التصدي للفساد الإداري - 2

رغم أن الفساد الإداري يعد أحد أكثر المشكلات التي تواجه السياسة العامة في دول العالم ، وبخاصة النامية منها ، إلا أن نادراً ما تناولته الدراسات ، في مجتمعاتنا العربية ، بشكل علمي وعملي ، إذ يتم التركيز دائماً إما على وصف الظاهرة أو على اسـتعراض أسبابها والمفاهيم المتعلقة بها نظرياً ، أي البحث حول الظاهرة دون الإستناد إلى أرقام وحقائق من واقع الأجهزة الإدارية المختلفة ، ونادراً ما يكون هناك إستعراض لاتجاهات العاملين أو الرأي العام أو القيادات السياسية والإدارية بخصوصها ، وهذا يرجع بالطبع للتعتيم وعدم الكشف عن المعلومات ، وعدم توفر مصادر المعلومات الموثقة واللازمة لإجراء هذا النوع من البحوث والتحليلات ، إضافة إلى أن هذا التعتيم على المعلومات يعد أحد أكثر الآليات المستخدمة في إضعاف قدرات الأجهزة التشريعية في التعمق في قضايا الفساد والإداري وممارسة حق المحاسبة والمساءلة في هذا الشأن.


في بحث نادر لأحد الباحثين العرب قدّم مدخلاً عملياً لتحليل هذه الظاهرة من خلال دراسة بعض الخصائص الديموغرافية والوظيفية لمرتكبي جرائم الفساد الإداري في إحدى الدول العربية، وذلك استناداً إلى بيانات واقعية من سجلاتها القضائية.
شمل البحث 112 حالة جريمة أدين أصحابها فعلاً من قبل المحكمة المختصة بإحدى جرائم الفساد الإداري وهي الرشوة، وسرقة الأموال النقدية، وسرقة الأموال العينية، وذلك خلال السنوات 1992-1996. وقسّم الباحث العوامل ذات العلاقة المحتملة بالفساد الإداري إلى ثلاث مجموعات رئيسية هي: الخصائص الفردية للموظفين وتضم الجنس والعمر والمهنة، والعوامل التنظيمية الداخلية وتضم الزملاء والمستوى الوظيفي، والعوامل التنظيمية الخارجية وتضم نوع نشاط المنظمة والقانون الذي يحكمها.
أما النتائج التي توصل إليها البحث، من خلال الدراسة الإحصائية الميدانية التي اعتمد عليها، فقد دلت على وجود علاقة بين جرائم الفساد الإداري وتلك العوامل جميعها. ففيما يتعلق بالخصائص الفردية للموظفين تبين أن الذكور منهم أكثر ارتكاباً لجرائم الفساد الإداري من الإناث، وأن صغار السن أكثر ارتكاباً لهذه الجرائم من كبارهم، وأن المهنيين أقل ارتكاباً لها من غير المهنيين. أما العوامل التنظيمية الداخلية فأظهرت الدراسة أن الفساد الجماعي أقل شيوعاً من الفساد الفردي في البيئة موضع البحث، وأن الفساد في المستويات الوظيفية الدنيا أكثر منه في المستويات العليا.
وبالنسبة إلى علاقة العوامل التنظيمية الخارجية بالفساد الإداري فقد تبين أن جرائم سرقة الأموال العينية المرتكبة في المنظمات الإنتاجية أكثر من تلك المرتكبة في المنظمات الخدمية، أما الرشوة فلم تسجل أي جريمة من هذا النوع في المنظمات الإنتاجية، بينما ارتكب الموظفون في المنظمات الخدمية هذه الجريمة بنسبة 21% تقريباً. وبالنسبة إلى سرقة الأموال النقدية فقد ارتكب الموظفون في المنظمات الخدمية هذه الجريمة بدرجة أكثر من موظفي المنظمات الإنتاجية، نظراً لأن المؤسسات المالية تحتل قطاعاً مهماً في المنظمات الخدمية. وأخيراً فقد بينت الدراسة أن المنظمات التي يحكمها قانون عام هي أقل تعرضاً لجرائم الفساد الإداري من تلك التي يحكمها قــانـون خاص.
ونظراً لأن الفساد الإداري لا يختلف في واقعنا العربي من بلد إلى آخر، ونظراً لأننا لا نعلم ما هي الدولة العربية التي تم البحث فيها، فيمكننا أن نضع هذه النتائج في حسابنا عند الحديث عن ظاهرة الفساد الإداري في البحرين أو أي دولة عربية أخرى.
وللحديث صلة ...


كلمات دالة: