (2006-2010)، وكانت «خلايا الأشتر» الإرهابية من مخرجات ذلك النشاط المحموم حينها، وبداية انتشار أمثالها على الساحة الخليجية بشكل عام.
ولولا شح المعلومات (لأسباب أمنية نقدّرها) حول موضوع مخازن الأسلحة الخاصة بالأذرع الإيرانية الإرهابية، التي اكتشفتها الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين وبعض دول الخليج العربي الأخرى، ومازال يتم اكتشافها تباعاً، لولا شح المعلومات لاستطعنا التأكيد بالأدلة أن أغلب هذه الأسلحة بدأت بدخول المنطقة من إيران خلال فترة العلاقات الإيجابية، وليس العكس (وكان لكاتبة هذا المقال تصريح سابق في عام 2006 حول وجود هذه الأسلحة المهربة والمخزنة في دول الخليج، وأثار هذا التصريح ضجيجاً إعلامياً حينها من دون أن يثير اهتماماً لدى السلطات الرسمية).
العلاقات العربية الإيرانية...
حين نتحدث عن العلاقات العربية الإيرانية اليوم، ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين، علينا أن نتذكر أن عمرها يزيد على أربعين قرناً، والمفارقة أن سلوك إيران كان طوال التاريخ توسعياً عدوانياً ضد العرب، ولا تجنح إيران للسلم إلا في فترات انكساراتها وضعفها. ولا يستطيع أي باحث متخصص ومحايد أن يقدّم ما يثبت أن إيران كانت على وفاق، أو غير عدوانية، أو لا تضمر الكراهية، تجاه منطقة الخليج العربي والعراق والعرب عموماً، في أي مقطع زمني من تاريخ العلاقات العربية الإيرانية، حتى في زمن السلم. والمفارقة الأهم أن العرب على مدار هذا التاريخ الطويل، حتى يومنا هذا، لم يملكوا أي مشروع مضادّ لصد هذه العدوانية الإيرانية الأزلية، قبل أن تصل الى مرحلة الحروب المباشرة، التي كانت دائماً تقع على الأرض العربية، بعيداً عن التراب الإيراني، وكانت تخرج منها إيران منتصرة، بقضم أجزاء من أرض العرب، بفضل التحالفات الدولية التي لطالما تفاعلت لصالح إيران.
ويؤكد التاريخ أن كل الحضارات التي نشأت في بلاد الرافدين، منذ الآشوريين (2000 قبل الميلاد) حتى النهضة العراقية الحديثة التي نشأت في ظل نظام البعث، وصدام حسين (2000 بعد الميلاد)، كل تلك الحضارات تمّت إبادتها على يد الفرس، وهذه حقيقة تاريخية تستحق الاهتمام والدراسة، بل إن تجاهل وعدم توثيق ودراسة وتداول كل هذه الحقائق التاريخية لهو جزء من مصادر القوة المتعددة لبلاد فارس على مدار تاريخ علاقاتها مع العرب.
وفي ذلك تأكيد أن إيران تدرك ما لم يدركه العرب حتى الآن، وهو أن تحطيم الدولة المركزية القومية القوية في العراق يعدّ هدفاً استراتيجياً لجميع الغزاة الذين يستهدفون المنطقة العربية، لتتحول المنطقة إلى لقمة سائغة بعد ذلك، وهذا هو الواقع التاريخي والجغرافي الذي عمل به الغزاة الجدد، إذ لم يكن الخيار الأنجلوأمريكي بالتعاون مع إيران لإسقاط العراق في عام 2003 خياراً عشوائياً، بقدر ما كان استراتيجياً معبراً عن الفهم العميق للواقع العراقي، لتمرير «مشروع الشرق الأوسط الجديد».
كما لم يكن القرار الأنجلوأمريكي بتسليم العراق إلى إيران خياراً عشوائياً، بقدر ما كان نتيجة دراسة ومعرفة تاريخية عميقة لأهمية استثمار الأحقاد والكراهية الفارسية التاريخية لسحق قوة العراق الداخلية، والتي درسها الغزاة جيداً قبل البدء بمغامرتهم العدوانية في مارس 2003.
المعرفة قوة.. وقوة المعرفة...
تستمد إيران جانبا من قوتها العدائية ضد العرب من قوة معرفتها بالعرب، بحكم الجغرافيا والتاريخ وأطماعها في المنطقة العربية، فدَرسَ الفرس الأوائل إلى إيرانيي الوقت الحاضر تاريخ العرب وطباعهم ومنهجية أفكارهم، وحصدوا من كل هذا قوة معرفية يغزون بها بلادنا حتى بدون أي سلاح تقليدي ولا سلاح نووي.. فهل يملك العرب معرفة بالشأن الإيراني لصد تلك الغزوات التي لم تتوقف منذ بزوغ الإسلام حتى يومنا هذا؟؟!!!
إن العرب اليوم، كما كانوا عبر التاريخ، لا يمكن أن يأمنوا جانب إيران بمعزل عن امتلاك المعرفة الواقعية العميقة حول مصادر قوة النفوذ الإيراني المنتشر من العراق وسوريا ولبنان شمالاً حتى اليمن جنوباً، ومن الخليج العربي شرقاً إلى المغرب العربي غرباً، هذه القوة العدوانية التي يعبر عنها السلوك الإيراني التوسعي هي ديدن إيران، ومن قبلها بلاد فارس، في فترات التراجع العربي عبر التاريخ.
وتحت مبدأ «اعرف عدوك، وإن جَنَحْتَ للسلم معه» كان يجب أن تكون أولى أولويات العرب الأمنية، منذ قرون طويلة، والتركيز على دراسة ومعرفة إيران من الداخل، لتجنب شرورها.. ولأن «المعرفة قوة» لربما كان في امتلاك العرب المعرفة حول إيران خير للطرفين، وكان بإمكاننا صدّ إيران والحفاظ على توازن القوى وإحلال السلم في المنطقة، عوضاً عما تعيشه الأمة اليوم من إخفاقات كبيرة في مواجهة إيران، «المبهمة»، التي باتت تهديداً مباشراً في عقر دُورَنا.
وفي سبيل فهم شيء من إيران «المبهمة»، وتوجهها العدواني المكرّس لهدف واحدٍ أحد، وهو تمزيق العرب والهيمنة عليهم، وجب علينا ألا نتوقف يوماً عن ترديد السؤال التالي: يا ترى ما أهم وأخطر مصادر قوة إيران في المنطقة؟، وفي العالم، وعلى مدار التاريخ العربي والإسلامي؟، وما نوع هذه القوة التي تجعلها قادرة على العبث بمصالح بلادنا من الداخل، بلا هوادة؟؟!!...
نعيد ونكرر هنا أن الإجابة عن هذه التساؤلات ليست بالسهولة التي يتصورها البعض، حيث مر على تراكم مصادر القوة الإيرانية الباطنية هذه قرون طويلة، وتطورت عبر مختلف أنواع ثقافة الكراهية والحقد والعدائية، التي ابتدعها العقل الفارسي منذ تاريخ فارس الساسانية وما قبلها، ثم فارس الإسلامية (636م)، ثم فارس الصفوية (1502م)، ثم إيران البهلوية (1935م)، ثم إيران الخمينية (1979م)، وما تخلل هذه الفترات.
ولتكون إجاباتنا عن هذه التساؤلات ذات قيمة معرفية سليمة علينا البحث والدراسة بمنهجية علمية تاريخية معتمدة مبدأها: «إن تاريخ كل أمة متصل في سلسلة حلقات متتابعة، وفي مجرى متصل يؤدي بعضه إلى بعض، وإن حاضر كل أمة لهو نتاج سيرها التاريخي إلى المستقبل.. لذا لا انقطاع في التاريخ، ولا ظاهرة تبدو دون جذور وتمهيد» (المؤرخ الراحل د. عبدالعزيز الدوري).
وفي هذا السياق، وفي جواب موجز في عدة كلمات، يمكن التأكيد على أحد أخطر وأقدم الأسلحة التي ابتدعها العقل الفارسي في محاربة العرب منذ بدايات الإسلام، إلى يومنا هذا، وهو السلاح العقائدي المذهبي القومي الفارسي الباطني، الذي تراكم في بناء فكري، قادر على تجديد نفسه، في إطار ثقافي يرضعه الإيرانيون منذ نعومة أظفارهم، ويتوارثونه جيلاً بعد جيل، «في مجرى متصل»، حتى بات جزءاً من المقدسات المعصومة التي لا يجرؤ بشر على المساس بها. ولهذا السلاح قوة تدميرية تفوق قوة البرنامج النووي، التي تثير زوبعة إعلامية عقيمة يتلاعب بها الغرب على عقولنا.
ولعل هناك من يقول إن هذا الأمر بات مفهوماً، وخصوصاً بعد احداث 2011، المستمرة حتى يومنا هذا على الأرض العربية، وهنا نرجو أن نؤكد أن الفهم السطحي لهذا الأمر البالغ التعقيد يخلو من المعرفة المطلوبة التي بات العرب بأمس الحاجة لها في مواجهة إيران الحاضر عبر فهم التاريخ والمستقبل.
الفرس والسلاح العقائدي
القومي الباطني...
احتل الفرس العراق مدة تزيد على ثلاثمائة سنة قبل الإسلام، إلى أن تم تحريره في معركة القادسية (15هـ-636م)، وهي المعركة التي حطّم فيها العرب الإمبراطورية الساسانية الفارسية في «المدائن»، على أرض العراق، ولم يتجاوز جيش المسلمين حدود العراق عملاً بوصية استلمها سعد بن أبي وقاص، قائد جيوش القادسية، من عمر بن حارثة الشيباني، قائد الجيش الإسلامي في الحيرة (توفي قبل بدء المعركة): «ألا يتوغل في بلاد فارس، وأن يقاتلهم على حدود أرضهم، على أدنى حجر من أرض العرب...»، فكان انتصار المسلمين في تلك المعركة علامة فاصلة في تاريخ الفرس. ورغم أن العرب لم يدخلوا بلاد فارس بقوة عسكرية حينها، واكتفوا بتحرير الأرض العراقية العربية، فإن ذلك كان كافياً لدفع الحقد الفارسي إلى مواصلة النهج العدواني ضد العرب ممزوجا برغبة الانتقام من الإسلام، وهي رغبة عبّرت عن نفسها بداية، في فترة غياب الكيان السياسي للدولة الفارسية، وابتدع الفرس لمهمتهم هذه أدوات سياسية مستحدثة، ومتعددة الواجهات، اصطلح على تسميتها من قبل المؤرخين العرب بالشعوبية.
ويفسر المؤرخ العربي د. الدوري مفهوم الشعوبية بأنها «محاولات شعوب غير عربية لضرب السلطان العربي عن طريق الفكر والعقيدة، فهي في اندفاعها تتكشف عن صراع ثقافي ديني واسع» ((الجذور التاريخية للشعوبية، ص9).
ويشير مؤرخنا الى أن الشعوبية حركة بدأت متسترة في فترة الدولة الأموية الأخيرة، وتكشفت أهدافها الحقيقية في العصر العباسي، و«نشطت بصورة خاصة في العراق» وليس في فارس، وقام بها الموالي، وهم مجموعة من الذين دخلوا الإسلام، من ذوي الأصول غير العربية، ومن الأعاجم الفرس خصوصاً. اتضح دور الموالي كحركة من خلال نشاط الغلاة الذين تظاهروا بالإسلام، ودورهم في تذكّر أمجاد فارس، وإحياء الآراء الدينية الفارسية القديمة، حينها. وفي ذلك الواقع الذي كان المجتمع العربي فيه يستند إلى الدين، وسلطانه يقوم على الدين، كان واضحاً «اجتماع الوجهتين الدينية والسياسية في الحركة الشعوبية، وخاصة في دور نشاطها» (المصدر السابق).
بدأت الحركة بالظهور عبر «بعض ممثليها في مطلع القرن الثاني الهجري، بين شاعر يتغنى بأمجاد ساسان، ومبشر يبشر بالأديان الفارسية القديمة، وكاتب ينقل تراث الفرس القدماء في الحضارة والدين، ولكن بداياتها كانت محاطة بالغموض لأنها بدأت عملها في جو من الحذر والكتمان»، حتى بات من الصعوبة تحديد تلك البدايات (المصدر السابق).
كانت الحركة الشعوبية أقوى ما تكون في العراق والأندلس، الذي يشير المؤرخ الى أسباب وجود الأمجاد غير العربية فيهما (الساسانية في العراق والقوطية في الاندلس) والتي انتهت بالفتوحات العربية، وأيضاً لأن «فيهما تلتقي التيارات الثقافية الدينية المتعارضة وتتصادم».
ويمكن إيجاز نشاط الحركة الشعوبية الأولى، بكلمات معدودة، في دورها المحموم كحركة سرية تتظاهر بالإسلام حاولت، ولا تزال، تعمل على نسف الإسلام والعرب من الداخل، ونكرر نسف العرب من الداخل، وبذلت جهوداً لمسخ التراث العربي أو «تشويه دور العرب في التاريخ» لهدم الكيان العربي.
ومن الناحية الاجتماعية انضمت مستويات مختلفة أسهمت، ومازالت تسهم، في هذه الحركة «بين عامة وتجار وكتّاب ووزراء وأمراء، بين أميين ومثقفين. ولكن دور الفكر أو العقيدة أساسي في هذه الحركات حتى غلبت هذه الناحية على نشاط الشعوبية، وهذا يعني أيضاً أنها ليست حركة فئة معينة أو طبقة اجتماعية -إن جاز التحديد- بل إنها تمثل اجتماع الجهد الذي بذلته فئات مختلفة لزعزعة السلطان العربي، أو لإضعاف الإسلام وإرباكه، ولصد تيار الثقافة العربية والإسلامية، ولنسف التراث، كما حاولت تركيز الوعي السياسي والديني بين صفوفها وإحياء تراثها الثقافي» (المصدر السابق).
بحسب مؤرخنا.. هناك الشعوبية السياسية: واتخذت أشكالاً فكرية متعددة لضرب الكيان العربي السياسي ونشر الفرقة بين رموزه وابنائه وخلق الأزمات لإنهاكه واستنزافه... والشعوبية الثقافية: وهدفها الحط من قيمة العرب وتجريدهم من خصائصهم الإيجابية أو خصالهم النبيلة، والزعم بأنهم مجرد بدو وأقوام متخلفة، بتوظيف فنون الشعر والأدب وأنشطة ثقافية للإشادة بالفرس واعتبارهم أمة حضارية، ذات قيم نبيلة وأديان عظيمة، لها السيادة دائماً.. والشعوبية الدينية: وقد ظهرت في وقت مبكر، واتخذت شكل تأسيس فِرَق غلوّ ذات طابع ديني استهدفت تمزيق وحدة المسلمين والخروج على الوسطية والإساءة إلى عروبة الإسلام، وإلى قادته ومفكريه ورموزه العرب.
من الشعوبية إلى التنظيمات السياسية العقائدية الحديثة (الشعوبية الجديدة)...
يطول الحديث في تاريخ الحركة الشعوبية ونشاطها وغلوها السياسي والديني، منذ فترة ضعف الدولة العباسية، وظهور البرامكة، ثم البويهية، ثم فرق الإسماعيلية وقيام الدولة العُبيدية (الفاطميون)، ثم القرامطة، وصولاً إلى العثمانية والصفوية، والتي كانت كلها، وغيرها العديد، بمثابة فرق غلو ديني تستهدف تدمير السلطان العربي عبر الإسلام... إلا أنه من المهم إعادة دراسة تاريخ الحركة الشعوبية لفهم امتداداتها في الأشكال الجديدة من التنظيمات السياسية، والإرهابية، ذات التوجهات العقائدية الدينية والمذهبية والطائفية الباطنية، التي وصلت إلى مستوى توزيع العصمة على بني البشر، وممارسة دور الولاية الإلهية المطلقة، في إدارة الدولة والدين، وتعمل على تدمير العرب من الداخل، عبر تشويه الإسلام وزعزعة سلطانه، في حركات جديدة تضم العامة والأمراء والوزراء والكتاب والتجار وغيرهم، وكأن التاريخ يعيد نفسه في حراك شعوبي جديد.
وفي جانب آخر، يذكر الدكتور الدوري أن بدايات الحركة الشعوبية كانت عبر إطلاق مبدأ التسوية، أي مبدأ مساواة الموالي بالعرب في دولة الخلافة الإسلامية، فكان مبدأً عادلاً يستهدف تحقيق مآرب غير عادلة، علماً بأن العرب المسلمين هم أول من رفع راية المساواة في ظل المتغيرات التي بدأت تتبلور مع فترة الخلافة الأموية... ويذكر أيضاً أن الموالي، بموجب مبدأ التسوية هذا، كانوا يطالبون بالمناصب في الجيش الإسلامي، التي اقتصرت على العرب، وكأن العرب الأوائل كانوا قد كشفوا خطر الوجود الفارسي في مفاصل الدولة العربية، والذي مازال خطراً قائماً في نظرية المحاصصة الطائفية في الحكم، التي تلتزم بها تنظيمات الغلو العقائدي الديني الجديدة (الشعوبية الجديدة)... فما «أشبه اليوم بالبارحة».
ونتوقف هنا عن المزيد من السرد التاريخي، لضيق المساحة الكتابية، للتأكيد أن حركات الغلو الديني العقائدي مرت بمراحل عديدة، وأطر ثقافية متنوعة، ودخلت في تجاذبات واستقطابات وتحالفات مع أطراف شتى على مدار أربعة عشر قرناً، وصارت على مستوى عال من التعقيد، وتمكنت من تشويه الإسلام الصحيح الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإضعاف أمته، العربية والإسلامية، حتى باتت هذه الحركات، في القرون الأخيرة، مادة دسمة للاستثمار الاستعماري السياسي والثقافي والديني، واستثمارها في الغزو والاحتلال، وأخيراً في الإرهاب الذي يمثل أبشع صورة من صور الحروب بالوكالة ضد العرب. ومن كل هذا يمكن اكتشاف مدى البراجماتية الإيرانية التي تسمح لإيران، دائماً وأبداً، بالعمل حتى مع الشيطان ضد العرب.
إن سر قوة الأمم تكمن في معرفة التاريخ، والدراسة المعمقة لتفاصيله... وإن تهميش وتسطيح المعرفة التاريخية هو سر ضعف الأمة العربية، وسهولة تمزيقها بالصراعات الداخلية... وإن مفتاح العرب نحو امتلاك قوة داخلية وخارجية ذكية يبدأ بالقراءة الوافية للتاريخ، بعيون عربية، عروبية، حرة من التبعية الغربية.
ويبقى سؤالنا قائماً، يا ترى أين العرب من كل هذا؟...


كلمات دالة: