عبء الديمقراطية الثقيل.. كيف الخلاص؟

افتتح منتدى أصيلة الثقافي موسمه هذا العام (يونيو 2019) بحوار رفيع المستوى لمناقشة «عبء الديمقراطية»، كما يفكر فيه عدد من المفكرين والمثقفين العرب والأجانب في مساحة واسعة من الحرية والحوار المفتوح، لما للموضوع من أهمية كبرى في ماضي وحاضر ومستقبل العرب... والمقال البحثي المنشور هنا يتناول الأفكار الرئيسية التي طرحتها في هذا الحوار الفكري الرفيع المستوى. (ملاحظة: جميع الهوامش المرجعية لهذا البحث متوافرة مع النص الأصلي للمحاضرة، لدى الكاتبة، والذي سيكون جزءا من كتاب قادم).
يؤكد عالم الاجتماع الإسباني مانويل كاستلز (Manuel Castells)، في كتابه «سلطة الاتصال»، الذي صدرت نسخته الأولى سنة 2009، أن «هناك درجات متفاوتة من الديمقراطية، ويتعين وضع معايير لتعريف الديمقراطية داخل السياق الملائم، لأن التنوع العالمي للثقافات السياسية لا يجب أن يقتصر على الأفكار الأصلية لليبرالية التي ظهرت في القرن الثامن عشر».(انتهى الاقتباس)


يؤكد هذا الطرح الأكاديمي والعلمي الدقيق أن مصطلح الديمقراطية ليس بفكرة مُعلّبة وجب توزيعها على جميع الدول والشعوب، بل إن اختلاف السياق التاريخي والثقافي لتطور هذه الدول والشعوب يجعل من تبني مفهوم الديمقراطية المعلبة أمرا خاطئا وخطيرا، جعل معظم الدول والشعوب التي تبنته خارج المعسكر الغربي وحتى داخله، تتخبط في أزمات هوية ثقافية وسياسية واقتصادية، وصلت مع نهاية القرن العشرين، إلى درجة الاعتراف بوجود خلل ما في آليات عمل نظام الديمقراطية الليبرالية التي أفرزت مشاكل اقتصادية واجتماعية وتفاوتا بين الطبقات، وأدت في بعض الدول الأوروبية والغربية نفسها إلى نتائج انتخابية غير منتظرة، صعدت من خلالها قيادات سياسية تمارس الخطاب السياسي الشعبوي، وحكومات متطرفة تحمل أفكارا بعيدة كل البعد عن المبادئ الأصلية التي تُبنى عليها الديمقراطية.
إذا ما رجعنا إلى المصطلح الأصلي للديمقراطية والسياق التاريخي الذي نشأت فيه، يمكن القول بأن المصطلح ارتبط أساسا بالديمقراطية الليبرالية، وهي عبارة عن اقتران لمبدأي الليبرالية السياسية والليبرالية الاقتصادية. كما ركزّت الديمقراطية الليبرالية، عبر منظريها الأوائل جون لوك (John Locke)، تشارلز دي مونتسكيو (Charles de Montesquieu)، جان جاك روسو (Rousseau Jean-Jacques) على مبادئ الحرية الشخصية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وضرورة أن تُبنى فكرة الليبرالية على التقدم والنمو المرتبط بالازدهار الشخصي، إذن نؤكد هنا أن نشأة مفهوم الديمقراطية الليبرالية نَظّر إليه بالأساس مفكّرون وفلاسفة أوروبيون، مستندين في تفكيرهم وآرائهم إلى سياق تاريخي واجتماعي وسياسي معيّن اتّسم به واقع تلك الدول منذ ثلاثة قرون سبقت واقعنا الحالي.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية والدخول في مرحلة الحرب الباردة، أصبحت الديمقراطية الليبرالية عبارة عن فكر سياسي واقتصادي إيديولوجي (الرأسمالية)، حاولت منافسة ومقاومة فكر سياسي واقتصادي إيديولوجي مناقض (الشيوعية). فأول ما صرّح به عالم السياسة الأمريكي فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) مع انهيار الاتحاد السوفيتي هو أنه يعد «نهاية الصدامات الإيديولوجية الكبرى والانتصار التام للديمقراطية الليبرالية». وأضاف إن «انهيار جدار برلين هو نهاية التاريخ، هو نصر للديمقراطية الرأسمالية».
ومن الغريب أن الكاتب فرانسيس فوكوياما، يؤكد ما سبق بكل حماس ضمن مقال نشر سنة 1989 ويقول فيه «ما قد نشهده ليس فقط نهاية الحرب الباردة، أو مرور فترة معينة من تاريخ ما بعد الحرب، ولكن نهاية التاريخ على هذا النحو: أي نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وعالمية الديمقراطية الليبرالية الغربية كشكل أخير للحكومة البشرية».
وفي هذا السياق، أصبحت الديمقراطية الليبرالية أهم نموذج للنظام السياسي السائد منذ انتهاء الحرب الباردة، بفضل دعمه وتكريسه ونشره على أوسع نطاق من قبل دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، أو ما يسمى اصطلاحا المعسكر الغربي. وبالتالي نؤكد مرة أخرى أن نموذج الديمقراطية الليبرالية يرتبط ارتباطا وثيقا بعدد من الدول التي يمكن أن تكون متجانسة ثقافيا واقتصاديا، وشهدت تطورا مشتركا في ظل سياق سياسي واقتصادي معيّن، حدّدته الأحداث التي شهدها العالم قبل وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وعلى الرغم من انتشار الديمقراطية الليبرالية، ضمن أشكال مختلفة حول العالم، تبقى أسئلة عديدة مطروحة، وهي: هل نحن كعرب لدينا الوعي الكافي بمفهوم الديمقراطية الليبرالية ومتطلباتها كما حدّدها صانعوها ومنظروها؟... وهل ترتبط الديمقراطية الليبرالية السائدة بالسياق التاريخي الذي بُنيت عليه الثقافة العربية الإسلامية؟... ولماذا لا نخطو نفس منهج بعض البلدان والأمم العريقة القديمة (الصين، روسيا، الهند، اليابان...) التي صنعت لنفسها ديمقراطية محلية لا تتناقض مع المبادئ الكونية للحرية والديمقراطية ولم ترفض مبادئ الاقتصاد الحر، بل وظفتها لتتناسق مع سياقها الاجتماعي والثقافي المحلي؟!، وأخيرا لماذا تُصر بلداننا العربية على تبني هذه الديمقراطية الليبرالية قسرا أو عن طيب خاطر، على الرغم من أن نتائجها الظاهرة وخيمة على المجتمع، وآليات عملها متناقضة مع مبادئها الأصلية؟
سوف أبدأ من التساؤل الأخير، لأوضح أن الأزمات التي مرت بها الديمقراطية الليبرالية منذ انتهاء الحرب الباردة، ووصولا إلى بدايات القرن الحادي والعشرين، تؤكد أنها تواجه تحديات كبيرة وتتخبط في تناقضات هيكلية تمس المبادئ نفسها التي ترتكز عليها الديمقراطية الليبرالية.
يقول جورج كنان (Georges Kennan) وهو المدير السابق لإدارة التخطيط السياسي الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى، واستراتيجي الحرب الباردة «إذا سُئِلَت الجماهير العظيمة من الناس، عن طريق الصدفة، عما إذا كانوا يفضلون المؤسسات الديمقراطية الحقيقية أو الأمن وضمان العمل، فيجب أن يتوافر الكثير من الجرأة، للتأكيد من منظور تاريخي، في استطلاع رأي مماثل، انها الديمقراطية التي ستسود». وهذا يعني أن معيار الديمقراطية ليس المعيار الوحيد الذي يهم الشعوب، على الرغم من أهميته؛ بمعنى آخر أن معيار الديمقراطية لا يمكن له أن يسود وحده في تنظيم المجتمع، وأن الديمقراطية ربّما تندثر في ظل الفقر الاجتماعي والاقتصادي.
وربّما ما نراه اليوم من احتجاجات اجتماعية سواء في بعض البلدان الأوروبية الموصوفة بالديمقراطية، أو بعض البلدان الأخرى الموصوفة بأنها غير ديمقراطية، نرى أن أساسها ليس تطبيق معيار الديمقراطية من عدمه، بل أوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة، وسياسات حكومية فاشلة أفقدت الشعوب ثقتها في «الأمن (بمعنى المستقبل) وضمان العمل والرفاه الاجتماعي».
كما أن الحديث عن أن الليبرالية يجب أن تكون لصيقة بالديمقراطية، هو أمر غير دقيق؛ لأن بعض النماذج أثبتت عكس ذلك، وتم تطبيق مبادئ الليبرالية الاقتصادية ضمن أنظمة وصفت بالاستبدادية أو بالدكتاتورية. فعلى سبيل المثال شهد تشيلي الذي وُصف مدة طويلة تحت قيادة الجنرال أوغستو بنوشي (Augusto Pinochet) بالنظام الدكتاتوري، تبنيا للنظام الليبرالي لـ«Chicago Boys» (مجموعة من الاقتصاديين الشيليين المتميزين الذين تخرجوا في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، ونجحوا لدى عودتهم إلى بلدهم بين عامي 1970-1980 في تحويل شيلي إلى أفضل الاقتصادات المتقدمة في أمريكا الجنوبية، وذلك تحت حكم ما سمي دكتاتورية بينوشي). بل إن هذا النموذج هو النموذج المعتمد اليوم في البرازيل والذي يرمي إلى نفس الأهداف لجعل البرازيل من أقوى الاقتصادات في أمريكا الجنوبية والعالم، وذلك على الرغم من الاختلاف في طبيعة النظام السياسي عما هو معمول به في الدول الغربية.
وفي هذا السياق يقول المفكر الليبرالي الألماني الشهير فريدريك حايك (Friedrich Hayek) «أنا شخصيا أُفضل دكتاتورا ليبراليا بدلاً من حكومة ديمقراطية تفتقر إلى الليبرالية».
وبهذا المعنى أصبح اقتران الليبرالية بالديمقراطية لا معنى له، مّا يطرح أكثر من سؤال حول ماهية الديمقراطية الليبرالية نفسها.
كما أن هذا الطرح يمثّل دليلا آخر على أن فكرة فرض النظام الليبرالي ضمن ثوب الديمقراطية الغربية ليس بالحل الأمثل ولا يؤدي بالضرورة إلى نفس النتائج المرجوة طبقا للمبادئ والمفاهيم الأصلية للديمقراطية الليبرالية. فالصين التي عادة ما تُتّهم بعدم احترام حقوق الإنسان وباتباع نظام حكم استبدادي، تعطي نتائج اقتصادية متقدمة وتمنح مواطنيها رفاهية اجتماعية متدرّجة، على عكس معظم الدول الأوروبية التي أثبتت المؤشرات الاقتصادية للسنوات الأخيرة تراجعا كبيرا، وازدادت الأوضاع الاجتماعية سوءًا (أنظر أسباب الحركات الاحتجاجية للسترات الصفر في فرنسا التي اندلعت في أكتوبر 2018 ومتواصلة لليوم).
يقول الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي ريموند أرون (Raymond Aron) «إذا أردنا، في العصر الحديث، أن يكون لدينا نظام اقتصادي ليبرالي كما هو مطلوب من عالمي الاجتماع حايك (Friedrich Hayek) وروف (Jacques Rueff)، فسوف يتطلب الأمر دكتاتورية سياسية».
ويتمثل المرض الثاني في الديمقراطية الليبرالية في أن ليس هناك «ديمقراطية في عدم المساواة». فالديمقراطية الليبرالية تشجع على الثراء الفاحش الذي يؤدي بطبعه إلى القوة الفاحشة التي من شأنها أن تُخضع التابعين والضعفاء. وهذا يتناقض تماما مع مبدأ الحرية التي بُنيت عليها الديمقراطية والتي تهدف إلى مساعدة الفرد في مواجهة صعوبات وتحديات الحياة.
وبقدر ما يسهم نظام الديمقراطية الليبرالية في نمو القوة الاقتصادية لبلد ما، بقدر ما يولّد عدم المساواة وتفقير عديد الفئات الاجتماعية. وهي ميزة داخلية مرتبطة بآليات عمل هذا النظام نفسه. فعلى سبيل المثال تقرّر شركة معينة إعلان الإفلاس نتيجة المنافسة الشرسة في السوق، وهو مبدأ من مبادئ الديمقراطية الليبرالية، لكن الضحية في نهاية المطاف هم العمّال، الذين سوف يتم التخلص منهم على الرغم من العمل الرائع الذي قدّموه. والأخطر من ذلك، ضمن حالة التفقير التي تنتجها آليات نظام الديمقراطية الليبرالية، هو تنازل العمال، في بعض الحالات، عن جزء من رواتبهم، كحل مؤقت لإنقاذ الشركة التي يعملون فيها من الإفلاس.
ويسعى المدافعون عن الديمقراطية الليبرالية إلى التأكيد بأن هناك فصلا واضحا بين السياسة والاقتصاد باعتبارهما مجالين مختلفين. وأن الديمقراطية التمثيلية (الانتخاب) هي أفضل الأنظمة السياسية، وأن الليبرالية هي أفضل مبادئ الاقتصاد.
وفي الواقع، فإن هذا التأكيد يبدو غير مقنع لأن السلطة مهما كان نوعها سياسية أو اقتصادية، فهي في الأخير سلطة وقوة. وفي كل الحالات فهي جزء من تنظيم وعمل المجتمع. وبالتالي سرعان ما تتحول السلطة الاقتصادية إلى سلطة سياسية، مهما حاول البعض فصلها أو تحييدها مفاهيميا. وعلى سبيل المثال، تملك الشركات أو المؤسسات الاقتصادية الكبرى جزءًا من السلطة الفعلية داخل المجتمع. ومن هذا المنطلق، فهي تمارس سلطة في المجتمع تُضعف من خلالها سلطات الدولة المبنية أصلا على نظام الديمقراطية الليبرالية.
وفي الوقت الراهن، لم تعد الديمقراطية الليبرالية، النظام السياسي والاقتصادي الأمثل، حتّى في الدول الغربية نفسها التي أصبحت تعيش رفضا متزايدا من قبل مواطنيها وسياسييها الذين أصبحوا ينظرون اليها بعين العجز أمام تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، وعدم القدرة على إيجاد الحلول المناسبة.
فجاءت على سبيل المثال نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة (2017) بأكثر من معنى. إذ عبّر 40 بالمائة من الناخبين عن رفضهم للنظام الليبرالي أو النيوليبرالي، بالإضافة إلى نسبة مهمة من الناخبين الذي امتنعوا عن التصويت أو استخدموا الورقة البيضاء.
وفي بعض الدول، أصبحت الديمقراطية الليبرالية سيفاً مسلطا للخروج من الأزمات الاقتصادية، وهو حال بلد مثل اليونان الذي قَبلَ على مضض خطط الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي كمحاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية، على الرغم من أن حكومة السيد ألكسيس تزيبراس (Alexis Tsipras) مناهضة لمبادئ الليبرالية.
وإذا ما اطلعنا على وضعنا العربي، يبدو لي أننا نتحدّث عن كلمة الديمقراطية والديمقراطية الليبرالية بدون أن نكون قد استوعبنا التطور التاريخي الذي أنشأ الثقافة والحضارة العربية الإسلامية.
لقد خرجت معظم الدول العربية من تجارب استعمارية مريرة، وقد اعتقدنا أننا قد مسكنا بزمام أمور مستقبل بلداننا وشعوبنا، لكننا في الواقع لم نستوعب ما حلّ بنا، ما حلّ بهويتنا، بتاريخنا، بثقافتنا. وأكبر فشل ذريع تمثَلَ في فشلُنَا في بناء النظام الديمقراطي الذي ينسجم مع هويتنا ومع تطور سياقها التاريخي والاجتماعي. وفَشلُنا الثاني في اعتماد النظام الاقتصادي المناسب لتطور ونمو بلداننا وشعوبنا. وبقينا، بحسب ظروف كل دولة، بين مطرقة الرأسمالية الغربية وسندان الاشتراكية الشرقية.
وفشلُنا الثالث تمثل في نقص الشجاعة لنخطو نهج بعض الأمم القديمة مثل الصين وروسيا واليابان التي تمكّنت من تَبَنّي نظام ديمقراطي منفتح ولكنه يحافظ على الخصوصية والهوية الوطنية، ويدافع عنهما، وينافس في الوقت نفسه بشراسة ضمن الديمقراطية الليبرالية الفاحشة.
فبلدان جنوب شرقي آسيا، مثل الصين، استفادوا من عولمة الاقتصاد الليبرالي، من خلال مقاومة جوانبها السلبية، وذلك عبر إقرار مبادئ الحمائية، ووضع معايير وشروط لعمل الشركات الأجنبية ورؤوس الأموال، وهي إجراءات فشلت فيها معظم البلدان العربية.
في الختام، في حين يَعتبر معظم المحللين السياسيين والاقتصاديين أن الشيوعية لم تكن النظام الاقتصادي والسياسي الأمثل، وعلى الرغم من أن الديمقراطية الليبرالية تبقى النظام السائد على مستوى العالم، فإن العديد من الباحثين يعتبرون أن هذا النظام وصل إلى نهاية الطريق، ولم يعد النظام السياسي والاقتصادي القادر على تنظيم المجتمعات، بل أصبح يعيش أزمة خطيرة تحمل معها مشاكل جمّة.
ولم تسلم الديمقراطية الليبرالية من نقد الاقتصاديين الذين ينتمون نظريا إلى نفس الخندق مثل الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز (Joseph Stiglitz) الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد عام 2001، والذي وجّه نقدا لاذعا إلى سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الأذرع المالية الدولية ضمن نظام الديمقراطية الليبرالية.
وفي نهاية المطاف، يمكن القول بأن حلم الديمقراطية الليبرالية الذي اعتقد الكثيرون أنه تحقق بعد انهيار جدار برلين، لم يتحقق على أرض الواقع على الرغم من الانتشار الواسع للعولمة والرأسمالية الليبرالية حول العالم. فالعديد من الدول أصبحت قوى اقتصادية عالمية بدون أن تلبس ثوب الديمقراطية الغربية المزعومة. وحتى فكرة «نهاية التاريخ» التي جاء بها فوكوياما، تراجعت وأصبحت لا تجذب سوى المهتمين بالتاريخ السياسي. أما سلوك المواطنين على أرض الواقع، فأصبح مناقضا لفكر الديمقراطية الليبرالية.
واستنادا إلى إحصائيات مؤسسة (World Values Survey) التي نشرتها مجلة (Journal of Democracy)، يظهر أن الأبناء أقل تمسكا من الآباء بمسألة الديمقراطية، ونسبة كبيرة من هؤلاء الأبناء الشبان في أوروبا وأمريكا الشمالية يعتبرون أن التصويت لا قيمة له؛ وواحد من أصل ستة منهم يعتبر أن نظاما استبداديا بدون مساءلة أمام البرلمان هو «شيء جيد». كما أن أسوأ النتائج تم تسجيلها فيما يسمى أعرق الديمقراطيات وهي: بريطانيا والسويد.
وأخيراً: ستبقى التساؤلات المهمة والمصيرية حول خيارات ديمقراطية القرن الحادي والعشرين مستمرة في ظل مشاكل الديمقراطية الليبرالية، والغياب الفكري لرؤية عربية في هذا الشأن.