التصدي للفساد الإداري - 3

في عصر التحديات التي باتت تطوق كافة أبعاد حياتنا، لم تعد الحياة تسمح بالسكون أو غرس الرؤوس بالرمال، بل لابد من الديناميكية والتجديد في كل مناحي الإدارة ومواكبة التغيير الفعال.
وإذا كنا كأنظمة وشعوب جادين في ضمان التنمية الشاملة وتهيئة المناخات الصحية، فلابد أن تكون الإدارة والقيادة والسلطة جنباً بجنب مع المجتمع المدني على مستوى التحديات، وأن تتعامل مع رياح التغيير وما تحمله بين طياتها من آمال وأحلام واستعداد للتكيّف مع أحداث التغيير المدروس، والعمل على إحداثه.


وعندما نتكلم، بهدف التغيير، عن الفساد الإداري في البحرين فإننا نادراً ما نستطيع أن نأتي بأمثلة موثقة ومدعومة بالأرقام والأسماء والتواريخ لحادثة من حوادثه، لأن الكشف عن هذه المعلومات ومصادرها، في دولنا، يعد أحد المستحيلات التي لا يمكن أن تتحقق حتى بعد مرور الزمن والوقت المتعارف عليه دولياً لصلاحية الكشف عن المعلومات. ولكن رغم ذلك هناك بعض القضايا العامة والخاصة التي لا يمكن إلا أن نكون متأكدين من تمكن الفسـاد منها مما أدى لتلك النتائج السلبية التي عادة ما نعيشها بشكل جماعي.
على سبيل المثال هناك قضية الكهرباء والماء في البحرين ، وهذه المعاناة التي يعاني منها الشعب البحريني في هذه المنطقة من العالم ، والتي تصل درجات الحرارة فيها في مواسم معينة وطويلة إلى 50 درجة مئوية أحياناً ، كيف نفسر هذا القطع شبه اليومي للكهرباء عن الناس (علماً بأن هناك مناطق معدودة على أصابع اليد الواحدة لا يصلها قطع الكهرباء الذي يسمى مبرمجاً) ، وكيف نفسر ظاهرة الماء الساخن الذي يصل البيوت بدرجات حرارة عالية جداً في فترة الصيف ، مما يجعله غير صالحاً للإستعمال قبل تبريده الذي يستغرق ساعات طويلة . إنها حالات يصعب على الناس تحملها بجانب معاناتهم من حرارة الصيف التي لا تطاق، فمن المحاسب في هذه القضايا في الوقت الحالي، ومن أين تبدأ المساءلة والمحاسبة، والأهم من كل ذلك كيف يمكن حل هذه المشاكل اليوم، لتخفيف معاناة المواطنين قدر المستطاع.
المثال الآخر، وهو ما نشاهده يومياً في عمليات الحفر المستمرة والمكثفة في جميع شوارع البحرين، القديمة منها والجديدة، والتي تدعونا للتساؤل حول كيف يمكن في دولة عصرية مثل البحرين، أن يكون العمل في المجاري والتمديدات بمختلف أنواعها مستمراً منذ أكثر من ربع قرن دون أن تنتهي أجزاء منها، كحد أدنى ، ودون الحاجة للرجوع إليها وفتحها مرات متعددة . إن هذا العمل الجاري اليوم في مختلف شوارع ومناطق البحرين، الحديثة والقديمة، يدل إن البنى التحتية الأساسية لا زالت غير مستقرة، بمعنى إنها لا زالت قيد الإنشاء وليس التطوير.
فالسؤال كيف يتم التخطيط لهذا البلد، وكيف يتم رصد موازناتها وكيف يتم تنفيذ مشاريعها اللانهائية في ظل تلك الميزانيات التي يجب أن يتم إقفالها مع نهايات فتراتها.
والسؤال الآخر، من المسؤول ومن المحاسب اليوم عن أعمال ومشاريع بدأت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ولم تنتهي إلى هذا اليوم، ومن المحاسب عن أعمال وخدمات قدمت للمواطنين ناقصة وغير مستوفية لشروطها وفيها الكثير من الأخطاء التي تتراكم مع الزمن ومع سوء التخطيط والتنفيذ.
إن التغيير لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار مناخ إداري داعم ومساند له، مناخ يتصف بالشفافية والنزاهة والمساءلة، منطلقين من العلاقة العكسية بين الفساد الإداري والتنمية. فالفساد يُشوه المعايير التي على أساسها يتم توجيه وتخصيص الموارد، وهو العامل الذي يفسر الرداءة المزمنة فيما يحصل عليه المواطنون من سلع وخدمات.
وللحديث صلة، عن أمثلة أخرى للفساد الإدراي ...


كلمات دالة: