الفنون وبناء الحضارات

على مدار التاريخ يتم التعرف والحكم على عمق وعراقة وأصالة الحضارات القديمة والحديثة من خلال إبداعاتها الفنية والفلسفية والأدبية التي تعبّر عن الجانب الإنساني الحقيقي لتلك الأمم مع تنوع الحقب والعصور، لهذا تولي المدنيات المتقدمة المعاصرة إهتماماً خاصاً لإنشاء هذه البنية الإنسانية في مجتمعاتها من خلال الإهتمام بالبناء الإبداعي والفني والحضاري. وحيث أن الإبداع والفنون أصبحت مواد علمية تُدَرّس للوصول للإتقان الحسي والجودة العلمية، لذلك تولي تلك المجتمعات إهتماماً خاصاً بالحث على تعليم وتَعَلّم الفنون بمختلف أشكالها، وتدريب الناشئة عليها لتربية وتنمية أذواقهم وأحاسيسهم الجميلة، من خلال المدارس والمعاهد والكليات المتخصصة، ومن خلال المتاحف ودور العرض والمسارح والفعاليات الخاصة بالفنون والفنانين والإبداع الحقيقي الأصيل والمبدعين الأصيلين بمختلف تلاوينهم.


لذلك نتساءل لماذا تخلو البحرين اليوم من هذا الجانب الإنساني الملح والمطلوب لخلق الجمال وتنمية الذوق في المجتمع ؟، ولماذا لا توجد لدينا معاهد ومدارس للتربية الفنية والفنون التشكيلية، ومدارس ومعاهد للموسيقى وفن التصوير والنحت؟، ولماذا لا توجد لدينا معاهد تُخَرّج مسرحيين وفنانين على مستوى عالي من الكفاءة والعمق الفني الأصيل؟، ومن المسؤول عن حرمان الأجيال البحرينية المتعاقبة من هذا الجانب الإنساني والخلاق من العلوم ؟ ، وهل الإبداع الفني يشكل خطورة على تبني الأمم لمفاهيمها العلمية والدينية والأخلاقية، أم إن هذا الإبداع هو ما يزيد هذه المفاهيم ثراءاً وعمقاً؟.
ولكتابة تاريخ شعبنا الذي يعيش هذا العصر بتطرفه وتناقضاته وانتصاراته وانكساراته وحروبه وأزماته، ألسنا بحاجة لمعرفة كيف سوف يتذكرنا الأجيال القادمة، ومن خلال اي النوافذ الإنسانية سوف يطل علينا المؤرخون في المستقبل.
وحيث أننا لسنا بحاجة للدخول في الشرح والتفصيل عن دور الفن والإبداع الفني من خلال الموسيقى والمسرح والسينما والفنون التشكيلية بكل أبعادها في رقي الشعوب وتعميق الحس الجمالي والسمو الأخلاقي المترفع على الخلافات والنزاعات الأنانية والذاتية، فإننا هنا نؤكد بأن البحرين تشكو من نقص كبير في هذا الجانب الإبداع، مما يشكل إجحافاً حقيقياً في حق الأجيال التي تعيش هذا الخواء الفني، وهذا التدني في الذوق السمعي والحسي والبصري في تقديرهم لمختلف أنواع الفنون والإبداعات، بسبب عدم إطلاعهم على دور وأهمية الموسيقى والرسم والمسرح والإبداع في الحياة اليومية المباشرة للإنسان، وعدم تدريب أحاسيسهم الجمالية وملكاتهم النقدية في التعرف على الأصالة والإبداع في الفنون.
يا ترى، من هو المسؤول عن هذا التقصير؟ ....


كلمات دالة: