الأمن الوطني في عالم متغير- الخليج بعد غزو العراق

ضمن سلسلة المحاضرات والندوات التي يقدمها مركز البحرين للدراسات والبحوث ، قدم الدكتور محمد نعمان جلال، مستشار الدراسات الاستراتيجية في المركز، دراسة قيّمة حول موضوع الأمن القومي والإقليمي والوطني العربي في ظل الوقائع والأحداث الراهنة والنظام الدولي الجديد بعد احتلال العراق، تناول فيها المفاهيم الخاصة بالأمن الوطني في ظل طبيعة التغيرات الدولية، ومفهوم الأمن بوجه عام، والتداعيات الأمنية على الخليج بعد غزو العراق والنظام الجديد للشرعية الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة، وما تسبب به في فقدان مصداقية التنظيم الدولي سواء في الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية.
حاول الدكتور المحاضر استيفاء جميع جوانب الدراسة، كبحث علمي ومرجعي يمكن اعتماده كمدخل لتطوير مفهوم الأمن الوطني والقومي، وبناء الاسس المطلوبة لبناء معرفي متكامل حول الموضوع، حيث جمعت تلك المحاضرة نتاج جهد علمي كبير ونتاج خبرة عمل دبلوماسي وسياسي اكتسبها الدكتور المحاضر من خلال سنوات عمله الطويلة.


ولكن من جانب آخر بدا الدكتور المحاضر متحفظاً شيئاً ما في الرد على بعض التساؤلات التي أخذت أبعاداً سياسية حول الوضع العربي الراهن وتحقيق الأمن القومي والوطني والربط بين الممارسة السياسية والدراسات والأبحاث العلمية في هذا المجال، إضافة لما يمكن أن يكون دور الشعوب المضطهدة من قبل أنظمتها في تحقيق هذا الأمن على المستوى الوطني والقومي . لذلك يمكن أن نعبر هنا عن الجانب الآخر من المحاضرة رداً على ما طرحه الدكتور من تساؤل لاصحاب القرار والنخب الثقافية والأكاديمية والسياسية عندما قال ما العمل؟، وهو يقصد، ما هو العمل المطلوب لتحقيق الأمن الوطني والقومي العربي في ظل المطامع الدولية المتربصة بالمنطقة ، وضعف البنية السكانية والعسكرية والتكنولوجية في المنطقة، ووجود سيناريوهات مختلفة للتأثير على خريطة المنطقة المستقبلية، وفي ظل التطورات الجديدة بعد إحتلال العراق ، وفي ظل صعوبة التنبؤ بتداعيات التطورات القادمة على الساحة العربية بعد دخول المنطقة في مرحلة جديدة من السياسات الاستعمارية.
وببساطة شديدة هناك قضية أساسية ومحورية تعد من الثوابت العربية والتي تبنتها حتى القوى الاستعمارية في سعيها للهيمنة على هذه المنطقة ، وهي إن الأمن الوطني لهو على علاقة وثيقة جداً بالأمن القومي العربي ولا يمكن أن يتجزء الأمن الوطني لأية دولة عربية بعيداً عن الدول العربية الأخرى ، أو في ظل وجود إحتلال في دولة عربية أخرى، أو في ظل وجود عسكري أجنبي على أراضيها. أما القضية المحورية الأخرى فتتلخص في أن هذا الأمن لا يمكن أن يتحقق في أبسط صوره في ظل الأنظمة المستبدة وغير الديمقراطية، وفي ظل القطيعة وعدم التوافق بين هذه الأنظمة وشعوبها ، وفي ظل استمرار الفساد الإداري وسوء توزيع الموارد الاقتصادية وزيادة ظاهرة الفقر والبطالة والأمية في هذه الدول، وفي ظل وجود أنظمة هدفها الأساسي وجودها في قمة السلطة رغماً عن إرادة شعوبها وبدعم القوىالاستعمارية العظمى والقوى المستنزفة لموارد وخيرات الأمة لإبقائها على خط التخلف دون أن تمتلك إرادة حقيقية.