خيانة الوطن ... في صور عصرية

إن ما يتم تنفيذه في العراق منذ بدء الإحتلال الأمريكي لهو من الخطورة بما يوازي خطورة قوة إنفجار القنبلة الذرية بالنسبة للمنطقة بأسرها، وما يحدث في العراق منذ لحظة تدنيسه بنزول القوات الأمريكية على أراضيه يبعث على الغضب والإشمئزاز كما يثير الحزن والتشاؤم بعد إتضاح الصورة الحقيقية لأهداف ومخططات الإدارة الأمريكية في العراق وتلك الأهداف المعلن عنها تحت مسمى إعادة تشكيل المنطقة بأسرها والتي بدأت تتضح خيوطه بممارسات السياسة الأمريكية مع باقي الدول العربية.
إن ما يحدث في العراق هو تنفيذ للبنود الأولى من الإستراتيجية الأمريكية القائمة على إعادة تشكل المنطقة العربية بأسرها على أسس عرقية وطائفية بحتة، وخصوصاً تلك المناطق القريبة من منابع النفط والدول التي تملك هذه الثروة، بما يتيح سهولة إدارتها ونزف خيراتها تحت مختلف الذرائع والأسباب، بدءاً بمقاومة الإرهاب وانتهاءاً بتدويل مصادر الطاقة ومروراً بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه المناطق التي تحكمها حكومات غير ديمقراطية.


وكل ذلك يثير اليوم تساؤلات حول أدوار شعوب هذه المنطقة في صد هذه التدخلات الأجنبية الوقحة في سيادات دولها ، وهل سوف تعي الشعوب دور هذه المخططات قبل أن تعيش المنطقة فعلياً واقع التجزئة الإثنية والعرقية والطائفية أم إننا سوف نشاهد الكثيرين من أمثال أولئك العراقيين المتأمركين الذين ينفذون اليوم مع الإدارة الأمريكية مخططاتها في شكل جديد وعصري من أشكال خيانة الوطن.
والسؤال الأكبر هو هل يمكن أن تتكرر في أية دولة عربية أخرى هذا الواقع العراقي الذي يقوم تحت أقدام جماعة مجلس الحكم العراقي ، وهل يمكن أن يصل خيانة الإنسان لوطنه لهذا البعد وهذا التدني في الخلق والسلوك الذي وصلت له هذه المجموعة التي أتت بالمحتل إلى العراق ولا تزال مستمرة في التعاون معه تحقيقاً لمصالحها وطموحاتها الشخصية ولا شيئ غير ذلك.
يتناقل العراقيون، كشهود عيان، أنباء مؤكدة عن عمليات خطيرة ومرعبة تتم بواسطة جماعات منظمة ومدعومة في منطقة الجنوب العراقي لإخلاء مدن الجنوب من الطائفة السنية بقوة القتل والخطف والتهديد، كما تقوم الجماعات الكردية المنظمة بتنفيذ نفس المخطط ضد العرب في الشمال العراقي ، وكل هذه الجرائم تتم تحت إشراف ومراقبة ودعم قوى الإحتلال في هذه المناطق، مما يؤكد إنها تتم ضمن مخطط للتطهير العرقي في المناطق العراقية استعداداً لإعلان تقسيم العراق على أسس طائفية وأثنية إلى فيدراليات ضعيفة وسهلة القيادة. وفي نفس الوقت كل هذه الجرائم مستمر العمل بها في العراق بينما مجلس الحكم العراقي منشغل بالطموحات الشخصية لأعضائه في وضع ترتيبات تشكيل المجلس الوزاري العراقي على نفس الأسس الطائفية والعرقية التي تشكل بها مجلسهم، حيث عينوا خمسة وعشرين وزيراً من أقرب أقاربهم، ولا تؤهلهم لهذه المناصب غير مواقفهم الطائفية والإثنية وكراهيتهم للنظام السابق.
وهنا نتساءل من الذي سوف يبني العراق ، ويعيد لها كرامتها وسيادتها ضمن هذا الواقع الطائفي والعنصري؟
ونتساءل أليس هذا الذي يقومون به بتدمير أسس البنية العراقية الموحدة يعد أكبر خيانة للوطن؟
وإن لم تكن هذه خيانة فما هي الصفة التي يمكن أن يطلق على هذا النوع من العمل؟
وللحديث صلة ...


كلمات دالة: