ليس الشقاق طبعاً في العرب

في معرض رد ساطع الحصري على سؤال المفكر أحمد حسن الزيات "هل الشقاق طع في العرب"، حاول أن يكون أكثر شمولا في بحثه وتشخيصه للاختلافات السياسية فيما بينهم، فبداً بوصف السرعة الخارقة التي انتشر فيها العرب بعد الهجرة النبوية في القارات المعروفة آنذاك، ففتحوا خلال قرن واحد بلاداً اوسع بكثير مما فتحه الرومان خلال ثمانية قرون. فكانت أطراف الأمة الإسلامية ممتدة مع أوائل القرن الثامن الميلادي من أقاصي إفريقيا من جهة، نحو أواسط أوروبا، وإلى أقاصي آسيا من الجهات الأخرى، لذلك كانت عمليات الضبط والسيطرة صعبة جداً نظرا لظروف تلك العصور، ورغم ذلك امتد الحكم العربي على تلك المناطق الشاسعة لفترات طويلة من الزمن طوال التاريخ القديم والوسيط، مقارنة بأية أمبراطورية أخرى في العصور السابقة، علماً بأن انقسام السلطنات والأمبراطوريات الكبيرة وانحلالها إلى اقطاعيات صغيرة كانت من الأمور الطبيعية المألوفة في جميع أنحاء العالم المعروف في تلك العهود.


وهنا يوجه المفكر القومي ساطع الحصري سؤاله، "كم أمة من الأمم التي عرفها التاريخ كانت أقل اختلافاً واكثر اتحاداً من الأمة العربية من الوجهة السياسية؟". وللحصول على جواب مقنع على هذا السؤال جاء سرده لتاريخ اليونان، ثم الرومان وما حملا من الاختلافات التي وصلت بهما إلى الانقسامات التي يذكرها التاريخ. ولهذا كله يؤكد الحصري بإننا كلما توسعنا وتعمقنا في دراسة تاريخ الدول الأوروبية، إزددنا يقيناً أن معالم الاختلاف والانقسام فيها لم تكن قط أقل من التي تجلت في تاريخ العرب، بوجه عام.
ويصل الحصري إلى نتيجة محددة في هذا الشأن، نوردها كما جاءت نصاً في ذلك المقال كالآتي: "إن مراكز رؤيتنا تاريخ العرب تختلف - بوجه عام - عن مراكز رؤيتنا تواريخ الأمم الأخرى. فنحن ننظر إلى تواريخ الأمم الأخرى عن بعد، بنظرة إجمالية، فندرك خطوطها الأساسية العامة دون أن نتعمق في تفاصيلها الفرعية. ولكننا ننظر إلى تاريخ العرب من قرب، بنظرة تفصيلية، فنطلع على كثير من تفاصيله من دون أن نحيط علماً بخطوطه الأساسية".
وها نحن بعد مرور أكثر من نصف قرن على هذا المقال وهذا التحليل العميق والمتقدم على عصره، يمكننا أن نقول بأن الأمة العربية، اليوم، هي بأمس الحاجة لرؤي فكرية وتاريخية متعمقة وشاملة لإصلاح ما تم إفساده في الشأن القومي العربي، ولما تم بثه من شكوك حول أحقية هذه الأمة في البقاء. فبعد ما لا يقل على ثلاثة عقود، تم خلالها خلق العوامل الداخلية والخارجية لضرب مواطن القوة في الأمة، وتكثيف وتعميق مواطن الضعف فيها، والذي انتهى باحتلال العراق، قلب الأمة العربية، دخلنا عصر جديد فيه الكثير من التحدي والخوف على مصير هذه الأمة بسبب ما تم ويتم العمل به لخلق الشكوك والأكاذيب لتشويه تاريخها وحاضرها ومستقبلها، سواء بما يتم تدوينه تأريخاً لأحداثها، أو فيما يتم افتعاله من قضايا لكسر الإيمان بعوامل بقائها.


كلمات دالة: