تحكم أخطاء الماضي في حاضر العمل السياسي

لا يمكن الاستفادة من تجارب الماضي وتفادي أخطائها بدون مراجعة كاملة لتلك التجارب بمستوى عالي من الشفافية وانتقاد الذات ومواجهة النفس ، وخصوصاً عندما تكون آثار وتبعات تلك التجارب وذلك الماضي ذات انعكاسات مستمرة على الحاضر وعلى الشأن العام وله من الاستمرارية ما لا يمكن إنهائه بجرة قلم أو بتصريح عابر حول انتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة. إن العمل في الشأن العام له من المسئوليات الكبرى ما يحتم التمسك بقواعد وأصول سليمة في مراجعة التجارب العامة والذاتية والكشف عن الأخطاء والإعلان عنها كما يتم الإعلان عن الإنجازات إن وجدت، ليكون حافزاً على نشر ثقافة المساءلة والمحاسبة والنقد الذاتي في المجتمع حسب الأسس والمعايير السليمة.
وبتطبيق هذه الحالة على مختلف القوى السياسية في المنطقة نجد إن هذه القوى ، كما الحكومات العربية، غير قادرة على مراجعة تاريخها أو أسلوب عملها المليء بمختلف أنواع الأخطاء والصراعات والمشاكل على مدى تاريخ يمتد إلى نصف قرن، كما لا تزال تلك القوى الوطنية، التي خرجت من سريتها إلى العمل السياسي العلني منذ ما يقارب الأربع سنوات، تعاني من نفس الأخطاء القديمة التي من الممكن أن تستمر انعكاساتها على العمل السياسي لفترة عقود قادمة إن لم يتم استدراكها ومواجهتها برؤية معاصرة وثوابت تتناسب مع المرحلة الراهنة والأحداث التي تمر بها منطقتنا محلياً وإقليمياً ودولياً.


أولى تلك الأخطاء التي يجب استدراكها ، هي تلك الممارسات الحوارية الصادرة عن تلك القوى والرافضة لأي نقد عند مواجهتهم بالحديث عن إشكاليات أدائهم السياسي بشكل خاص وأداء مؤسساتهم بشكل عام . إن هذه القوى لا تملك غير إعلانها الرفض التام لأية رؤية مغايرة لرؤيتهم فيما يخص ذلك الأداء، بذريعة إنهم يملكون الرؤية الأصح من حيث تاريخهم النضالي، وأنهم لا يمكنهم التنازل عن سنوات النضال والنفي والمعاناة بسهولة مقابل عدم تحقيق مطالبهم وبحسب شروطهم. لقد أعطى الأخوة لأنفسهم امتيازات سنوات المعاناة في المنفى (حتى لو كان اختيارياً) ، كما أعطوا لأنفسهم الحق في سيادة رؤاهم في المحافل الحوارية التي يحضرونها، واضعين في اعتبارهم أن الآخرين يجب أن يكونوا تابعين لهذه الرؤى.
إن المطروح بواسطة هذه المجموعات ، بكل ديمقراطية، هو عدم تدخل أي طرف آخر من خارج أطرهم المعرفية والفكرية في العمل السياسي القائم حالياً على أرض الوطن، لأنهم أصحاب تاريخ "النضال في المنفى" ، ولأن من عاش في الوطن خلال تلك المرحلة ولم يذق معاناة المنفى لا يملك الفكر ولا المعرفة ولا الثقافة التي تؤهله لطرح رؤى سليمة، فلا يحق له أن يفتي اليوم بأية رؤية سياسية تخالف ما هو مطروح من قبل "أصحاب امتيازات المنفى".
لقد نسي هؤلاء في خضم الهرولة للبحث عن استحقاقات مرحلة ماضية ، إن الاهتمام بالشأن السياسي في المنطقة لهو محصور، اليوم، في جيل عاش كل الإرهاصات السياسية على مستوى الوطن العربي عموماً والخليج العربي خصوصاً، على مدى العقود السابقة، وبذلك يملك غالبية هذه الفئة القدرة على قراءة وكتابة ذلك التاريخ بأفضل صورة لأنهم عايشوه بل وتعاملوا معه في مفاصل كثيرة، ويمكنهم توضيح تلك الصور المتناقضة ما بين العيش في المنفى (الاختياري) خارج الوطن، أو العيش في الوطن ضمن قوانين القمع وتقييد الحريات، كما ويمكنهم سرد مكامن تلك الأخطاء التي أدت إلى انهيار مجمل العمل الوطني الجماهيري المنظم في منطقتنا الصغيرة ليحل محله الغوغاء السياسي، تلك الأخطاء التي ساهمت فيها تلك القوى بشكل فاعل ويتنكر الكثيرون منها اليوم، لا بل لا تزال ترتكب ضمن الممارسات اليومية لبعض التيارات السياسية لعدم تمكنها من خلق أسس جديدة تناسب العمل الوطني العلني، أو ما يدعى بأسس والتزامات العمل في المعارضة العلنية مع التمسك بجميع الثوابت الوطنية والقومية.
لذلك يتحتم على الجميع التمسك بمفاهيم تقدير واحترام وبحث جميع الآراء والرؤى، أي كان مصدرها، للخروج بأنجع السبل لحل ما هو متعلق من مشاكل سياسية ... لتحقيق مصالح المجتمع والمواطن، وليس مصالح وأهداف وامتيازات واستحقاقات خاصة ببعض الأفراد أو التيارات أو الجماعات السياسية.


كلمات دالة: