التصدي للفساد الإداري - 4

هناك ما يدفعنا للتمعن في بعض الظواهر الأولية للفساد الإداري، الواضحة للعيان وضوح الشمس، والملفتة للتساؤل بما لا يمكن التنكر لها والتعتيم حولها، وعادة ما يكون وضوحها متألقاً في المجتمعات الصغيرة مثل المجتمع البحريني، وهناك ما يدفعنا، في هذا المجال، للتمعن في ظاهرة الرشوة (العمولة) وعلاقتها المباشرة بمظاهر الثراء الفاحش والمفاجئ التي غالباً ما تظهر على الموظفين الكبار في القطاع الحكومي، وبالأخص في القطاعات الخدمية الهامة. هذا الثراء الذي لا يمكن إلا أن يتساءل كل مواطن حول من أين وكيف حدث في غفلة من الزمن، فهل يمكن أن يتحول الموظف الحكومي، حتى لو كان وزيراً، من موقع مالي أقل من بسيط، إلى صاحب أملاك وعقارات وأرصدة مالية بأرقام خيالية، وسكن خاص يشكل ثروة تفوق رقم المليون ويضاهي سكن الملوك. هل هناك إمكانية الوصول إلى الثراء بواسطة الراتب الشهري في فترة زمنية قياسية دون اللجوء إلى أساليب اللف والاحتيال والفساد الإداري.


قد يجوز التغاضي عن هذه الظواهر عندما تكون محصورة في فئات قليلة جداً في المجتمع، ولكن لا يمكن أن يكون هذا الأمر بعيداً عن المساءلة والمحاسبة عندما يشكل ظاهرة بين نطاق واسع من العاملين في القطاعين الحكومي والخاص، كما لا يمكن أن يتم التغاضي عنه عندما تكون آثاره السلبية واضحة للعيان في جميع القطاعات الإستثمارية والتنموية، ولا يمكن التساهل في التقصي عن القائمين عليه عندما يصل الأمر إلى معاناة قطاعات كبيرة من الشعب من الآثار السلبية المترتبة على هذه الظاهرة.
هناك الكثير من القصص المتداولة حول استخدام بعض المسئولين في القطاع الحكومي نفوذهم للتلاعب في موازنات المشاريع الكبيرة، بطريقة وبأخرى، وكل ما تم أو يتم، عند التسرب العلني لبعض هذه الأنباء المؤكدة، هو التخلص من هذا المسؤول بنقله من موقع لآخر، أو وضعه في منصب لا يقل اهمية عن منصبه القديم وإنما في الصفوف الخلفية استدراكاً لامتصاص آثار الواقعة، دون أية محاسبة لمعرفة "من أين لك هذا". وفي مواقع أخرى يتم التضحية بكبش فداء من أحد الموظفين الصغار التابعين للمسؤول، كتعبير عن أداء السلطة التنفيذية في المساءلة في هذه القضايا. والأدهى من ذلك، هو أنه حتى بعدما يتم الاستغناء عن خدمات هؤلاء الأشخاص، الكبار والصغار منهم، تحت ضغط التمادي في الفساد، يبقون محصنين ضد التوجه الإعلامي إليهم وكشف أدوارهم، علماً بأن هذا الإعلام يمكن أن يستغل أحسن إستغلال كأحد أكبر الأدوات الضاغطة والمانعة لإستغلال النفوذ والمناصب وتفشي الفساد الإداري، حفاظاً على المصلحة الوطنية العليا.
وأخيراً، ولكي لا نبخس الشرفاء حقهم، يجب أن نعلن ونقر هنا بدور الكثيرين من أبناء هذا البلد الغيورين والنزيهين، من العاملين في مختلف المناصب العليا في القطاعين العام والخاص، الذين أعطوا ولا زالوا يعطون من جهودهم وذواتهم لبناء وتقدم هذا المجتمع أكثر بكثير مما يأخذون، وهم مقتنعين بأن هذا واجبهم وهذا هو حقهم.


 

كلمات دالة: