حرب المعلومات والتضليل الإعلامي

يُعدُّ موضوعُ حربِ المعلوماتِ والتضليل الإعلامي (The War of Information and Misinformation)، على أهميته، موضوعًا قديمًا جدّا، تم استخدامه وممارسته في إدارةِ السياسة العامة والتأثير على الرأي العام وضرب الخصوم، والتأثير في العلاقات بين الدول وإعلان الحروب ووقفها، لكن أهميته تزايدت بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة مع تكثيفِ استخدام وسائل الإعلام الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي من قِبَل الأفراد والمجموعات والدول، والزيادة في امتلاك شركات التكنولوجيا للمعلومات والسيطرة عليها وتوجيهها، مّا أدّى إلى بروز إشكاليات جديدة أكثر تعقيدًا، من أبرزها انتشارُ الأخبار الوهمية (Fake News)، والتزييف العميق (Deep fake)، وانتهاك الخصوصية وظهور نوع جديد من الديكتاتورية المعلوماتية التي تمارسها شركات التكنولوجيا الكبرى، من خلال تحكّمها في منابع وخط سير المعلومات والقدرة على التلاعب بها أو توجيهها، وبالتالي القدرة على التغيير في السلوك والتأثير في العقول.


سوف نحاول من خلال الآتي تحليل الأهمية الكبرى للمعلومات كقوة مؤثرة في الشأن العام محليًّا ودوليًّا، وإبراز مفاهيم ومخاطر التضليل الإعلامي وانعكاساته على تطور المجتمع وتأثيره القوي في اتخاذ القرار السياسي سلبًا أو إيجابًا وخاصة على مستوى العلاقات الدولية. كما نركز في الاتجاه نفسه على مخاطر الأخبار الوهمية التي تُبث بشكلٍ مقصود أو غير مقصود ودورها في تسميم الحياة السياسية والاجتماعية وفي ممارسة الضغط على الدول وابتزازها، مع الاهتمام بشكل خاص بالمنطقةِ العربية.

أهمية المعلومات في المجتمع..
مثَّل تطورُ مفهومِ المعلومات المحركَ الرئيسي لتطور نمط المجتمع الإنساني الذي تدرّج من المجتمع الزراعي، مرورًا بالمجتمع الصناعي، ووصولا إلى مجتمع المعلومات الذي نعيشُ تفاصيله اليوم. ويتفق الجميع أن المعلومات تمثل، اليوم، العمودَ الفقري للنشاط الإنساني ضمن أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وفي مستوى العلاقات بين الشعوب والدول. وأضحى امتلاك المعلومات السمةَ الأساسية لمظهر القوة، سواء كانت صادرة عن أفراد، منظمات، مؤسسات، شركات، أو دول.
وعلى هذا الأساس، ومع التطور الرهيب الذي شهدته التكنولوجيا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، شُبّهت المعلومات بـ«الطاقة الجديدة» التي تلعب الدور الأكبر في إنتاج النفوذ وإدارة العالم. كما أنه أصبح من الاستحالة أن تُبنى البرامجُ والاستراتيجيات وتُتّخذ القراراتُ، صائبة كانت أم خاطئة، سياسية كانت أو اقتصادية، تهم السلم أو الحرب، من دون الرجوع والاعتماد على المعلومات.
وفي هذا الاتجاه، أصبحت المعلومات تمثّل السلاحَ الجديد الذي بفضل القدرة على امتلاكه وحسن توظيفه واستعماله في جميع المجالات، توفر لصاحبه أدوات التفوق والقدرة على المناورة والتفاوض والنجاح، وتزيد من أسباب تمكّنه في الصراع والسيطرة على الآخر (الفرد، المجموعة، الشعب، الحكومة.. الخ) في معناه السوسيولوجي. لكن امتلاك المعلومات، في نفس الوقت، هو امتلاك لسلاح قوي ذي وجهين، يمكن أن يُصلح ويُقرّب، بقدر ما يمكن أن يُبعد ويُدمّر. ما جعل الحروب بمختلف أشكالها (اقتصادية، سياسية، عسكرية) تعتمد على المعلومات، وتنتهج في أغلب الأحيان مسار التضليل الإعلامي ضمن أطر واستراتيجيات وأهداف معينة.

حرب المعلومات والتضليل الإعلامي..
إن حربَ المعلومات كانت ولا تزال في قلب الصراعات التي تنشأ بين المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية محليًّا، وبشكل أعم بين الدول أو القوى الإقليمية والدولية. وتستخدم حرب المعلومات بشكل عام في التأثير بهدف الإقناع وكذلك في المغالطة والتضليل بهدف السيطرة والتحكم.
وفي الواقع، إن مفهوم التضليل الإعلامي ضمن أهداف عسكرية أو سياسية ودبلوماسية، ليس وليد اللحظة، بل يعبّر عن ممارسة قديمة جدّا، إذ وصف الجنرال الصيني (Sun Tzu) منذ القرن الخامس قبل الميلاد الحرب بأنها "فن للخداع"، وأضاف "إن فن الحرب الأسمى هو إخضاع العدو دون قتال"، والخداع في هذا السياق مبنيٌّ على محتوى وطريقة إدارة المعلومات. وبالتالي فإن التضليل الإعلامي في مفهومه الأصلي هو تقنية عسكرية تهدف إلى إخضاع العدو بأقل التكاليف.
فعلى سبيل المثال، وجد هتلر في (Gleiwitz) سنة 1939 والتي كانت مبنية على معلومات مغلوطة ومضلّلة ذريعة للحرب (تمثلت الحادثة في تنكّر جنود ألمان في زي معارضين بولنديين وتنفيذهم لهجوم على محطة إرسال إذاعية ألمانية (Gleiwitz)، هدفها توفير حجة قوية لقرار هتلر باحتلال بولندا، وبعدها واصل الزحف على أوروبا، واستمرت بعدها الحرب العالمية الثانية التي بلغ عدد ضحاياها 60 مليونَ قتيل، أي ما يعادل 2.5% من إجمالي تعداد سكان العالم حينئذ.
والمثال الآخر الذي لا نزال نتذكره، هو مشهد الصور المفبركة التي قدّمها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، كولين باول، أمام الأمم المتحدة في مارس 2003 حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، والذي يعد أكبر تضليل إعلامي عالمي في القرن العشرين، أدى إلى احتلال بلد عربي مسلم من دون حق، ونتج عنه تدمير وتقتيل وتهجير لبلد وشعب أعزل لا حول له ولا قوة أمام كذب وقوة وبطش الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
وباختصار يمكن تلخيص مفهوم التضليل الإعلامي على أنه التلاعب بالرأي العام، لأغراض سياسية، مع معالجة وإدارة المعلومات بواسطة طرق ملتوية. وتلعب القوى الناعمة، وعلى رأسها وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وقنواتها، الدورَ الرئيسي في تنفيذ هذه المهمة سواء كان ذلك بصورة مقصودة أو غير مقصودة. كما أصبحت ممارسات التضليل الإعلامي أكثر انتشارا ورواجا محليا وعالميا بفضل الاستخدام المكثف والمتنامي لوسائل الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي. وأصبحت هذه الممارسة غير مقتصرة على وسائل الإعلام التقليدية المؤسسية، المعروفة باحترامها للحد الأدنى للمعايير المهنية وأخلاقيات المهنة، بل تجاوزتها إلى ممارسات يومية لأفراد ومجموعات، بعضها معروف وبعضها الآخر غير معروف، بعضها يتصرف بشكل ذاتي، وبعضها الآخر يعمل كواجهة لأطراف نافذة، بحيث أصبحنا نعيش وضعية معقّدة يصعب فيها التمييز بين الصح والخطأ، وخصوصا عندما تتداخل الأمور مع مبادئ الحق في التعبير عن الرأي وعدم التفريق بين دور المؤسسة الإعلامية المهنية والممارسة الحرة للتدوين ونشاطات وسائل التواصل الاجتماعي والخلط بين الإعلام والتضليل في ذهن المتلقي.

هذه الوضعية المعقّدة أفرزت ما أصبح يعرف بالأخبار الوهمية (Fake News) التي تعرّفها مجلة التايم "Time Magazine" على أنها "قصة كاذبة، غالبًا ما تكون ذات صورة غير طبيعية، تم إنشاؤها لتتم مشاركتها على نطاق واسع على الإنترنت بغرض توليد إيرادات الإعلانات عبر حركة سير الويب أو تشويه شخصية عامة أو حركة سياسية أو شركة، إلخ". كما أفرز التطور الكبير للتكنولوجيا ما يُدعى اليوم بالتزييف العميق (Deep Fake) الذي يُستعمل أساسا في تزييف فيديو وصور لمشاهير أو سياسيين ومشاركتها بشكل واسع على الإنترنت، والذي تعرّفه شبكة CNBC على أنه "التكنولوجيا التي تستخدم لإقناع الناس حول شيء ما يكون غير صحيح".
وانتشر هذا النوع من الأخبار الوهمية والتزييف العميق محليًّا وعالميًّا، واقترن بأحداث عديدة أحدثت جدلا واسعَ النطاق مثل التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2016، والتغطية الإعلامية لموضوع البريكسيت، وكذلك التغطية الإعلامية لمعظم الحروب والأزمات حول العالم وخاصة في المنطقة العربية، وبعد انتهاء الحرب الباردة.
وتبقى الأخبار الوهمية، "الابن المدلل" لحرب المعلومات، لما تتميز به، كسلاح إعلامي، من تأثيرٍ بالغٍ في الرأي العام وانتشار سريع، وكلفة متواضعة. حتّى أنها أصبحت السلاحَ المفضل في إدارة العلاقات الدولية والتعامل مع الحروب والأزمات. وتدخل حسب عديد الباحثين ضمن حزمة أدوات حروب الجيل الرابع أو ما يسمى بالحروب اللامتماثلة.

دكتاتورية شركات التكنولوجيا والمعلومات والإعلام
ولا يمكن لحرب المعلومات والتضليل أن تتطور وتستمر كسلاح في إدارة العلاقات البشرية والعلاقات بين الدول، من دون الدور المحوري والرئيسي الذي تلعبه شركات التكنولوجيا والمعلومات. وفي الواقع، هذه الشركات تتحكم في مفاصل عمليات إنتاج ونشر وسير المعلومات محليًّا ودوليًّا.
وتمتلك كبريات شركات التكنولوجيا والمعلومات في العالم، قواعد بيانات لأكبر عدد ممكن من سكان العالم، فهي تُخزّن جميع المعلومات المرتبطة بهم من بيانات وصور وفيديو ومراسلات إلكترونية، وعمليات بحث إلكترونية، وتراقب نشاطاتهم الرقمية، وتُحلّل سلوكهم اليومي، وتبيع توجهاتهم الفكرية لطرف ثالث. فعلى سبيل المثال، تحولت شركة فيسبوك مؤخرا إلى أكبر قاعدة بيانات بشرية في العالم بعد استحواذها على ثلاثة تطبيقات أخرى وهي .(WhatsApp, Instagram, Messenger)
كما انتشر في السنوات الأخيرة اختصار (GAFAM) الذي يعني خمس أكبر شركات تكنولوجية في العالم (Google، Apple، Facebook، Amazon، Microsoft). وهي كلها شركات أمريكية عالمية لا شكّ في الدور الإيجابي الذي تلعبه من حيث التنمية الاقتصادية والتطور والابتكار العلمي والتكنولوجي، لكنها في نفس الوقت تسيطر من دون منازع على شرايين التكنولوجيا والمعلومات... وبلغت قيمتها السوقية مجمعة سنة 2018، 4.1 تريليونات دولار، أي ما يضاهي الناتج المحلي لألمانيا، بريطانيا أو فرنساii، وميزانيتها مجمّعة تتجاوز ميزانية دول القارة الإفريقية بأكملها... وبالتالي تضع باقي دول العالم والشعوب تحت سيطرتها بشكل أو بآخر.
هذه السيطرة التكنولوجية تحولت شيئا فشيئا إلى نوع من الديكتاتورية التكنولوجية التي لا تُمارس بالقوة المادية، بل بامتلاك المعلومات وتوجيهها. فالمضحك المبكي أنه لا فيسبوك فرض علينا نشر أخبارنا وقصصنا وصورنا على منصته، ولا أمازون فرض علينا شراء السلع عبر منصته ولا جوجل فرض علينا أيضا استخدام محرك بحثه للقيام بعمليات بحث تخص بحوثنا وشؤوننا.

إن العملية أشبه ما تكون بعملية سحر حولتنا إلى عبيد عصر جديد، تختلف فيه علاقة الكره والحقد التقليدية بين العبد والسيد، لتصبح علاقة حب يستفيد من خلالها العبد ويزيد فيها السيد ثراءه بفضل السيل الجارف من الإعلانات التي تدر ذهبا والتي نكون قد خلقناها نحن المستخدمين بفضل نشاطاتنا الرقمية اليومية على منصات أسيادنا. هذا هو النموذج الجديد من الاستعباد المُخيّر في زمن العولمة ومجتمع المعلومات.
إن كانت العلاقة بين المستخدمين وأسياد التكنولوجيا علاقة رابح-رابح، فلا بأس بذلك، لكن الأمر الخطير هو استغلال شركات التكنولوجيا لبيانات المستخدمين وتوظيفها في عمليات غير معلنة منها ما هو اقتصادي تجاري، ومنها ما هو سياسي أيديولوجي وأمني. وبالرغم ممّا تدّعيه شركات التكنولوجيا من احترامها لبيانات وخصوصيات المستخدمين، أثبتت الأحداث أن التجاوزات في هذا الشأن تكرّرت ولا تزال. وأكبر فضيحة جاءت عن طريق إدوارد سنودن (Edward Snowden)، العميل السابق بالمخابرات الأمريكية، سنة 2013، عندما سرَّب بالتنسيق مع جريدة The Guardian معلومات حسّاسة عن أنظمة تجسس تستخدمها وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) مثل (Prism, XKeyscore, Tompora) التي حصلت بمقتضاها بصورة مباشرة على بيانات حسّاسة للمستخدمين من سبع شركات تكنولوجية وهي (AOL، Apple، Facebook، Google، Microsoft، Paltalk، Skype،Yahoo ) .وتشمل البيانات، مراسلات البريد الإلكتروني، المحادثات الصوتية، عمليات البحث عبر محركات البحث، نشاطات التصفح على الإنترنت، الخ...
وفي الإطار نفسه مَثُل مؤسس شركة فيسبوك أمام الكونجرس الأمريكي وأمام البرلمان الأوروبي سنة 2015 لتفسير النقد الموجه لتجاوزات وثغرات في حماية الخصوصية وبيانات المستخدمين. واعترف مؤسس فيسبوك بوجود ثغرات تخص هذه المسألة ووعد بمعالجتها. وهو في الواقع إقرار غير مباشر بالتلاعب بالبيانات والمعلومات ضمن أطر تجارية وسياسية معيّنة، وضمن حرب معلومات غير معلنة.
وتعدُّ حرب المعلومات، حرب سيبرانية في الأساس، فمن خلالها وبقطع النظر عمّن يقوم بها أو يقف وراءها، يتم سرقة وإتلاف البيانات والإضرار بالبنية التحتية التكنولوجية للشركات والمؤسسات والدول. وينتج عنها أيضا إضرار بالاقتصاد وبالمصالح الحيوية للدول.
أخيرًا، السؤال الأكثر إلحاحا هو إذا افترضنا أن شركات التكنولوجيا العالمية تسيطر على بيانات الأفراد والمجموعات من الناحية التقنية، فهل لديها القدرة على معالجتها وتوجيهها ضمن اتجاهات معينة أو توظفها لخدمة أجندات أو مشاريع سياسية معيّنة؟
ربّما، ليس لدينا إجابة واضحة ودقيقة حول هذا السؤال، لكن المؤكد أن شركات التكنولوجيا العالمية وخاصة منها الأمريكية هي طرف إلى جانب أطراف عديدة ضمن الحرب اللامتماثلة، حرب الجيل الرابع، التي تمثل المعلومات فيها عصب عمليات الصراع والأزمات والحروب.

التضليل الإعلامي... الأخبار الوهمية... المنطقة العربية..
وربما تكون المنطقة العربية من أكثر المناطق عرضة للتضليل الإعلامي وممارسة الأخبار الوهمية، لأنها ولأسباب تاريخية، تعدُّ المنطقة الأكبر أهمية من الناحية الجيوسياسية والجيواستراتيجية. كما أنها كانت ولا تزال في عمق الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية.

ولو طبّقنا قواعد التضليل الإعلامي الممارس في الحروب على المنطقة العربية لوجدنا تطابقا كبيرا حول هذه الممارسات على أرض الواقع، سوف نحاول إيجازها فيما يلي:
1- تشويه سمعة كل ما هو جيد في البلد المنافس/ العدو: وأهم ما يتم تشويهه هو تاريخ العرب وقيمهم الأخلاقية والدينية والحضارية التي كانت ولا تزال من أهم بُنى العرب كأمة عبر التاريخ... وهذا الأمر يحيلنا إلى كوننا أبطالا في جلد الذات، فأصبحنا نكره أنفسنا وتاريخنا، بداية من لباسنا ووصولا إلى سمة الشخصية العربية. وأصبحنا نعتبر كل ما هو أصالة وتراث في ثقافاتنا الوطنية ضرب من الجهل وابتعاد عن الحضارة.. وبذلك نجحت وسائل الإعلام الغربية، خصوصا، ضمن استراتيجيات التضليل الإعلامي على إلصاق تهمة الإرهاب الإسلامي في شعوبنا، ويشار لنا بالبنان، لمجرد كوننا مسلمين.
2- إشراك ممثلي الطبقات الحاكمة في البلد المستهدف في أعمال غير قانونية: ومهما كان هذا الأمر بشكل مقصود أو غير مقصود، فإن وسائل الإعلام الغربية ووسائل الإعلام المحلية التي تعتبر نفسها «ثورية» روّجت لإبراز الشخصيات السياسية المستهدفة من رأس النظام إلى الرموز التاريخية، من دون استثناء، كشخصيات هشة أو فاسدة.. وبذلك ينجح الإعلام في إسقاط الرموز التاريخية والحضارية من جهة، وتشويه الشخصيات السياسية المستهدفة لاستبعادها ومحاكمتها وإعدامها معنويا وماديا من جهة أخرى.. وهذا مثال من أمثلة كثيرة وعديدة.
3- تشويه سمعة القيادات الحاكمة وتسليمها لازدراء المواطنين عندما يحين الوقت: وعلى هذا الأساس، شُوّهت سمعة مئات القادة العرب داخل وخارج بلدانهم بالرغم من الخدمات والتضحيات التي قدّموها لأوطانهم. واختلطت الأمور أمام المواطنين الذين، في خضم حرب المعلومات والتضليل الإعلامي المحكم، لم يعودوا قادرين على التمييز بين الصح والخطأ.
4- نشر الخلافات البينية على المستوى الوطني والإقليمي في المنطقة المستهدفة: إن الغالبية العظمى من الخلافات البينية العربية، وعدم التوافق ضمن حسابات ضيقة وانقسامات طائفية وعرقية وقبلية وأيديولوجية وسياسية، وزيادة التباعد العربي كلما اقتربت أوجه النظر، تغذيها أساسا حرب المعلومات والتضليل الإعلامي، بجانب تقنيات سياسية أخرى نجحت على مر التاريخ في الإيقاع بضحاياها.
5- تحفيز الشباب ضد التقاليد واجتثاثهم من تاريخهم في المنطقة المستهدفة: ويتقاطع هذا الأمر مع مسألة جلد الذات، بالإضافة إلى تأليب الصغار على الكبار وإيهام الشباب بالتهميش وعدم لعب الدور الأكبر في الحياة الاجتماعية والسياسية. وليس من المستغرب أن معظم الدول العربية التي شهدت أحداثا منذ 2011، رفعت شعار "ثورة الشباب".
وفي الأخير، لا بد من الإشارة إلى أنه في خضم الافتقار إلى فهم دقيق حول حرب المعلومات وخبايا التضليل الإعلامي، لا يمكن لشعوب ودول المنطقة أن تحمي نفسها من خطر محدق لا تُستَخدم فيه الأسلحة التقليدية، بل أسلحة جديدة ذكية لا مادية، تنضوي تحت الحروب اللامتماثلة من الجيل الرابع، وهي أفتك من أجيال الحروب السابقة، لأنها غير ملموسة، سريعة الانتشار وقوية التأثير على الرأي العام، ويقابلها فقر علمي وفكري ووضع اجتماعي وسياسي وثقافي هشّ ومعرّض للاهتزاز في أي لحظة.


كلمات دالة: