نحو إقامة مجتمع المعرفة- تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 /2

تحت عنوان "التقانة المستوردة: سلع تُستَهلك لا معرفة تُوَطّن" يذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 حقيقة هامة لا ينكرها أي عربي ، وهي إن العرب، بشكل أو بآخر، فشلوا في الإبداع العلمي والتكنولوجي كما فشلوا في نقل هذه التكنولوجيا كعلم وتوطينها في الوطن العربي، وكل ما قاموا به خلال العقود النفطية الماضية هو استيراد التكنولوجيا وأحياناً استيراد وسائل إنتهاجها وبناء البنى التحتية الصناعية لإنتاج بعضها دون أن يتمكنوا من إمتلاك وتوطين العلم الذي يؤدي إلى تطوير وتوليد هذه التقانات، مما كان سبباً في إنتفاء الجدوى من هذه المنتجات إقتصادياً نتيجة التقادم لعدم إمتلاكها لإمكانيات التطوير وعدم قدرتها على منافسة المنتجات العالمية المستوردة من الدول المتطورة علمياً والقادرة على تطوير إبتكاراتها وإبداعاتها الصناعية والتقنية.
يضع التقرير هذه الحقيقة، أمام العرب شعوباً وأنظمة، وفي الجانب الآخر يضع معوقات البنية الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى عدم تمكين العرب من توطين العلوم وإمتلاكها وإبداعها، وما تبع ذلك من عدم التمكن من النجاح والإنتشار في مجال الإبداع العلمي والتكنولوجي، إذ لا يمكن أن لا يكون بين ما يزيد عن ربع مليار عربي، عقول قادرة على إنتاج العلم والإبداع العلمي.


يلخص التقرير تلك المعوقات ضمن "السياق المجتمعي المؤثر على اكتساب المعرفة في البلدان العربية" في عوامل يلمسها كل فرد في المجتمع لما لهذه العوامل من التصاق مباشر بحياة الناس والأفراد، وهي بالفعل اليومي، مدار نقاشات الشعوب العربية وحيرتهم في نفس الوقت . وهذه العوامل يضعها التقرير على النحو التالي: "1- الثقافة : التراث الفكري والدين واللغة، 2- دين يحض على المعرفة رغم بعض التأويلات المناوئة للتنمية، 3- اللغة العربية : تراث وثروة وأزمة ، 4- الثقافة الشعبية بين الإتباع والإبداع، 5- الإنفتاح الثقافي: من المحاكاة إلى التفاعل المبدع، 6- البنية الاقتصادية : من استنضاب الموارد إلى إنتاج المعرفة، 7- نسق الحوافز المجتمعي : تقديس القوة والثروة يضعف أخلاقيات المعرفة ، 8- الـسياق السياسي: أ- حبس الحرية يئد المعرفة والتنمية الإنسانية – ب- وسياق عالمي يشكل تحدياً".
التزم التقرير بالإيجاز في تعريف تلك المعوقات ، كل على حدة ، ليترك المجال مفتوحاً أمام جميع القوى في المجتمعات العربية لتناولها ومناقشتها في مجالاتها المختلفة ، لما لتلك المعوقات من روابط مباشرة بالناس والمجتمع بمستويات مختلفة ، كما هي ذات علاقة مباشرة بالأنظمة السياسية العربية بمختلف توجهاتها، علماً بإن هذه المعوقات هي ذاتها في جميع الدول العربية بدون استثناء، ومهما كان معدلها على قائمة التنمية البشرية والإنسانية، إذ إن بعض المجتمعات الأكثر فقراً وتخلفاً تحمل في نسيجها بعض الأسس والعوامل أكثر قرباً لمجتمع المعرفة الحقيقي من تلك المجتمعات العربية التي تعد نفسها أكثر تقدماً بسبب إمتلاكها لثروة تساعدها على جلب التقنية دون إمتلاكها.
وللأهمية القصوى لتوعية الشعوب والحكومات العربية بتلك المعوقات وأسباب وجودها وانتشارها في نسيج هذه الأمة نرى إن الواجب الوطني يدعو جميع مؤسسات المجتمع المدني بمؤسساته المهنية والخيرية والثقافية والنسائية والسياسية إضافة إلى المؤسسات الرسمية، إلى مناقشتها بإستفاضة للخروج بشكل مبدئي بوعي أولي حول دور الإنسان العربي في تأسيس هذه المعوقات وعلاقة ذلك بدور الحكومات والأنظمة والنظم الاقتصادية والسـياسية الدولية، إذ إن تشخيص المرض يعد نصف العلاج ، وإلا فسوف نبقى سائرين في دائرة مفرغة، أي سيتم تكريس هذه المعوقات على أنها من تراث هذا المجتمع العربي وإن التخلف المعرفي قدر العرب ومصيرهم.
وللحديث صلة ....


كلمات دالة: