التصدي للفساد الإداري - 1

يعد الفساد الإداري أحد أكثر المشاكل التي تواجه السياسة العامة في القطاعين العام والخاص في دول العالم بشكل عام، وأحد أكبر الآفات السياسية في الدول النامية بشكل خاص.
ويعد الفساد الإداري في عالمنا العربي أحد أكبر أسباب تراجع وتدني الإبداعات البشرية، كما هو السبب الرئيسي في إخراج الكفاءات المخلصة والشريفة والمحترفة إلى خارج دائرة العطاء والتنمية وإحلال العناصر الضعيفة والمتدنية الكفاءة والتأهيل مكانهم، فيكون الناتج هزيلاً وضعيفاً، يدفع ثمنه المواطن العادي الذي لا حول له ولا قوة.
أما في البحرين فيكاد الفساد الإداري أن يقول ها أنا ذا (خذوني) ... إذ لا يمكن لأي إنسان أن يغض الطرف ، حتى لو شاء ذلك ، عن هذه الآفة السياسية المستشرية ، في الأغلبية العظمى من مرافق البحرين الخاصة والعامة ، والتي على مدار عقود من الزمن ، كانت ولا زالت ، عائقاً تنموياً ، كما كانت سبباً من أسباب تدني المستوى التعليمي والمهني والخدمي والتخطيطي بشكل عام ، كما كانت سبباً أساسياً للتسرب البشري والمادي والإخفاقات الكبيرة في مجمل المشاريع الخدمية والعمرانية والإستثمارية ، وسبباً في الكثير من القضايا التي حان الوقت أن يؤدي الإعلام دوره الحقيقي في الكشف عنها بهدف وضع حد لهذه الآفة وللمستفيدين من إستمراريتها دون رقابة أو محاسبة.


يقول المثل العربي "المال السايب يعلم السرقة"، وعلمياً هذا هو السبب الأهم والأكبر في إنتشار ظاهرة الفساد الإداري في كل مكان، أي أن في مجتمعات تفتقد الشفافية والمراقبة والمساءلة والمحاسبة لا يمكن إلا أن ينتشر فيها الفساد الإداري بكل أبعاده. ولذلك ، مع افتقاد مجتمعنا البحريني ، في جميع قطاعاته العامة والخاصة ، لآليات المراقبة الشعبية والتشريعية خلال أهم فتراتها التنموية ، وفي ظل عقود ارتفاع العائدات النفطية ، تمكّن الفساد الإداري في البحرين من التغلغل ، كالخلية السرطانية ، في بنى القطاعين العام والخاص على حد سواء ، وما كانت الحوادث المالية الثقيلة المعيار التي عاشها المجتمع البحريني خلال السنوات العشر الأخيرة ، في مؤسسات القطاع الخاص ، إلا مظهراً من مظاهر الفساد الإداري الذي لم يتمكن المتسببين بها من التعتيم عليها بسبب ثقل وضخامة حجمها ، ورغم ذلك تم التعتيم بعد ذلك على مجريات التحقيق فيها والإعلان عن المتسببين بها بعدة وسائل .
ومن جانب آخر لا يمكن أن ننكر أيضاً بأن هذه الآفة هي من أصعب المشاكل السياسية التي يمكن أن تواجهنا في المرحلة الحالية والمستقبلية، وخصوصاً بعد صدور قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يحدد "رقابة كل من مجلسي الشورى والنواب فيما يتعلق بأعمال أعضاء السلطة التنفيذية وتصرفاتهم، على ما يتم منها بعد تاريخ انعقاد المجلسين في أول فصل تشريعي، ولا يجوز لهما التعرض لما تم من أفعال أو تصرفات سابقة على هذا التاريخ" (مادة 45 من مرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلسي الشورى والنواب). هذه المادة التي جعلت جميع من مارسوا أي نوع من أنواع الفساد الإداري من أعضاء السلطة التنفيذية، خلال العقود الثلاثة الماضية، بعيدين عن المساءلة والمحاسبة، والبدء في مراقبة ومساءلة السلطة التنفيذية من ديسمبر 2002 وليس قبل ذلك، وذلك رغم استمرار نفس آليات الفساد إلى هذا اليوم بصورة متسلسلة لا يمكن فصل أولها الماضي عن آخرها القادم. إضافة إلى أن هذا القانون يمكن أن يغري الكثيرين للقيام بنفس الممارسات اليوم وغداً، على أمل الحصول على تغطية قانونية لأعمالهم غير القانونية مستقبلاً كما حصل مع السابقين.
وللحديث صلة.


كلمات دالة: