العرب – الولايات المتحدة الأمريكية... بعد انتخابات نوفمبر 2020

بدا أكيداً وصول الرئيس المنتخب جو بايدن للبيت الأبيض... وخاب أمل من كان يعتقد بأن دونالد ترامب سوف يفوز بولاية ثانية، أو إنه واتباعه سيشعلون حرباً أهلية أمريكية إن خسر هذه الولاية. وما يهمنا في كل هذا هو أنه بعد سنوات طويلة من تناوب الادارات الأمريكية في البيت الأبيض، ما بين الجمهوريين والديموقراطيين، بات في حكم الأكيد بأن تاريخ العلاقات الأمريكية العربية يُثبت أنها مبنية أساسا على المصالح، بالرغم من بعض الاختلافات الطفيفة في الاستراتيجيات المتبعة في إدارة العلاقات بين الطرفين، طبقا لنوع الإدارة التي تحكم في واشنطن.


سنحاول من خلال الآتي استشراف الخطوط العريضة لمستقبل العلاقات الأمريكية العربية على إثر فوز الديموقراطيين بالانتخابات الرئاسية، وذلك بالاعتماد على قراءة لتاريخ العلاقات الأمريكية العربية والرهانات المطروحة في المنطقة.
في البداية يجب التذكير بأن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، كان يشغل منصب نائب الرئيس في فترتين متتاليتين (2008-2016) وهي فترة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما. وهذا يعني نظريا أن استراتيجية العلاقات تجاه المنطقة العربية سوف تكون مشابهة أو على الأقل متضمنة لبعض خصائص الاستراتيجية السابقة.
ومّما يجعل هذه الفرضية أكثر حضورا، هو تواتر وجهات النظر السياسية داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى بأن شخصيات سياسية شاركت في فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما ستشارك في الإدارة الجديدة بقيادة جو بايدن. كما لا يخفى على أحد بأن شخصيات بارزة في السياسة الأمريكية مثل باراك أوباما وهيلاري كلنتون... وغيرها، قد دافعت بشراسة عن المرشح الديموقراطي جو بايدن، وبالتالي من الأرجح أن يكون لها تأثيرا ولو محدودا في استراتيجيات وقرارات الإدارة الجديدة داخليا أو على مستوى السياسة الدولية، بما في ذلك نوع وطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية مع المنطقة العربية.
أولا: مواصلة الدعم اللامشروط لإسرائيل
تجمع الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية تحالف قديمة مع إسرائيل لم تتغيّر منذ عقود تعتمد على الحماية الأمنية والدعم الاقتصادي والتفوق العسكري، بل أنها شهدت أزهى فتراتها مع الرئيس دونالد ترامب الذي مكّنها من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وحوّل مبنى السفارة الأمريكية للقدس، واعترف بالجولان المحتل، وضغط من أجل تسوية غير عادلة حول الأراضي الفلسطينية والمستوطنات، بالإضافة إلى محاولة إخراج إسرائيل من عزلتها عن محيطها العربي.
وبناءً على هذه المعطيات، لا يمكن أن نتصور أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل تحت إدارة جو بايدن، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية:
1. أي تغيير في السياسة التقليدية لعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل هو أمر غير مطروح إطلاقا.
2. الالتزام الشخصي لجو باين بدعم إسرائيل، إذ صرّح في مارس 2016، قائلا: "إذا كنت يهوديا فسأكون صهيونيا، والدي قال لي أنه لا يُشترط أن أكون يهوديا لأصبح صهيونيا (...) لأنني كذلك (صهيوني)" (1). وصرّح أيضا في وقت سابق أن "إسرائيل تُعد القوة الأكبر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط " (2).
3. تبني نفس السياسة لنائبة الرئيس المنتخبة كاميلا هاريس التي تعزف على نفس اللحن الداعم لإسرائيل. مع العلم أن زوجها المحامي دوغلاس إمهوف (Douglas Emhoff)، يهودي ومتعصّب لإسرائيل بدون حدود، ومن المستبعد ألا يكون له تأثيرا يصب في نفس الاتجاه.
ثانيا: تحالف استراتيجي مبني على دعم الاقتصاد الأمريكي ومحاربة الصين
لقعد ألحقت أزمة كورونا ضررا كبيرا بالاقتصاد الأمريكي، وأدت إلى تداعيات خطيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فقد خسر عشرات الآلاف من الأمريكيين لوظائفهم وأفلس عدد كبير من المؤسسات الصناعية والتجارية. ممّا خلق في الفترة الأخيرة نوعا من جو عدم الثقة بالإجراءات الحكومية لإدارة ترامب في مجال معالجة الأزمة الصحية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عنها.
وعلى هذا الأساس، فإنه من المرجح أن يكون التحدي الأكبر للإدارة الأمريكية الجديدة هو إرجاع ثقة المواطنين وإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. جزء من الحل سوف يتمثل، وكالعادة مهما اختلف لون الإدارة الأمريكية الحاكمة، في وضع المصالح الاقتصادية الأمريكية كجزء من الرهان الدبلوماسي. إذ تمثل الصناعات الأمريكية على رأس أولويات الرئيس المقبل وخاصة منها الصناعات العسكرية والتكنولوجية.
إن شركات ضخمة مثل بوينغ ومارتن لوكهيد المختصة في الصناعات الاستراتيجية، لطالما استفادت من علاقات خاصة مع الرؤساء الأمريكيين مهما اختلفت ألوانهم، وبالتالي سوف تكون الدبلوماسية الأمريكية بدون شك في خدمة هذه الصناعات الأمريكية الاستراتيجية. وهي سياسة أمريكية قديمة، تختلف فيها المناهج أو الأدوات، لكن المضمون يبقى نفسه وهو: أولوية المصالح الأمريكية.
من هذا المنطلق، واتساقا مع المصالح الأمريكية في المنطقة، سوف تواصل المنطقة العربية لتكون سوقا استهلاكية ضخمة للمنتجات الأمريكية، وخاصة منها الصناعات الاستراتيجية العسكرية والتكنولوجية، وذلك تماشيا مع حالة عدم الاستقرار الجيو سياسي بين القوى الإقليمية المتنافسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ومن جهة أخرى، لن توقف الإدارة الأمريكية الجديدة ضغوطاتها وتفعيل تحالفاتها في المنطقة العربية لكبح جماح التنين الصيني. وربّما لن تكون بالطريقة الفضّة التي كان يمارسها دونالد ترامب، بل بأدوات وأساليب أخرى، مثل رفع شعارات حقوق الإنسان ودعم حرية الشعوب ودعم الديموقراطية، أو الحرب على الإرهاب أو بالاستثمار وتقديم المعونة والتعاون والدعم اللوجستي، وهي جميعها أدوات ضغط تصب في نفس الاتجاه.
ثالثا: مواصلة اللعب بورقة إيران في المنطقة
من الصعب التنبؤ بموقف الإدارة الجديدة من برنامج إيران النووي والاتفاق السابق معها تحت إدارة باراك أوباما، لكن من المتوقع جدّا أن تكون إدارة جو بايدن أكثر مرونة في هذا الموضوع. بحيث سيتم فتح قنوات حوار ومفاوضات جديدة مع إيران، وتقليص العقوبات والقيود المسلّطة عليها، ربّما ستفضي إلى إبرام اتفاق جديد، أو إعادة الانضمام إلى الاتفاق القديم، كما تطلبه إيران وحتّى الأطراف الأوروبية الأخرى الموقعة عليه سنة 2015.
وفي كل الحالات سيبقى موضوع إيران، بمختلف جوانبه، الورقة الأكبر التي سوف تُستخدم في إدارة العلاقات في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا مع دول الخليج العربي. فإيران لم تتوقف يوما في التدخل في الشئون العربية والشئون الخليجية تحديدا، بدءً من دعم حزب الله في لبنان ودعم الحوثيين في اليمن، ووصولا إلى بسط نفوذها السياسي والعسكري والعقائدي في العراق، بالإضافة إلى دعم وتمويل عملائها في المنطقة بالمال والسلاح.
الموقف من إيران وكيفية إدارته، سوف يمثل بدون شكّ أحد أهم المؤشرات التي ستُبنى عليها العلاقات الخليجية الأمريكية، فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدّة والبحرين يعتبرون أن إيران هي المصدر الأول لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وبالتالي وجب اتخاذ موقف حازم ضدّها. لكن الإدارة الأمريكية الجديدة التي تُعتبر نظريا امتدادا لسياسة إدارة باراك أوباما، ربّما لديها حسابات أخرى وترى الموضوع من زاوية مغايرة.
نعتقد بشدّة، أن الادعاء الأمريكي بضرورة إيجاد حل يُفضي إلى الاستقرار في المنطقة سواء من خلال فرض العقوبات على إيران أو التفاوض معها، هو إداء كاذب، فالأمريكيون، جمهوريين كانوا أو ديموقراطيين، فهم يلعبون بورقة إيران من أجل حماية مصالحهم في المنطقة، ولن يذهبوا بعيدا في فض النزاعات وإيجاد الحلول التي ترضي جميع الأطراف في المنطقة. فالإيرانيون متواجدون سياسيا وعسكريا في العراق منذ احتلالها عام 2003، وتُنسق مجموعاتهم بشكل مباشر أو غير مباشر مع القوات الأمريكية المتواجدة في العراق. إذن فالبلدان تجمعهما مصالح مشتركة وينسقان من أجل الحفاظ عليها. ولإيران في سوريا تواجد عسكري داعم لنظام الأسد ومعلوم لدى الجميع، وتحاول الإدارة الأمريكية أخذه بعين الاعتبار في تحركاتها واستراتيجياتها السياسية والعسكرية في سوريا.
وبالتالي من يعتقد بأن الإدارة الأمريكية الجديدة سوف تأتي بالحل السحري لتحجيم إيران وتحييد تدخلاتها في دول المنطقة أو التفاوض معها من أجل الأمن والاستقرار في المنطقة، فهو أمر خاطئ. إيران سوف تواصل القيام بدورها الأساسي في تقويض الأمن والاستقرار وتهديد جيرانها والتدخل في شئونهم الداخلية، والإدارة الأمريكية الجديدة سوف تعمل على محاولة امتصاص التوترات بالتفاوض تارة والتهديد تارة أخرى، لتبقى المنطقة مسرح للتوتر الإقليمي، ربّما يتواصل لسنوات طويلة لحين ظهور بوادر لنظام عالمي جديد أكثر توازنا على المستويين الإقليمي والدولي.
رابعا: مواصلة استخدام ورقة الاخوان المسلمين في المنطقة
مسألة جوهرية أخرى سوف تستأثر بأجندة الإدارة الأمريكية الجديدة في علاقتها بالعالم العربي والإسلامي، وهي مسألة تنظيم الإخوان المسلمين والدور الذي يجب أن يلعبه في سياسة دول المنطقة. فيجمع الديموقراطيين منذ اكثر من ثلاثين سنة علاقات وطيدة مع جمعيات ومنظمات إسلامية أمريكية محسوبة على تيار الإخوان المسلمين، أبرزها الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (Islamic Society of North America (ISNA)) والناشطة في الحزب الديموقراطي ضمن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وكذلك مع الرئيس المنتخب جو بايدن ومعاونيه (3)، بالإضافة إلى لوبيات وجمعيات ومنظمات محسوبة على نفس الاتجاه وتمارس تأثيرات قوية على صنع القرار السياسي المرتبط بالعالم العربي والإسلامي تحت إدارة الديموقراطيين، من بينها: رابطة المسلمين الأمريكيين (American Muslim Alliance)، والمجلس الإسلامي للشئون العامة (Muslim Public Affairs Council)، والجمعية الإسلامية الأمريكية (Muslim American Society)، وخاصة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (Council for American Islamic Relations)، الذي يعتبر مديره أن "الإخوان المسلمين هم مجرد حركة اجتماعية"(4).
الدعم اللامحدود الذي شهده الإخوان المسلون فيما سمي بالربيع العربي، وخاصة في مصر وتونس، من قبل إدارة باراك أوباما لم يكن غريبا بالرجوع إلى العلاقات التي تجمع الإدارات الديموقراطية بتيار الإخوان المسلمين أمريكيا ودوليا. وكذلك بالرجوع إلى مستشاري باراك أوباما السابقين المحسوبين على تيار الإخوان المسلمين، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: عارف علي خان، الذي تم تعيينه سنة 2009 مساعد وزير الأمن الداخلي، ثم مستشار باراك أوباما للدول الإسلامية، وكان وسيط إدارة باراك أوباما والحركات الإسلامية في فترة ما سمي بالربيع العربي، والذي دافع بشدّة لوصول محمد مرسي للحكم في مصر وحركة النهضة في تونس.
وطبقا لمؤسسة المراقبة اليومية لجماعة الإخوان المسلمين العالمية (Global Muslim Brotherhoods Daily Watch) (5) لا مجال للشك في العلاقات الجيدة التي تربط تيار الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية بفريق حملة جو بايدن، بنفس مستوى العلاقات التي جمعته سابقا بإدارة أوباما وكلينتون. وتضيف المؤسسة أنه سيكون لهذا التيار تأثير قوي على الحكومة الفيدرالية، وبدون أدنى شك على السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وختاما، ربّما لا يمكن وضع صورة واضحة لمستقبل العلاقات الأمريكية العربية مع الإدارة الجديدة، لكن الملامح الأولية تؤكد مواصلة اللعب بنفس الأوراق ولكن بأدوات وأساليب مختلفة، مع التأكيد على أولوية المصالح الحيوية والاستراتيجية الأمريكية والضغط على فرض نظام عالمي جديد يخدم الدور الأمريكي العالمي بالدرجة الأولى.


(1) https://www.instagram.com/skton_news/?hl=en
(2) نفس المصدر السابق
(3) https://www.atlantico.fr/rdv/3592893/les-liens-troubles-entre-les-administrations-clinton-obama-et-les-freres-musulmans--et-le-risque-de-voir-celle-de-biden-reprendre-ce-chemin-en-cas-de-victoire-a-la-presidentielle-de-novembre-alexandre-del-valle-
(4) المصدر السابق
(5) المصدر السابق